بينما أعلنت النيابة عن اتهام رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال (يقضي عقوبة 12 سنة سجنا في قضية أخرى)، ووزراء سابقين بالفساد، وإحالة ملفاتهم إلى «المحكمة العليا» المتخصصة في مساءلة كبار المسؤولين حول وقائع تخص فترة توليهم المسؤولية، أدانت محكمة بالعاصمة الجزائرية أمس الناشط السياسي البارز كريم طابو بسنة سجنا، منها ستة أشهر مع وقف التنفيذ، ما يعني أنه سيستعيد حريته بعد أسبوعين.
وأعلن النائب العام بمحكمة الاستئناف بالعاصمة، أمس في بيان، عن تسليم ملفات للنائب العام بالمحكمة العليا، تتضمن وقائع رشى واختلاس مال عام وغسل أموال، تورط فيها، حسبه، رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال (2012 – 2017)، ووزيرة البريد سابقا هدى فرعون، ووزيرة الصناعة سابقا جميلة تمازيرت، ووزير الطاقة السابق نور الدين بوطرفة، إضافة إلى حميد طمار وزير الاستثمار السابق، ومحمد بن مرادي وزير التجارة السابق أيضا. وقد اشتغل هؤلاء تحت أوامر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي ذكر اسمه في العديد من المحاكمات، لكن القضاء يرفض استدعاءه. وكان بعضهم مقربا من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس وكبير مستشاريه سابقا، والذي أدانه القضاء العسكري بـ15 سنة سجنا.
وبحسب البيان، فإن التهم تتصل بصفقات، ومشروعات رصدت لها الدولة أموالا ضخمة بالعملة الصعبة في مجال الأشغال العامة، والري والبناء والمنشآت القاعدية، تمت مع شركات كندية وأميركية. وكان لهؤلاء المسؤولين دور في تقديم تسهيلات خارج القانون لإنجاز هذه المشروعات، مقابل رشى وامتيازات مادية.
في غضون ذلك، نطقت «محكمة سيدي امحمد» أمس بالحكم بحق رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي» (قيد التأسيس)، كريم طابو، بعد أن احتضنت أطوار المحاكمة الأسبوع الماضي، ووضعت القضية في المداولة. وتمت إدانة الناشط «المتمرد على النظام»، بتهمة «المس بالوحدة الوطنية»، بينما برأته المحكمة من تهمة «التحريض على العنف».
وتعود الوقائع إلى الصيف الماضي عندما هاجم طابو الجيش وقيادته في تجمع عقده بشرق البلاد. وقد قضى ستة أشهر في الحبس الاحتياطي، وبالتالي يغطي حكم القضاء هذه الفترة تقريبا، إذ سيفرج عنه في 26 من الشهر الحالي. ويتضمن الحكم شروطا قاسية ضد طابو، تشبه إلى حد ما وضعه في الإقامة الجبرية.
وقال مصطفى بوشاشي، رئيس فريق المحامين المدافعين عنه، قبل صدور الحكم، إن «العقل وحتى القانون يفرضان على المحكمة تبرئته من كل التهم. فطابو رجل سياسي، وعندما أطلق تصريحاته التي أغضبت السلطة، كان يعلق على تدخل الجيش في السياسة، ما يعني أنه كان يمارس السياسة».
وأكد طابو خلال المحاكمة، التي كانت حدثا سياسيا لافتا، أنه كان «بصدد أداء مهمته كفاعل سياسي عندما انتقدت قائد الجيش (الفريق أحمد قايد صالح، توفي نهاية العام الماضي). فهل التعليق على تصريحات سياسية لمسؤول في الجيش، ممنوع عنه دستوريا الخوض في السياسة، يعتبر جريمة في بلادي؟». مؤكدا أنه تعرض للتعذيب أثناء فترة احتجازه بمقر قوات الأمن، قبل إحالته إلى قاضي التحقيق.
وقال الكاتب الصحافي والناشط بالحراك، نجيب بلحيمر بحسابه بشبكة التواصل الاجتماعي: «يوم 26 مارس (آذار) سيعود كريم طابو إلى عائلته، لكنه لن يكون حرا. سيكون محروما من الاتصال بالناس، وممنوعا من الإدلاء بأي تصريح، أو المشاركة في أي نشاط عام، وسيبقى خاضعا للرقابة القضائية بموجب شروط الإفراج المؤقت، الذي استفاد منه في 25 من سبتمبر (أيلول) الماضي بقرار من محكمة تيبازة (غرب)، قبل أن يعاد اعتقاله في صبيحة اليوم الموالي، ليودع الحبس الاحتياطي مرة أخرى».
وأضاف بلحيمر موضحا: «أثناء محاكمته الأسبوع الماضي كان طابو قد أشار إلى هذه الوضعية، وقال إنه يفضل البقاء في السجن على أن يحرم من ممارسة حقوقه السياسية. نحن إذن أمام حكم بالإعدام السياسي لا يمكن إبطاله، إلا بتجنيد الجزائريين من أجل إقامة دولة القانون والحريات، وهذه ليست معركة كريم طابو وحده، ولا معركة أحمد بن محمد (قيادي إسلامي في الإقامة الجبرية) الذي يعيش الوضعية نفسها، بل معركة الجزائريين كافة».