مع تصاعد أزمة مرض «كورونا المستجد» (COVID – 19) كانت هناك ظاهرة غريبة استوقفت العلماء والجمهور على السواء، وهي زيادة أعداد الإصابات في الدول الأكثر تقدماً على المستويين الصحي والمعيشي عن دول العالم الثالث.
وهناك الكثير من النظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة، مثل المناخ وارتفاع درجات الحرارة في معظم هذه الدول أو بعض أنواع التطعيمات الإجبارية.
وأيضاً كانت هناك نظرية ما يسمى بفرضية النظافة Hygiene hypothesis؛ وهو ما يعني أن البيئة التي تحقق مستويات عالية من النظافة والخلو من الميكروبات تكون أكثر عرضة للتأثر بالأمراض المعدية المختلفة، بينما البيئات التي لا يتحقق فيها هذا المستوى من النظافة يحدث لأفرادها ما يمكن اعتباره تطعيماً طبيعياً ضد الكثير من الميكروبات نظراً لتعرضهم الدائم لها.
وعلى الرغم من أن هذه النظرية مقبولة ويمكن تفهمها في الأمراض المعدية، فإن اعتمادها تفسيراً لحدوث الأمراض المختلفة لا يزال محل جدال كبير. ومن مؤيدي هذه الفرضية هناك ورقة بحثية سابقة مهمة من معهد أبحاث السرطان بلندن في المملكة المتحدة تم نشرها في مجلة «نتشر» لمراجعة عن مقالات خاصة بالسرطان journal Nature Reviews Cancer أشارت إلى احتمالية أن تكون اللوكيميا ناتجة من تغيرات تحدث لخطوتين منفصلين تماماً: الأولى تغير جيني يحدث قبل ميلاد الطفل ويجعله مهيأً أكثر من غيره للإصابة بالمرض، والأخرى متعلقة بالعدوى من الميكروبات التي تحدث خللاً جينياً في الخلية يجعلها أكثر عرضة للإصابة. واللافت للنظر أن هذه التغيرات تحدث في الأطفال الذين يتعرضون فقط لعدوى قليلة في السنة الأولى من العمر، وهو ما يعني أنه كلما زاد تعرض الطفل للعدوى من الميكروبات المختلفة قلت فرصته للإصابة باللوكيميا.
وأوضحت الدراسة، أن الخطوتين ضروريتان لحدوث المرض. وبناءً على ذلك، فإن نسبة تقترب من 1 في المائة من الأطفال المهيئين جينياً يمكن إصابتهم بالمرض في حالة تعرضهم لعدوى قليلة في السنة الأولى. وأن التعرض لنسبة كبيرة من الميكروبات في فترة مبكرة من عمر الطفل يكون بمثابة محفز لجهاز المناعة لتمام اكتماله. وما يعزز من صحة هذه النظرية أن أعداد الأطفال مرض اللوكيميا أكثر في البلاد المتقدمة والأكثر نظافة، وتقريباً تحتل نسبة ثلث الإصابات بالسرطانات في الأطفال في العالم الأول، وتزيد نسبة حدوثها كل عام بمقدار 1 في المائة، خاصة النوع الخاص بزيادة إنتاج الخلايا الليمفوية من الكريات البيضاء acute lymphoblastic leukemia وهو الأمر الذي يعد نتيجة للتقدم في المجتمعات الحديثة، حيث إن السلوكيات العامة هناك مانعة لانتشار العدوى بشكل كبير.
– تدريب المناعة
وحسب الدراسة، فإن ما يمكن اعتباره تدريباً مبكراً للجهاز المناعي في أول عام من عمر الطفل يمكن أن يسهم في الحد من الإصابة بالأمراض، ومنها السرطان وتجنب مخاطر الأعراض الجانبية للعلاج الحالي، وهو عبارة عن إشعاع أو علاج كيميائي، وزرع الخلايا الجذعية. واستشهد الباحثون بدراسات سابقة تم إجراؤها على التوائم المتماثلة، حيث يمكن أن تحدث الخطوة الأولى من التغيير الجيني المهيئ للخلية للإصابة في أحد التوأمين وعن طريق الدم المشترك بينهما تنتقل هذه الطفرة الجينية لهم معاً، لكن الخطوة الثانية التي تحدث نتيجة للإصابة بالعدوى بعد الولادة في السنة الأولى تختلف من توأم إلى آخر بالطبع مما ينتج منه إصابة أحدهما فقط باللوكيميا، ويبقى الآخر سليماً، وفي الأغلب يكون الأكثر تعرضاً للعدوى مرات عدة.
كما أن الأطفال الذين يحملون عدوى فيروسية أو بكتيرية حينما يخالطون أطفالاً آخرين ويتم نقل العدوى إليهم، فإن ذلك يقلل من فرص الإصابة أيضاً. وأظهرت دراسة أجريت على بعض الفئران المهيأة جينياً لحدوث الإصابة (الخطوة الأولى)، أنها حينما تم نقلها من بيئة مختبرية معقمة تماماً إلى بيئة بها عدوى للمرة الأولى أصيبت بالفعل باللوكيميا؛ وهذا يوضح الارتباط الوثيق للسرطان بالعدوى المتأخرة delayed infection، وأنه كلما كان التعرض مبكراً كانت الوقاية أكبر. والعكس صحيح بوجود عوامل أخرى كلما زاد التعرض لها مبكراً ومتكرراً زادت فرص حدوث الإصابة مثل عوادم الرصاص والاشعة الايونية والتلوث الصناعي وربما (البيئة شديدة النظافة).
– فرضية النظافة
وأشار العلماء إلى أن فرضية النظافة ربما تكون مسؤولة أيضاً عن التغيرات الجينية التي تجعل أطفال المجتمعات الصناعية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض التي يلعب فيها الجهاز المناعي دوراً في الإصابة، مثل مرض السكرى من النوع الأول على سبيل المثال وحساسية الصدر (الربو) خاصة في البلد ذات البيئة شديدة النظافة. وفي فنلندا ينصح الأطباء الأطفال بقضاء وقت اطول في الريف حيث التعرض أكثر للتربة واحتمالية وجود ميكروبات بشكل أكبر من المدن الكبرى حتى أن أحد طرق العلاج في الربو هو حقن ذرات من الغبار والحبوب اللقاح تحت الجلد على شكل متتابع حتى يمكن للجهاز المناعي التعرف على هذه الذرات وعمل حماية ضدها
وأكد العلماء أن هذه الدراسات ليست مبررا للتراخي في الالتزام بمعايير السلامة الشخصية والوقاية من الأمراض واهمها غسل الأيدي بالماء والصابون بعد لمس أي سطح يمكن أن يحمل العدوى بكتيرية كانت أو فيروسية، لكنها تعني ببساطة أنه يجب أن يكون الحرص من دون ذعر أو هلع من خطر الإصابة بأي ميكروب. وحتى في حالة التعرض للعدوى ربما لا يكون الأمر بالسوء الذي يتوقعه الآباء، ولا داعي لأن يستخدم الأطفال السوائل المضادة للبكتيريا مثل الديتول، حيث إن مجرد غسل الأيدي يعتبر كافياً جداً.
– استشاري طب الأطفال