واصلت الدورة الـ26 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، التي ترفع شعار «الاحتفاء بالجوار الثقافي والقيم الكونية»، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، حتى 16 فبراير (شباط) الجاري، بحضور ممثلي 42 دولة، فعاليات برنامجها، حيث كان موعد الزوار، من مختلف الأعمار، من بين المهتمين بالقراءة والكتابة، على حد سواء، مساء أول من أمس وكذا صباح أمس، مع مجموعة من الأنشطة المبرمجة تضمنت على الخصوص، حفلات توقيع إصدارات بعدد من أروقة دور النشر المشاركة، وفقرات من برنامج فضاء الطفل، ومحاضرات وندوات، على غرار ندوة «العلاقات المغربية – الموريتانية، المشترك الحضاري والآفاق الواعدة»، التي سعت إلى إبراز القواسم المشتركة التي تجمع بين المغرب وموريتانيا، الذي «جمع بينهما، على امتداد تاريخ طويل، من التعاون في مجالات الفكر والثقافة والفن والاقتصاد»، التي اقترحت، بمشاركة محمد مولود أيده الهلالي (موريتانيا) وبكاي عبد المالك (موريتانيا) والجيلالي العدناني وإدريس قصوري (المغرب) إضاءة على ما بين البلدين من مشترك حضاري، واستشراف للآفاق الواعدة في العلاقات بينهما.
بينما سعت ندوة «حضور المغاربة في القدس – الرموز والدلالات»، من تسيير محمد سالم الشرقاوي ومشاركة مهدي عبد الهادي ورامي يوسف ونظمي الجعبة ويوسف النتشة وسمر بكيرات (فلسطين) ومولاي حفيظ علوي (المغرب) إلى تعريف جمهور الدورة على إحدى الدراسات التاريخية المهمة التي أنجزت حول مغاربة القدس وما طرحته من قضايا إنسانية واجتماعية، وما أفرزته من نتائج وخلاصات قدمها مختصون في المجال.
من جهتها، شكلت المحاضرة الافتتاحية للدورة، تحت عنوان «ومضات على التراث الشعبي المغربي»، التي ألقاها الدكتور عبد الحق المريني، مؤرخ المغرب والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، فرصة لإلقاء الضوء على موضوع التراث الشعبي المغربي باعتباره إرثاً حضارياً مشتركاً بين المغاربة، ورأسمالاً لا مادياً جديراً بالعناية والاستثمار.
وقال المريني، في معرض محاضرته، إنّ «التراث الشعبي المغربي تراث غير مادي يجسد بكل ألوانه وأبعاده الحضارية، وبصنفيه المكتوب والشفوي، الامتزاج الثقافي المغربي متعدد الأصول الأمازيغية والأفريقية والصحراوية والأندلسية والعربية، ويتطور تطوراً ملموساً في مواضيعه وأشكاله وتنوعاته ومظاهره في مواجهة العولمة وهيمنتها القاضية»، مبرزاً أنّ هذا ما يجعل «المهتمين بهذا التراث والباحثين في كنوزه مسؤولين عن حمايته من الاندثار وصيانته من الضياع، وإبرازه في أحسن صورة بعيداً عن كل تشويه»، مشيراً إلى أنّ الروافد الثقافية الشعبية المغربية بكل أنماطها «تعبر عن تمظهرات اقتصادية واجتماعية ودينية وفنية وتختزن رموزاً كثيرة وتؤكد على هويتنا وتؤثث تاريخنا وتربط ماضينا بحاضرنا».
وشدد المريني على أنّ الثقافة الشعبية المغربية «ليست فقط مرآة لمظاهر حياتنا وأشكالها، وصورة نضرة لكنوز مجتمعنا الفنية، وإنّما تعتبر أيضاً من وسائل التأثير على مسيرة حياتنا التي تتكيف مع كل أشكال وألوان الحضارة الإنسانية التي تسير اليوم بخطى عملاقة لا يعرف مداها».
واستحضر المريني، في معرض محاضرته، نماذج متعددة من التراث الشعبي المغربي متعدد الألوان، الذي يشمل العادات والأعراف والتقاليد والمهارات المرتبطة بالفنون اليدوية التقليدية، والعلاج الطبي التقليدي، والمواسم الخريفية والربيعية والصيفية، والمهرجانات الموسيقية والشعبية والأندلسية والملحونية وأطباق الأطعمة التقليدية بجميع أصنافها. كما استحضر غنى وتنوع المجموعات الغنائية التراثية المغربية، والطوائف الدينية بترميزات أعضائها وجذبتهم، ومنشدي الأمداح والسماع في حلقات الذكر الصوفي والحضرة والعمارة، إلى جانب الدقة المراكشية وكناوة.
ولاحظ المريني أنّ المجال يضيق بذكر كل تلاوين وتمظهرات التراث الشعبي المغربي، مشيراً إلى الطقوس والأنماط الفرجوية من قبيل الفانتازيا والتبوريدة، والاحتفالات بيوم عاشوراء، وشعبانة، والأعياد الدينية والتقاليد المواكبة لها، والاحتفالات العائلية، كالزواج والعقيقة والختان والصوم الأول في ليلة القدر للأطفال ذكوراً وإناثاً، والفطام، من دون إغفال النكتة المغربية بوصفها ركناً من أركان التراث الشعبي المغربي، تؤثر في النفس لاضطلاعها بدور كبير في الترفيه عن النفوس وخاصة في ظروف المعاناة.
ويشارك في فعاليات دورة هذه السنة من معرض الدار البيضاء 703 عارضين، بينهم 267 عارضاً مباشراً و436 غير مباشر، يمثلون 42 بلداً من المغرب والعالم العربي وعدداً من البلدان الأفريقية والأوروبية والأميركية والآسيوية، سيقدمون عرضاً وثائقياً متنوعاً، يغطي مجمل حقول المعرفة، بحيث سيتجاوز عدد العناوين المعروضة فيه 100 ألف عنوان. فيما سيشهد البرنامج الثقافي مساهمة عـدد مـن المبدعين والكتاب والباحثين، وكذا المهنيين في مختلف أصناف الفكر والإبداع، من المغرب ومن جميع قارات العالم، حيث يشارك في فعالياته ما مجموعه 380 متدخلاً في مختلف الندوات والليالي الشعرية واللقاءات وتقديم الإصدارات الجديدة.
ويتوج البرنامج الثقافي بعدد من المواعيد الموازية، على غرار حفل تسليم «جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة»، وحفل تسليم «الجائزة الوطنية للقراءة»، فضلاً عن تكريم أسـماء فكرية وإبداعية من مختلف جهات المغرب.وأعد المنظمون للأطفال واليافعين برنامجاً متنوعاً خصص له فضاءان لاحتضانه طيلة أيام المعرض، يشمل ورشات علمية وفنية يؤطرها أكثر من 63 مختصاً، في 79 نشاطاً، إلى جانب لقاءات مباشرة مع كتاب وفنانين ورياضيين وإعلاميين.
ويقول المنظمون إنّ الدورة تروم، بهذا البرنامج الغني والمتنوع، «تعزيز الرصيد الكمي والنوعي لهذا الموعد الدولي المهم»، وفي الوقت نفسه «تسعى وزارة الثقافة والشباب والرياضة وشركاؤها وكافة المشاركات والمشاركين والزوار، إلى الارتقاء بهذا الملتقى الثقافي والفكري والإبداعي والمهني، إلى مصاف التظاهرات الإشعاعية اللائقة بالمكانة الثقافية للمغرب وبعراقتها الحضارية في الانفتاح وتعزيز القيم الكونية النبيلة».
وقد يهمك أيضًا:
مشروع "كلمة" يُصدِر "ظلال الاستهلاك.. عواقب البيئة العالمية"
مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"