على الرغم من أن مرض التوحد يصيب الذكور والإناث فإن تشخيص المرض في الفتيات في الأغلب يكون أكثر صعوبة، وفي المتوسط يتم تشخيص الفتيات بالتوحد بعد مرور سنة ونصف من نفس توقيت تشخيص الذكور. وهذا الأمر يمثل خطورة صحية، حيث إن البدء المبكر في العلاج يعطي أفضل نتائج. وكلما تم التشخيص مبكرا تحسنت حالة الطفل، وهناك الكثير من الدراسات التي رصدت هذه الظاهرة وحاولت كشف أسبابها وبالتالي تجنبها.
– تشخيص الحالات
أحدث دراسة تناولت مرض التوحد رصدت الفرق بين نسبة التشخيص في الأولاد والفتيات، وتم نشرها في مجلة طيف التوحد journal Autism Researchفي نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، حيث قام الفريق البحثي من جامعة براون بالولايات المتحدة بمتابعة بيانات 1000 من الأطفال المصابين بالتوحد. وعلى وجه التقريب هناك حالة واحدة فقط من الفتيات يتم تشخيصها مقابل كل 4 حالات من الذكور. ومن المعروف أن التشخيص المبكر يعتبر جزءا من العلاج الذي يكون في الأغلب علاجا سلوكيا. وأشار الباحثون إلى أن المشكلة الأساسية في تأخر التشخيص هي أن العلامة الأولى التي تلفت نظر الآباء إلى أن الطفل ربما يكون مصابا بالتوحد هي تأخر الكلام وتطور اللغة، ويظهر هذا العرض بوضوح في الذكور، بينما لا يكون بمثل هذا الوضوح في الفتيات، وذلك لامتلاكهن قدرات لغوية خاصة أكثر من الذكور. ويكون التراجع أكثر وضوحا في التواصل الاجتماعي واللعب مع الفتيات الأخريات وأيضا ربما يكون هناك تراجع في الإدراك العقلي، والذي يمكن أن يأخذ وقتا أطول حتى يلفت الأنظار إلى وجود خلل سلوكي في الطفل.
وتبعاً لنتائج الدراسة الحديثة أوضح الباحثون أنهم في حاجة إلى فحص الأطفال في عمر مبكر حتى هؤلاء الذين لا تبدو عليهم علامات واضحة، وإنما مجرد العزلة الاجتماعية، ولاحظ الفريق البحثي أنه لدى نسبة من الأطفال بلغت 50 في المائة يكون التوحد مصحوبا بمرض آخر سواء عضوي أو نفسي أو خلل عصبي مثل فرط النشاط ونقص التركيز ADHD أو تراجع عقلي وهناك نسبة بلغت 44 في المائة يعانون من أمراض نفسية ونسبة 43 في المائة يعانون من تشنجات أو نوبات من الصداع النصفي ونسبة 93 في المائة يعانون من مرض أو أكثر من الأمراض العضوية.
– رصد الأعراض
يشير الباحثون إلى أن الأمهات ربما يعتقدن أن التوحد بمثابة سلوك عادي مثل أن تعاني الفتاة من الخجل وهو الأمر الذي يؤخر من عملية التشخيص. وعلى سبيل المثال فإن الطفلة التي لا تستطيع التحدث بشكل واضح وتكوين جمل في عمر 4 سنوات يجب أن يتم عرضها على الطبيب، وكذلك إذا قامت الطفلة بإخفاء اللعب الخاصة بها أو اللعب بمفردها فقط، وعدم الاكتراث بالآخرين خاصة الأطفال في مثل عمرها، وأيضا يكون هناك نمط ثابت في اللعب لا يتغير، بمعنى أنه على سبيل المثال إذا كانت الطفلة تمتلك عرائس فإنها تقوم بوضعها في اصطفاف معين لا يتغير، والأمر نفسه ينطبق على بقية الألعاب مثل تحريك الكرة في دوائر ثابتة في نفس الاتجاه.
وأهم شيء يجب أن يلفت نظر الأمهات هو عدم قدرة الطفل التعامل مع تغيير الروتين الخاص به سواء ترتيب الغرفة أو الألعاب أو الانتقال من غرفة إلى أخرى وبحلول الوقت الذي تكون فيه هذه الظواهر واضحة تكون فرصة التدخل قد تأخرت كثيرا، وعلى وجه التقريب فإن معظم الفتيات اللاتي يفترض أن يتم علاجهن بداية من عمر 18 شهرا فقط يتم عرضهن على الأطباء في عمر 6 أعوام، وهو الأمر الذي يقلل من فرص التدخل السلوكي المبكر وتنمية القدرات العقلية.
أوضح الباحثون أن تأخر التشخيص ربما يكون من طبيعة مرض التوحد نفسه خاصة أن أهم ما يميز المرض بشكل أساسي هو الفشل في بناء علاقة اجتماعية مع الآخرين بجانب الروتين المتكرر وأيضا بعض الاضطرابات الحسية sensory processing والتي تكون واضحة بشكل أكبر في الذكور مثل الصياح الشديد لأمور تافهة، مثل ملامسة الماء لوجه الطفل أو رمي الملابس في الأرض، حينما يتم أخباره بضرورة أن يرتدي ملابسه، وكذلك التعبير عن الألم سواء بشكل مبالغ فيه أكثر مما يستدعي أو أقل من الألم المعروف لوخز معين أو مرض معين، وكذلك ضرب الحائط في تعبير عن الغضب الشديد. وفي بعض الحالات يمكن أن يقوم الطفل بوضع أشياء في فمه مثل الطلاء أو الحصى أو غيرها، وكل هذه الأمور في الأغلب لا تقوم بها الفتيات بهذا القدر من الوضوح.
هناك بعض العوامل الأخرى التي تزيد من صعوبة التشخيص بالنسبة للفتيات، ومن أهمها اختلاف طبيعة الأنثى عن الذكر، وعلى سبيل المثال فالفتيات في الأغلب لا يقمن بفعل التكرار بالشكل النمطي المتعارف عليه (يعتبر السلوك التكراري أهم عرض في التشخيص)، فضلا عن وجود اختلاف حقيقي في التشريح المخي للطفل الذكر المصاب بالتوحد عن الأنثى، وذلك حسب دراسة سابقة أجريت عام 2005 في جامعة ستانفورد الأميركية.
وفي النهاية أشار الباحثون إلى أن الفتيات يميلن في الأغلب إلى التحكم في أفعالهن، ومشاعرهن في العلن، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة ملاحظة أي أعراض من قبل المدرسين أو مشرفي النوادي، ويصعب من مهمة الآباء. وينصح الباحثون بضرورة عدم التردد في ذكر أي أعراض تخص الطفلة للطبيب مهما كانت تبدو معتادة، ما دام أنها متكررة.
– استشاري طب الأطفال