شهدت ساحة التحرير وسط بغداد وخيام المعتصمين فيها الليلة قبل الماضية تطورات خطيرة تمثلت في قيام مجاميع مجهولة بالهجوم على المعتصمين استخدمت خلاله المسدسات الكاتمة للصوت والسكاكين. ونجم عن «الغزوة الليلية» كما وصفها بعض الناشطين مقتل الناشط أحمد حرب بمسدس كاتم للصوت وتعرض آخرين إلى طعنات بالسكاكين.
وفيما تشير جماعات الحراك بأصابع الاتهام إلى عناصر مرتبطة بالتيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر بالوقوف وراء «الغزوة»، ينفي التيار ذلك ويعتبر الاتهامات جزءا من الهجمات الإعلامية المضادة التي تشن ضده هذه الأيام. ونظرا للمخاطر الجدية التي يتعرض لها المتظاهرون والمعتصمون هذه الأيام، تلمح بعض قيادات الحراك إلى أنها «تفكر جديا بالانسحاب من الساحة وتركها لأتباع الصدر».
وتشير المعلومات المتداولة بين الناشطين إلى أن الهجمات المنظمة على المعتصمين في «التحرير» بدأت منذ ليل الثلاثاء الماضي، وتنوعت بين الخطف والطعن بالسكاكين والأدوات الجارحة الأخرى، والاغتيال بالمسدسات الكاتمة للصوت بهدف إرهاب المعتصمين لتقليل أعدادهم وإنهاء وجودهم المتواصل في ساحتي التحرير والخلاني.
ووفق إحصائيات غير رسمية يتداولها ناشطون، فإن إجمالي الهجمات وتداعياتها ضد المتظاهرين منذ الخميس الماضي وحتى ليل السبت بلغت «14 إصابة بالسكين إلى جانب حادث الاغتيال بطلق ناري من مسدس كاتم للصوت للشاب أحمد حرب، وهناك 23 خيمة قررت مغادرة ساحة التحرير مؤقتا خوفا على حياة الشباب وأن أعداد الموجودين انخفضت إلى النصف مقارنة بمطلع الأسبوع الماضي».
وأبلغ الناشط عمار أحمد «الشرق الأوسط» أن «غزوة السكاكين طالت خيمة (أبطال أكتوبر) ليل السبت وتسببت بإصابة الشابين عصام ومخلد والأخير إصابته خطيرة، كما شملت الهجوم على خيمة (الدكلاوي) ونجمت عنها إصابة خطيرة للشاب حسين البصراوي». وأضاف أحمد أن «الهجوم وقع بالتواطؤ بين مدنيين يعتقد بانتمائهم لتيار الصدر يحملون مسدسات وسكاكين وقوات الشغب».
وهاجم رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي مجددا أمس، الاعتداءات على المتظاهرين، وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «استخدام العنف المفرط بحق المتظاهرين السلميين يؤكد أن القوة المكلفة بحمايتهم، عاجزة أو متواطئة، ومن الواضح أن الهدف هو محاولة تفريق التظاهرات. أدعو قوات الجيش النظامية لتحمل مسؤولية حماية المتظاهرين من هجمات الميليشيات».
ويبدو أن الاعتداء والهتافات العدائية ضد الحراك التي تطلقها عناصر صدرية، إلى جانب الحديث عن انسحاب بعض الخيام من ساحة التحرير، عوامل دفعت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمس، إلى دعوة أتباعه عبر تغريدة في «تويتر» إلى تقديم الدعم للمعتصمين في الساحات وعدم الاعتداء عليهم. وقال: «وصل لمسامعي أن المواكب الخدمية باتت قليلة في ساحات الاحتجاجات، من هنا أدعو العراقيين الشرفاء لدعمها».
وأضاف: «هناك من يدعي الانتماء لي، لكنه يقوم بإثارة الفتنة من خلال الهتافات المحرضة، وهذا لا أرضى به، كما لا أرضى بالتعدي على رموزنا الدينية». وكان غاضبون من أتباع الصدر رددوا ليل السبت، هتافات تشير إلى قتل كل من يوجه انتقادا لمقتدى الصدر.
ورغم المخاطر التي تحيط بالمحتجين هذه الأيام والاعتداءات التي تطال بعضهم وتلويح بعض الاتجاهات الاحتجاجية بالانسحاب من الحراك، دعا طلبة جامعة بغداد، أمس، زملاءهم في بقية الجامعات إلى الخروج بتظاهرات مليونية اليوم، وتعهدوا بتنظيم وقفات احتجاجية على امتداد أيام الأسبوع، لـ«نشدد على مطالبنا ونبين رفضنا القاطع لتكليف محمد توفيق علاوي لرئاسة الوزراء، كذلك لجمع التبرعات للساحات» بحسب بيان أصدروه.
من جهة أخرى، وفي تطور اعتبر متأخرا بنظر بعض المراقبين والناشطين، طرح المحتجون في ساحة الحبوبي بمدينة الناصرية، أول من أمس، اسم الناشط والصيدلاني علاء الركابي مرشحا لرئاسة الحكومة الانتقالية. وجاءت خطوة الناصرية ردا على عدم قبول معظم ساحات الاعتصام بعلاوي لرئاسة الوزراء بوصفه مرشحا لقوى وأحزاب السلطة ولا يحظى بقبول الساحات.
ويرى رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري، أن «ترشيح أحد المتظاهرين (علاء الركابي) لمنصب رئيس الوزراء في هذا الوقت خطوة متأخرة». ويعتقد الشمري أن الترشيح سيتم «استغلاله من معادلة السلطة للإبقاء على الحكومة والنهب الراهن، وإعاقة وابتزاز المكلف للمنصب محمد علاوي ببديل ساحات التظاهر».
أما الناشط علاء السيد جبر، وهو من أصدقاء الركابي، فيقر بنزاهة الأخير ومشاركته الفاعلة في الحراك ومساعدته للفقراء من أبناء مدينته، لكنه يرى أن «ما يؤخذ على الركابي الذي تحول لشخصية عامة وأيقونة للناصرية أنه استحوذ على قرار الساحة بشكل شبه كامل وصار الناطق باسمها دون تفويض رسمي». وتساءل جبر عبر تدوينه في «الفيسبوك»: «ما الجديد الذي طرأ وتغير الموقف بعد تسمية محمد علاوي، ألم يكن الأجدى أن يترشح الدكتور علاء الركابي بعد أسبوعين مثلاً من إعلان المواصفات وعدم توصل الكتل لمرشح جيد؟!». وأضاف: «بقي أن نسأل المؤيدين للترشيح، أليس من المرجح جدا أن لا يؤخذ به (ترشيح الركابي) وأن تمضي الكتل السياسية مع علاوي الذي قطع شوطا من المباحثات معها؟ وفي هذه الحالة سيكون عدم احترام إرادة الساحات طعنة أخرى لهيبة التظاهرات».