يتباعد المصريون في المساء بفعل الحظر، لكنهم يتقاربون وربما يتلاصقون في المواصلات صباحاً بحثاً عن الرزق، وما بين الفعلين تزدهر المطابخ محاولة «مضغ القلق» القابض على نفوس أصحابها بسبب «كورونا».
السلطات المصرية تفرض بدورها منذ أكثر من أسبوع، حظراً مؤقتاً على التجول منذ السابعة مساءً وحتى السادسة صباحاً، كما أنها أقرت جملة من التدابير لتخفيف زحام المصالح الحكومية من المواطنين والموظفين، وناشدت القطاع الخاص بالنهج نفسه.
لكن انخراط 28.8 مليون مصري في منظومة عمل أغلبها يتبع القطاع الخاص (غير الحكومي) – وفق تقدير رسمي لـ«الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» صدر في أبريل (نيسان) الماضي، بدا حائلاً دون تمكن شريحة كبيرة من البعد عن الزحام والاضطرار لخوض «مقامرة صباحية» في وسائل المواصلات ذهاباً وإياباً، بينما يتردد صدى صوت حملة «خليك في البيت» عبر الشاشات ووسائل الإعلام.
ومع إدبار عصور الطمأنينة وإقبال عهود القلق، ولى زمان كان المصريون فيه ينشغلون بمناقشات سياسية أو اجتماعية على منتديات المقاهي التي أغلقت أبوابها هي الأخرى، فانتقلت الحوارات إلى فضاء «السوشيال ميديا» على ما فيه من رحابة الانتشار وضيق الأفق.
يتندر الساخرون المحظورون من الرجال على الجلوس في منازلهم مكتشفين فجأة أن «أولادهم كبروا»، وتشكو المتربصات من النساء «عصبية الأزواج»، داعيات إلى «زوال البلوة» دون تحديد ما يرمون بدقة، لكن هؤلاء وأولئك، يذيبون تحفزهم ويسوون استقطابهم على أبخرة الأطباق الخارجة من «مصانع الطعام» التي لا تكاد تتوقف عن طبخ وخبز. وقبل أن يدس أحدهم يده في طبق، تقمعه يد إحداهن شاهرة «كاميرا الموبايل»، تثبت اللحظة في صورة وتعطي شارة البدء بعد انطفاء «الفلاش»، ومع تقليب أكواب الشاي تبدأ «اللقطة» في الذوبان عبر أروقة «فيسبوك» وفي الطريق يلتصق بها إعجاب هنا، وثناء هناك، وفي الخلفية ينهب المتفرجون والمتفاعلون ساعات ليل الحظر.