شجّع سقوط قاعدة الوطية الجوية في قبضة حكومة «الوفاق»، قيادتها على التفكير بعيداً؛ حيث الهلال النفطي الواقع تحت سيطرة «الجيش الوطني» الليبي، إذ أكدوا أن «هدفهم القادم سيكون خارج حدود العاصمة طرابلس، وخصوصاً باتجاه منطقة الهلال».
استهل هذه التصريحات التي تغلب عليها الأمنيات، أحمد الحداد، القيادي الميداني في قوات حكومة «الوفاق»، بقوله إن «الهدف القادم بالفعل هو (تحرير) منطقة الهلال النفطي، والتمركز فيها، بمساعدة حلفائهم الأتراك». وذهب – في تصريح صحافي لوكالة «نوفا» الإيطالية – إلى أن حكومته شكلت غرفة عمليات لهذا الهدف؛ «حيث تتم تدريبات متقدمة بمساعدة الأتراك، لإدارة العمليات القتالية ومهام السيطرة والمحافظة على المواقع والمنشآت النفطية وتأمينها».
وذهب عضو مجلس النواب المقاطع بطرابلس عمر تنتوش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الساحة تظل مفتوحة على كل التوقعات، فالنفط متوقف، وهو المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، وبالتالي فإن الخطوة متوقعة لتمويل الخزينة العامة وباقي التمويلات الأخرى».
لكن بالمقابل، حذّر عضو مجلس النواب الليبي بطبرق، أبو بكر الغزالي، من أن «هذا التصعيد الذي تستهدفه حكومة (الوفاق) سيؤدي إلى صراع مدمر ليس فقط مع (الجيش الوطني) بل مع القبائل الليبية التي أغلقت حقول النفط في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي يعرف الجميع مقدار قوتها وتأثيرها على الساحة الليبية».
وأوضح الغزالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة الاقتراب من الموانئ النفطية تعدّ بمثابة انتحار لقوات (الوفاق) ومن يواليها»؛ مشيراً إلى أن «هذه المنطقة تخضع عسكرياً لسيطرة الجيش، ولكن عنصر القوة الرئيسي الموجود بالمنطقة ذاتها إلى جوار الجيش هو القبائل الليبية». ولفت إلى أن «أي محاولة لإعادة فتح الحقول بالقوة ستدفع بالقبائل للدخول في حرب إلى جوار قوات الجيش، وهذه الخطوة إن تمت فستغير موازين القوة على نحو سيعصف بقوات (الوفاق) و(المرتزقة السوريين) بل وبالقوات التركية ذاتها».
وكان رجال قبائل موالون لـ«الجيش الوطني» قد أقدموا على غلق الموانئ والحقول النفطية، متهمين حكومة «الوفاق» بعدم التوزيع العادل لإيرادات النفط واستخدامها في دفع أجور مقاتلين مرتزقة.
ويرى الغزالي النائب عن مدينة سرت أن «قوات (الوفاق) تسعي جدياً للسيطرة على أكبر قدر من المساحة الجغرافية لتعزيز مكانتها في التعاطي مع المجتمع الدولي، وإعادة اعتراف الجميع بها كطرف قوي»، متابعاً: «إلا أن زهوة الانتصارات المزيفة التي تحققت بسبب الانسحاب التكتيكي للجيش تمكنت منهم، ورفعت سقف طموحاتهم بالرغبة في التقدم نحو الهلال النفطي، ربما أملاً في رد مزيد من الثمن لحليفتهم تركيا التي سبق ومنحوها امتيازات عدة (…) هم يتناسون أن (الجيش الوطني) لا يزال موجوداً ويعد عدته».
وكانت وزارة الدفاع في حكومة «الوفاق» قد توعدت من أغلقوا الحقول والموانئ النفطية، بالعقاب على «جرائمهم» بحق الشعب الليبي، وبأنها قد تضطر إلى استخدام كل الوسائل المتاحة للتصدي لهذه الأعمال التي وصفتها بـ«التخريبية».
غير أن محمد المصباحي، رئيس ديوان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا، الموالي لـ«الجيش الوطني»، لا يستبعد الإقدام على مثل هذا التحرك من قوات «الوفاق»، وأرجع ذلك إلى «الأطماع التركية في ثروات ليبيا»، فضلاً عن «الاستفادة من وراء تعزيز تواجدها بالساحة الليبية سياسياً واقتصادياً».
وقال المصباحي لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من ذكر الحقائق بأسمائها. الهلال النفطي ليس هو الهدف القادم لحكومة (الوفاق)؛ لكنه للأتراك ومن يتعاون معهم من الميليشيات الليبية»؛ لكنه استكمل: «جموع الليبيين الأحرار لن يرضوا بالعودة لزمن الاحتلال العثماني، بدفع الجباية والضريبة من ثروات ومقدرات البلاد، وسيدافعون عنها بلا هوادة».
أما مدير مكتب دعم السياسات العامة لرئيس المجلس الرئاسي محمد الضراط، فأشار إلى أن «العمليات العسكرية سوف تستمر إلى أن يتم (تحرير) ليبيا بالكامل»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الهدف كان واضحاً في خطاب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة (الوفاق) فائز السراج، بأنه سيتم استرداد كل الأراضي من القوات (المعادية)»، وأضاف: «هناك خطة سرية جداً وضعتها القيادات العسكرية؛ من حيث الأولويات والمدى الزمني للتنفيذ، وسوف يتم تطبيقها، ولكننا بشكل عام نتوقع عودة إنتاج النفط قريباً، ومن غير المستبعد أن يقوم حفتر بعرض فتح النفط في محاولة لإقناعنا بالتفاوض أو الهدنة معه. كل شيء وارد».
في السياق ذاته، قال مصدر مسؤول بحكومة «الوفاق»، إن «السيطرة على الهلال النفطي تعد خطوة قريبة في إطار انحصار وجود القوات (المعادية) بالغرب الليبي»، مضيفاً: «بعد أن نكمل (تحرير) كامل المنطقة الغربية – وهذا ما سيحدث قريباً جداً – سيكون على عاتقنا تنفيذ كثير من المهام، أهمها استكمال (تحرير) مناطق الوسط والجنوب وبالتأكيد الهلال النفطي، والعمل على إعادة فتح النفط، مصدر رزق الليبيين. فلم يعد مسموحاً الاستمرار في هذا العبث».