تبدو تحولات الحراك الاحتجاجي العراقي حادة هذه الأيام بعد أكثر من أربعة أشهر على انطلاقه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فبعد «أسابيع العسل» التي جمعت بين المحتجين في عموم المدن ونظرائهم من أتباع «التيار الصدري» الذين شاركوهم المحن والتحديات المختلفة المتمثلة في حالات الاعتقال والقتل والإصابات على يد القوات الحكومية والفصائل المسلحة الموالية لإيران منذ الأيام الأولى للحراك، انقلب المشهد بطريقة حادة جداً، ليتحول إلى حالة من العداء والاتهامات المتبادلة بين حلفاء الأمس.
وقُتل متظاهر مناهض للحكومة متأثراً بجروحه بعد طعنه بالسكين، أمس، في الحلة (جنوب بغداد)، خلال هجوم على متظاهرين لأشخاص يرتدون «قبعات زرقاً»، كتلك التي يستخدمها أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر طبية وأمنية.
وأصيب ثلاثة متظاهرين آخرين بجروح جراء ضربات بالعصي، وفق ما أوضحت المصادر الطبية، خلال الاشتباك الذي انتهى بتدخل القوات الأمنية وإبعاد أصحاب القبعات الزرق من مخيم الاحتجاج أمام مقر مجلس محافظة بابل.
ورغم التغريدة التي أطلقها زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أمس، رافضاً أي اعتداء على المتظاهرين، وقال فيها: «عشقت ثورة تشرين، وما زلت أعشقها، عشت معها بكل لحظاتها، بحلوها ومرها»، فإن جماعات الحراك تصر على التشكيك في نياته، خصوصاً مع إشارته إلى أنه يسعى إلى «حماية الثورة وإبعاد القناصين والمندسين عنها».
ويرى طيف واسع من الناشطين أن «الوقائع على الأرض» تناقض تصريحات الصدر، خصوصاً الهجمات التي شنتها جماعات «القبعات الزرق» على ساحة التحرير والسيطرة على بناية المطعم التركي، مقر المحتجين في وسط بغداد، وكذلك الهجمات على المتظاهرين في بابل والنجف والناصرية ومناطق أخرى. كما يتهمونه بالسعي إلى تمهيد الطريق أمام رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي الذي يرونه «مرشح أحزاب السلطة».
ووقعت صدامات عنيفة بين المتظاهرين في ساحة الاعتصام القريبة من جسر الثورة في محافظة بابل وأصحاب «القبعات الزرق» الصدريين، أمس، بعد محاولات للسيطرة على الساحة ومنصاتها. وأبلغت مصادر «الشرق الأوسط» أن «عناصر من القبعات أطلقوا النار في الهواء لتفريق المتظاهرين وفض الاعتصام». وأكدت أن «الساحة شهدت توافداً كبيراً من قبل أهالي بابل مع لحظة هجوم أصحاب القبعات الزرق على المعتصمين».
وتحدث قائد شرطة محافظة بابل اللواء علي كوة الزغيبي، أمس، عن تفاصيل حادثة الاشتباك بين المتظاهرين وأصحاب «القبعات الزرقاء». وقال في تصريحات صحافية إن «ساحة التظاهر في محافظة بابل كانت هادئة خلال الساعات الأولى من صباح (الاثنين)، قبل أن يصل أصحاب القبعات الزرقاء إلى الساحة».
وأضاف أنه «بعد وصول أصحاب القبعات الزرقاء إلى ساحة التظاهر، حصل اشتباك بينهم وبين المتظاهرين الذين يوجدون داخل الساحة، بعد رميهم بالحجارة لإبعادهم عن المظاهرات، لكن الأجهزة الأمنية تمكنت من فض النزاع بين الجانبين».
وتحدث قائد الشرطة عن وقوع إطلاق نار «من جهة مجهولة المصدر»، وأن أنصار «التيار الصدري» ما زالوا موجودين داخل ساحة التظاهر «وتم عزلهم عن المتظاهرين عن طريق نصب الحواجز».
وفي محافظة الناصرية، حدثت احتكاكات طفيفة أيضاً بين جماعات «القبعات» والمتظاهرين، انتهت بتدخل بعض الشخصيات المتنفذة في المدينة، فيما رابط بعض عناصر القبعات أمام المدارس في محافظة ميسان، بهدف عدم السماح للمتظاهرين بمنع الدوام فيها.
ووقعت احتكاكات مماثلة بين الجانبين في مدينة النجف، بعد محاولة المتظاهرين قطع الطرق بالإطارات المشتعلة ومحاولة أصحاب القبعات منعهم من ذلك، ما أدى إلى وقوع بعض الإصابات بين صفوف المتظاهرين، استناداً إلى مصادر أمنية في المحافظة.
وإذ يدافع الصدريون عن موقفهم باعتبار ذلك «حماية للثورة عبر عدم السماح للمندسين والمخربين في الوجود بين صفوف المحتجين»، ترفض جماعات الحراك ذلك، وترى أنهم يسعون إلى فض الاحتجاجات بعد نجاح الصدر في إبرام صفقة رئيس الوزراء المكلف مع تحالف «البناء» وبقية القوى السياسية.
وقال الناشط رعد الغزي إن «ما تقوم به جماعات القبعات الزرق يثير الريبة ويكشف عن نيات ربما كانت مبيتة ضد الحراك الاحتجاجي منذ الأيام الأولى». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «مشكلة التيار الصدري وزعيمه، أنهم يريدون مسك تفاحتي السلطة والمعارضة في يد واحدة، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه، كما أنهم لم يدركوا حتى الآن التحول العميق على مستوى وعي الشباب الذي جرى بعد أكتوبر. الشباب اليوم قادة أنفسهم ولن يقبلوا بقيادة أي جهة».
وطرح الناشط في الناصرية الصيدلاني علاء الركابي، أمس، مبادرة مؤلفة من خطوات عدة، يمنح خلالها المتظاهرون رئيس الوزراء المكلف مهلة محددة للإيفاء بالتعهدات التي أعلنها والتي تتضمن محاسبة المتورطين في دماء الناس والتمهيد لانتخابات مبكرة. ورغم تشديد الركابي على بقاء المظاهرات للضغط على الحكومة الجديدة، فإن مبادرته قوبلت بالرفض من غالبية الساحات الاحتجاجية التي ترى أن علاوي «مرشح الأحزاب وغير مطابق للمواصفات المطلوبة التي طرحتها الساحات».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية عن ناشطين أن أنصار الصدر انتشروا أمس حول المدارس والدوائر الحكومية في الكوت والحلة، لضمان إعادة فتحها بعد أسابيع من الإغلاقات المتقطعة بسبب المظاهرات.