يتداول ناشطون بشبكة التواصل الاجتماعي، منذ أسبوع، صوراً محزنة لتشييع طبيب ثلاثيني، في بلدته بمنطقة خراطة شرق الجزائر، بحضور إمام وبعض من أقاربه. سليم لطرش هو واحد من 9 أطباء فتك بهم فيروس «كورونا» في الجزائر، فيما يصارع العديد من زملائهم من أجل البقاء أحياء، بعد ثبوت إصابتهم بالوباء.
أكبر خسائر «الجيش الأبيض» في «الحرب ضد كورونا»، بحسب الدكتور إلياس مرابط، رئيس نقابة أطباء ممارسي الصحة العمومية في الجزائر، هو الطبيب الجراح أحمد مهدي، رئيس قسم الجراحة العامة سابقاً في «مستشفى فرانز فانون» بالبليدة، وهي بؤرة الوباء في البلاد وفيها أكبر عدد من الضحايا. ويقول زملاء البروفسور مهدي إنه قرر العودة إلى المستشفى مع تفشي الوباء، بعد خروجه إلى التقاعد منذ أشهر، وذلك لمد يد المساعدة. وقد انتقلت إليه العدوى، أثناء فحص امرأة مصابة بالفيروس.
ولقي المصير نفسه، الطبيبان الشقيقان سفيان ومراد حمودي، العاملان بمستشفى بني مسوس في العاصمة، والأطباء محمد كبايلي ومحمد تيلماتين وكريم حمودي وعبد الوهاب فريجات، والطبيب كبير جامع. وكل هؤلاء جرت مراسم دفنهم في أجواء مهيبة، بالمناطق التي يتحدرون منها، بمشاركة أفراد من عائلاتهم فقط، وفي بعض الأحيان مُنع من المشاركة في التشييع من يعانون من مرض مزمن خشية الإصابة.
وتفيد مصادر طبية بأن 10 أطباء آخرين يواجهون ظروفاً حرجة بالمستشفيات جراء الإصابة، وكثيرا من الأطباء فرضت عليهم إجراءات الحجر الصحي في منازلهم، لاحتمال انتقال العدوى إليهم من زملاء مصابين.
يشار إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون وعد بمراجعة أجور الأطباء والأعوان شبه الطبيين. وأعلن عن احتساب عام تقاعد لكل شهري عمل خلال الجائحة، وعن إطلاق «مركز للأمن الصحي» سيتكفل بتحديد السياسة الطبية. وتعهد بـ«إحداث ثورة» في النظام الصحي الذي يعاني هشاشة كبيرة كانت سبباً في هجرة مئات الأطباء إلى الخارج، خاصة فرنسا، خلال الـ20 سنة الماضية.
ولا تتوافر أرقام دقيقة عن الإصابات في صفوف الممرضين، وبقية العاملين في المستشفيات، باستثناء تداول خبر وفاة سائق سيارة إسعاف بمستشفى بوفاريك جنوب العاصمة. فبعد هذه الحادثة، رفض أطباء وممرضون وحتى موظفون بإدارة المستشفى، العودة إلى مناصبهم خوفاً من التعرض لمكروه. وكان رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، نزل إلى المستشفى نفسه، قبل أسبوع، وحاول طمأنة العاملين به، قائلاً إن الحكومة «تتحكم في الوضع بشكل جيد»، وإن أدوات الوقاية اللازمة ستصلهم فور تسلم طلبيات كثيرة من الصين. وفعلاً، تم قبل يومين نقل عدة معدات إلى بوفاريك من كمامات وألبسة خاصة بالوقاية. وقال الطبيب محمد يوسفي رئيس قسم الأمراض المعدية بالمستشفى نفسه: «على كل أطباء الأقسام الأخرى أن ينخرطوا في مجهود التصدي للوباء، نحن في حرب وعلى كل طبيب أن يساعدنا وليس شرطاً أن يكون متخصصا في الأوبئة».
وأكدت طبيبة بعيادة حكومية بالعاصمة، رفضت نشر اسمها، لـ«الشرق الأوسط»، أن الإدارة أبلغت الفريق العامل بها، بنفاد مخزون الكمامات وأنهم مضطرون للعمل في غيابها. وأبدت خوفاً من «المغامرة بحياتي، فأنا لا أريد أن ألقى مصير زملائي الـ9 نفسه الذين اشتغلوا من دون أدوات وقائية من الفيروس».