سجّلت تونس، أمس (الثلاثاء)، مزيداً من حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، في وقت بدت شوارع العاصمة خالية من أي نشاط يُذكر، في ظل فرض حظر التجول، وإعلان الحجر الصحي العام، وتعليق الحضور في كافة مؤسسات الدولة، في إطار إجراءات التصدي لانتشار الفيروس.
ووجد كثير من التونسيين نفسه في حالة حصار لم يألفها في السابق نتيجة الإجراءات الحكومية لمنع تفشي الوباء. فقد تعود هؤلاء على الجلوس لساعات طويلة في المقاهي، والتجوّل في الشوارع، والتجمع أمام محلات الوجبات الخفيفة أو التسوّق في المؤسسات التجارية الكبرى، لكن الحجر الصحي وحظر التجول الذي يسري طوال الليل، وحتى ساعات الصباح الأولى، أدّيا إلى فرض عادات جديدة على شرائح واسعة من التونسيين.
ومع دخول المؤسسة العسكرية والأمنية على الخط، بات فرض الإجراءات الحكومية أكثر صرامة على المواطنين، الذين كانوا في البداية مترددين في تطبيق ما يُطلب منهم للتصدي لانتشار الفيروس. ويشكّل نزول الجيش التونسي إلى الشارع لحظة نادرة، إذ اعتبر الحبيب بورقيبة، الرئيس التونسي السابق، أن مكان الجيش في الثكنات، وهو بالفعل لم يخرج منها إلى الشارع إلا في حالات قصوى، على غرار ما حصل خلال «ثورة الخبز» سنة 1983، وأثناء «الانقلاب السياسي» على بورقيبة سنة 1987، وكذلك خلال ثورة 2011.
ومن خلال جولة قصيرة بالسيارة في العاصمة، بدت الحياة في الشوارع والأحياء الشعبية تسير بوتيرة بطيئة للغاية، إذ ينتظر معظم العائلات التونسية، كما يبدو، انجلاء مخاطر الوباء قبل العودة إلى الحياة الطبيعية. وغابت حركة السيارات والدراجات النارية إلى حد كبير، بل كان واضحاً أن الحركة تكاد تكون معدومة، باستثناء تسلل بعض التونسيين، في الساعات الأولى التي تلي فك حظر التجول (عند السادسة صباحاً)، لاقتناء حاجيات أساسية قبل أن يعودوا سريعاً إلى منازلهم. لكن في الإجمال، غابت الحركة كلياً في المقاهي والأكشاك، ولم تصدر الصحف. وكان واضحاً أيضاً أن كثيراً من التونسيين يتجنب إحياء العلاقات الاجتماعية ويتخذ موقفاً حذراً في التعاطي من الآخرين خشية أن يكونوا حاملين للفيروس.
وبالمقارنة مع أيام الثورة عام 2011، فإن الوضع اليوم مختلف تمام الاختلاف. ففي تلك الأيام كانت الحياة سرعان ما تعود إلى وضعها الطبيعي مباشرة بعد انتهاء حظر التجول ليلاً (في الأيام الأولى التي تلت الثورة)، لكن الوضع الحالي مختلف، حيث ضرب الوباء اللحمة الاجتماعية في الصميم، وبات أكثر التونسيين منزوين في منازلهم.
ويقول عبد الحميد عمار (موظف)، إن ساعات اليوم تبدو طويلة للغاية في ظل غياب العمل. ويوضح أن التونسي «لم يعد يعرف ماذا يفعل بوقته الطويل المتاح»، مشيراً إلى عودة كثيرين منهم إلى هواية المطالعة في بيوتهم، وقراءة الكتب التي تغافلوا عنها خلال السنوات الماضية، كما بات كثيرون يمارسون الرياضة المنزلية، وهو أمر لم يكونوا يقومون به في السابق. ويشير أيضاً إلى أن السكان الذين تقع بيوتهم على مقربة من المناطق الجبلية باتوا «أكثر حرية… ففي إمكانهم الآن التفسح طوال ساعات الليل والنهار طالما أنهم بعيدون عن أعين الجيش والأمن، باعتبار أن مخاطر العدوى تبدو قليلة مقارنة بالتجمعات السكنية الكبرى».
أما توفيق بن حسين (سائق شاحنة)، فيقول إن صاحب العمل أوقف تشغيل الشاحنات منذ يوم الاثنين، وانتقل إلى منزله الريفي حيث «يتمتع بحياة مستقرة».
ويوضح حسام الجبابلي، المتحدث باسم الحرس الوطني (وزارة الداخلية التونسية)، أن السلطات الأمنية احتفظت رهن الاعتقال بـ52 تونسياً لم يلتزموا بتطبيق حظر التجوال، علماً بأن عماد الحزقي، وزير الدفاع، أكد صباح أمس نشر مزيد من القوات العسكرية لفرض احترام الحجر الصحي العام، مشيراً إلى تسيير نحو 600 دورية لإلزام التونسيين بعدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة القصوى، إضافة إلى القيام بطلعات جوية على مدار الساعة بمناطق العاصمة التونسية وبنزرت وصفاقس وقابس وبن قردان وجربة، مع استعمال مكبرات الصوت لدعوة التونسيين لملازمة منازلهم. وفي حال إعلان بعض المناطق التونسية مناطق موبوءة، قال وزير الدفاع إن الجيش سينتشر على مداخل هذه المناطق، ويمنع دخول الأشخاص أو خروجهم منها.
وتوعدت السلطات التونسية بأقصى العقاب ضد من يخرقون الحجر الصحي العام دون موجب، مشيرة إلى إمكان إيداعهم السجن لمدة 6 أشهر مع التنفيذ، إضافة إلى فرض غرامة مالية قدرها 120 ديناراً تونسياً (نحو 40 دولاراً أميركياً).
وينتظر كثير من التونسيين، لا سيما أصحاب المداخيل المالية الضعيفة، أن تعلن الدولة عن كيفية منحهم إعانات غذائية ومادية في ظل الضيق الاقتصادي الذي باتت شرائح واسعة تعاني من تبعاته.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الصحة التونسية، أمس، تسجيل 25 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، ما يرفع العدد الإجمالي إلى 114 حالة، حسب ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية، في تقرير من تونس.
ومنذ تسجيل أولى الإصابات في الثاني من مارس (آذار) الحالي، بلغ عدد الإصابات الوافدة من الخارج 74 مقابل 39 محلية تسربت إليهم العدوى. ولا تزال حصيلة الوفيات في حدود ثلاث، فيما يقيم في المستشفيات 11 مصاباً بالفيروس، ويخضع الباقون للحجر الصحي الذاتي في المنازل.
وأوضحت الوكالة الألمانية، أن تونس أخضعت حتى اليوم قرابة 16 ألف شخص للحجر الصحي الاحتياطي، من بينهم أكثر من خمسة آلاف شخص أتموا فترة المراقبة الصحية.
وبدأت تونس حجراً صحياً عاماً منذ يوم الأحد، وحظر تجول ليلي منذ نحو أسبوع. ويشارك الجيش مع قوات الأمن في تأمين دوريات في أنحاء البلاد من أجل تطبيق أكثر جدية للحجر الصحي.