خلافاً للمخاوف التي سبقت موعد المظاهرات «الموحدة» في ساحة التحرير وسط بغداد، أمس، ساد الهدوء ومرت «عاصفة» المحتجين بسلام ولم تحدث أي احتكاكات، باستثناء حوادث طفيفة وقعت قرب ساحة الخلاني، بين المتظاهرين وقوات الأمن مثلما درجت العادة في غالبية المظاهرات؛ التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وخلفت وراءها نحو 500 قتيل و20 ألف جريح.
وعزا ناشطون الهدوء الذي ساد المظاهرات إلى «قيام ناشطين بإنشاء حاجز بشري على جسر الجمهورية للحيلولة دون عبور المتحمسين من المتظاهرين إلى المنطقة الحكومية (الخضراء)، للحيلولة دون وقوع صدامات بينهم وبين قوات الأمن».
وكان الناشطون والمدونون انشغلوا مساء الاثنين، بالدعوات المشددة إلى عدم العبور إلى المنطقة الخضراء والالتزام بسلمية المظاهرات والبقاء في ساحة التحرير والشوارع القريبة منها. وحذروا من أن جهات سياسية وفصائل مسلحة تسعى لـ«استدراج» المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء لإيقاع أكبر الخسائر بين صفوفهم ولتأكيد ادعاءاتهم بعدم سلمية المتظاهرين. وتوافد آلاف المتظاهرين من مختلف محافظات الوسط والجنوب إلى بغداد للمشاركة في المظاهرات الموحدة التي روج لها بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية. غير أن الناشط أحمد محمد أبلغ «الشرق الأوسط» أن «المظاهرات لم تشهد الزخم المتوقع، خصوصاً بالنسبة لحضور الشباب من بقية المحافظات، نظراً لخشية الشباب من انقطاع الطرق وعدم تمكنهم من الوصول إلى بغداد». وأضاف أن «الأعداد في التحرير كبيرة وتقدر بالآلاف، لكن اللغط والتحذيرات التي ترددت في اليومين الأخيرين حول اقتحام (الخضراء)، ربما حالت دون مجيء المتظاهرين بكثافة من بقية المحافظات».
إلى ذلك، قال مصدر في شرطة العمارة، كبرى مدن محافظة ميسان، لوكالة الصحافة الفرنسية: «وقعت 4 انفجارات متزامنة؛ 3 بعبوات صوتية وأخرى ناسفة، رافقها إطلاق نار بعيد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء». وأضاف أن «العبوات الصوتية استهدفت مقرين وقيادياً في حركة (عصائب أهل الحق)، فيما استهدفت العبوة الناسفة قيادياً في (حركة أنصار الله)، من دون وقوع ضحايا»، فيما أشار مصدر طبي في مستشفى المدينة إلى إصابة 3 أشخاص بجروح. وينتمي الفصيلان المستهدفان إلى «قوات الحشد الشعبي» التي تضم فصائل مسلحة شيعية بعضها موالٍ لإيران.
وقال محلل أمني طلب عدم كشف هويته: «ما حدث ليل أمس في العمارة، رد فعل الشارع العراقي على مذابح السنك والخلاني (وسط بغداد)، وقبلها الناصرية وكربلاء والنجف». وتعرض مرأب يسيطر عليها محتجون منذ أسابيع عند جسر السنك القريب من ساحة التحرير، مساء الجمعة إلى هجوم مسلح أسفر عن مقتل 20 متظاهراً على الأقل و4 من عناصر الشرطة، وفقاً لمصادر أمنية وطبية. كما أدى الهجوم الذي أثار سخطاً واسعاً في البلاد، إلى إصابة نحو مائة شخص بجروح، وفقاً للمصادر.
ورجح المحلل أن يكون «هذا التصعيد للرد على الأحزاب التي تمثل إيران» ويتهمها الشارع بدعم الحكومة وعمليات القمع.
وفي مدينة كربلاء جنوب العاصمة، حاصر متظاهرون مقر مديرية الشرطة، وطالبوا قوات الأمن ومن لديه أدلة حيال اغتيال الناشط المدني فاهم الطائي، ومحاولة اغتيال ناشط ثانٍ، وتفجير سيارة ثالث، بالكشف عنها خلال 24 ساعة. واغتيل الطائي برصاص مجهولين في وقت متأخر الأحد، في مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، بينما كان في طريق العودة إلى منزله من المظاهرات المناهضة للحكومة.
وحاصر آخرون مبنى محكمة كربلاء، وطالبوا بالكشف عن ملفات فساد بحق مسؤولين محليين. وفي الديوانية، أغلق متظاهرون طريقاً تؤدي إلى مصفى نفط الشنافية، مطالبين بفرص عمل، وفقاً لمصدر في الشرطة.
بدورها، دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، جميع الطلبة إلى العودة لمقاعد الدراسة. وجاءت الدعوة على خلفية التعطيل المتواصل للدوام في غالبية الجامعات والمدارس في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب منذ نحو شهر تضامناً مع دعوات الإضراب التي وجهتها نقابة المعلمين في وقت سابق، والمناشدات المتواصلة التي تصدر عن ناشطين بهدف دعم الحراك. وقالت المفوضية في بيان: «ندعو الطلبة للعودة إلى مقاعد الدراسة ضماناً لحقهم في التعليم»، وشددت على ضرورة أن «تلتزم وزارة التربية ونقابة المعلمين ومديرياتها وإداراتها بتوفير كل مستلزمات العملية التربوية وبما يساهم في استئناف الدراسة في جميع محافظات العراق التزاماً بالاتفاقيات والصكوك الدولية التي وقع عليها العراق ابتداءً، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».
وحثت المفوضية العليا لحقوق الإنسان «أولياء الأمور ووجهاء العشائر على تشجيع أبنائهم لمواكبه الدراسة والتعاون مع الهيئات التعليمية والتربوية وإدارة المدارس لاستئناف الدراسة وضمان حق أبنائهم في التعليم». وطالبت القوات والأجهزة الأمنية بـ«توفير وضمان الحماية للمدارس والطلبة والمعلمين والكوادر التربوية وبما يضمن ديمومة العملية التربوية والتعليمية وحق التعليم المتكافئ لجميع العراقيين».