يضطرب أداء مجلس النواب الأردني أمام تسريبات رسمية تفيد بقرب موعد حل مجلسهم، الذي انتخب في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2016، وتنتهي مدته الدستورية مطلع شهر مايو (أيار) المقبل. في الوقت الذي زعمت فيه مصادر رسمية أن قرار الحل ليس مرتبطاً بموعد إنهاء الدورة الحالية.
في كواليس مركز القرار ثمة سيناريوهات جديدة متوقعة تعيد صياغة شكل العلاقة السياسية بين الحكومة ومجلس النواب، التي تشهد تجاذبات على أرضية تضارب المصالح في كثير من الأحيان، وهو تضارب ليس له اتصال بمضمون مواقف الكتل النيابية، التي اشتكى منها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة.
وظهر العاهل الأردني الأسبوع الماضي في مقطع فيديو وهو يناقش مجموعة طلابية حول واقع العمل الحزبي والنيابي في بلاده، مشتكياً من التراجع الحاصل في شكل الكتل النيابية غير القائمة على أسس برامجية يلتزم بها أعضاؤها. وهو النقاش المعطوف على حديث ملكي سابق تحدث فيه عن شكل جديد للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ستنتجه الانتخابات المقبلة.
ما سبق يدعم توجهات رسمية ساهمت في إشاعة معلومتين متناقضتين، الأولى تلوح بقرب موعد حل المجلس النيابي، ما دفع نواب إلى الدخول في سباق لمحاولة كسب رضا قواعدهم الشعبية في دوائرهم الانتخابية، والثانية تبعث برسالة تطمينية لأقطاب برلمانية تحدثت عن استخدام الملك لصلاحياته الدستورية في التمديد للمجلس. هنا برزت تفسيرات ساسة تقول إن ما أشيع عن التمديد، مجرد وسيلة تبرر غاية تمرير قانون الموازنة العامة للبلاد، وتعديل قانون مجالس الإدارة المحلية التي من المتوقع أن تجري انتخاباتها بالتزامن مع الانتخابات النيابية صيف العام المقبل.
في هذه الأثناء يدخل المزاج النيابي في حالة من الارتباك أمام ازدواجية المعادلة التي تقتضي منهم مخاطبة دوائرهم الانتخابية من خلال رفع سقف معارضتهم للسياسات الحكومية، كما تحتم على الذين ينوون إعادة ترشحهم للمجلس القادم، الحفاظ على علاقات مستقرة مع مراكز القرار تسمح لهم بالحصول على منافع يستفيدون منها أمام قواعدهم الشعبية.
وبين المصالح المتضاربة هناك من يعتقد أن تصورات جديدة تم وضعها على طاولة صاحب القرار، يتم من خلالها إعادة ترتيب القبة البرلمانية، عبر تحييد أقطاب نيابية عابرة للمجالس، ودعم وجوه جديدة، تمكن مركز القرار من صناعة نخب سياسية جديدة، تعيد الثقة بأداء المجلس الذي يعاني من ضعف أرقام الثقة به في استطلاعات الرأي، التي كان آخرها استطلاع نفذه مركز الدراسات الاستراتيجية (شبه رسمي) وتحدث عن ثقة شعبية متواضعة بمجلس النواب لم تتجاوز نسبتها 17 في المائة من عينة الاستطلاع.
مهمة مركز القرار لا تبدو سهلة، خصوصاً أمام أزمة ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات الأخيرة من عام 2016 بعد أن شارك تقريباً 1.1 من أصل 4 ملايين ناخب يحق لهم الاقتراع، في حين كشفت الأرقام أن 130 نائباً في المجلس الحالي هم حصاد أصوات 850 ألف ناخب فقط، ما يعني ضرورة انصراف المقاطعين إلى معارضة كل ما يصدر عن المجلس تشريعياً ورقابياً.
ومشاهد الارتباك النيابي خلال الدورة العادية الرابعة والأخيرة من عمر المجلس الحالي، التي تؤشر إلى تضارب مصالح النواب بين البحث عن الشعبية وتحقيق رضا مراكز القرار، فقد صوت المجلس بكليته مطلع الشهر على محاكمة وزيرين سابقين وإحالتهما إلى القضاء، فيما صوت 54 نائباً فقط من أصل 120 حضروا الجلسة، على رفع الحصانة عن نائبين معارضين عرفا بسقف معارضتهما المرتفع الذي طال بعض قرارات القصر والعائلة المالكة، وذلك تحت طائلة تهديد جمهور مواقع التواصل الاجتماعي الذي حذر النواب من محاكمتهما شعبيا في حال رفعوا الحصانة عن النائبين غازي الهواملة وصداح الحباشنة. المشهد الأخير يعتبر مثالاً حياً على تضارب مسارات النواب بعد دفع الوزيرين السابقين إلى القضاء وعدم رفع الحصانة عن النائبين.
مشهد آخر يدلل على تضارب المزاج النيابي الذي اتضح خلال جلسة تشريعية انقلبت باتجاه مناقشات اقتراب بدء ضخ الغاز الإسرائيلي، بموجب اتفاقية وقعتها حكومات سابقة، والتزمت الحكومة الحالية بتنفيذها، فبعد ضغوط نيابية أحال رئيس مجلس النواب مذكرة حملت صفة الاستعجال، تطالب الحكومة بإقرار قانون يمنع استيراد الغاز من إسرائيل، في محاولة للتجاوب مع الضغط الشعبي المطالب بإلغاء الاتفاقية من الجانب الأردني. ورغم وصول الغاز الإسرائيلي «تجريبياً» إلى البلاد، لكن المراقبين اعتبروا أن خطوة النواب موجهة لمخاطبة قواعدهم على حساب مصالح حكومية في حسابات الطاقة وتنويع مصادرها كما يدعي مسؤولون رسميون.
الأجندة الزمنية لتوقيت حل المجلس تستند لحسابات دقيقة داخل مركز القرار، على أن مصادر سياسية مطلعة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، شددت على أن المتغير الأهم في توقيت حل المجلس هو مدى قدرة الحكومة على استيعاب التنمر النيابي، الذي سيظل مشحوناً برغبة في كسب تأييد القواعد الانتخابية على حساب مصالح دقيقة جرى الاتفاق عليها في دورات سابقة.