طالبت قوى «الوسطية والاعتدال» في تونس باحترام المؤسسات المنتخبة، والتمسك بدستور 2014 في مواجهة الحملات الداعية إلى حلّ البرلمان، الذي يترأسه راشد الغنوشي رئيس «حركة النهضة»، (إسلامية)، وإطاحة الحكومة التي يترأسها إلياس الفخفاخ.
وتجد هذه القوى الداعمة للاستقرار السياسي صدى كبيراً بين عدد من الأحزاب السياسية المشاركة في الائتلاف الحكومي، من بينها «حركة النهضة» نفسها، وحزبا «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب»، اللذان وجّها انتقادات حادة لمواقف «النهضة» الداعمة لطرف سياسي ليبي على حساب بقية الأطراف السياسية، دون أن تحسم موقفها من مساءلة الغنوشي في مرحلة أولى، ثم التحضير لسحب الثقة منه، كما ورد في مواقف عدد من الأحزاب، ومن بينها «الحزب الدستوري الحر»، المتمسك بضرورة مساءلة رئيس البرلمان.
وضمت قائمة «قوى الوسطية والاعتدال» شخصيات سياسية معروفة، من بينها خالد شوكات القيادي السابق في «حركة نداء تونس»، ومحسن حسن القيادي السابق في حزب «الاتحاد الوطني الحر»، ومحمد الغرياني آخر أمين عام لحزب «التجمع الدستوري» المنحل، علاوة على مجموعة من الأساتذة الجامعيين وخبراء دوليين في مجالات متعددة. وطالبوا جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين بالتوقيع على «ميثاق أخلاقي وعقد معنوي واجتماعي»، من شأنه النهوض بمستوى الخطاب السياسي والإعلامي، والنأي بالفضاء العام عن الخطاب الإقصائي، ودعوات الحقد والكراهية والعنصرية والجهوية، وأشكال الشعبوية والتمييز كافة بين التونسيين، أو تأليب جزء منهم على آخر.
في هذا السياق، قال ناجي العباسي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن «مخاطر الدخول في الفوضى بسبب مواقف وتصريحات عدد من القيادات السياسية، الداعية إلى احتلال الشارع وتنفيذ اعتصام مماثل لما حدث سنة 2013، هي التي دفعت، على ما يبدو، بهذه القوى إلى التدخل بهدف إعادة الاستقرار السياسي. كما أن التهديد بالاستيلاء على مؤسسات الدولة المنتخبة قد يمهد إلى فوضى سياسية، وهذا الواقع قد ينعكس على أحزاب الائتلاف الحكومي، أو حتى على المعارضة الممثلة في البرلمان».
وحذرت هذه القوى من «انزلاق المشهد السياسي نحو اتجاه مخالف للعقل والمنطق، ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا لتونس»، مجددة انتقادها بعض الأطراف التي تعمل، حسبها، على «إضعاف اللحمة الوطنية الداخلية، وتدعو لعدم احترام المؤسسات المنتخبة، التي تمثل الإطار الأمثل لحل الخلافات وإيجاد الحلول المناسبة، التزاماً بالأعراف الديمقراطية وتمسكاً بالقواعد الدستورية والقانونية».
كما دعت هذه القوى إلى «ضرورة التفريق بين ممارسة النقد المكفول دستورياً وقانونياً، وبين حملات السبّ والشتم وهتك الأعراض، وسائر الأعمال المشبوهة، التي تهدف إلى المسّ برموز الانتقال الديمقراطي، والحطّ من الوضع الاعتباري لرؤساء المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتهم رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة».
في غضون ذلك، أعلنت فاطمة المسدي، القيادية السابقة في «حركة نداء تونس»، عن موعد تنظيم اعتصام الرحيل لحل البرلمان، وقالت إن 1 يونيو (حزيران) المقبل «سيكون انطلاقة هذا الاعتصام الذي سيتواصل إلى غاية تحقيق أهدافه»، على حد تعبيرها.
وأضافت المسدي، التي عرفت خلال الفترة النيابية السابقة بمشاداتها الكلامية مع عدد كبير من نواب «حركة النهضة» في البرلمان، أن هذا الاعتصام سيكون بمثابة «الثورة التي ستفضي إلى إرساء الجمهورية الثالثة»، مشيرة إلى أن التحركات لن تقتصر فقط على تنفيذ اعتصام الرحيل «الذي يضم أطرافاً من المجتمع المدني، ومن أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد، وبعض النشطاء السياسيين الذين يمثلون مختلف المشارب»، وأكدت أنه لا قاسم بينهم «سوى إيقاف سلطة البرلمان الحالي»، متهمة رئاسة البرلمان بـ«ممارسة الابتزاز السياسي لتمرير اتفاقيات مع تركيا وقطر تمسّ بالسيادة الوطنية»، على حد تعبيرها.
يذكر أن البرلمان حدد 3 يونيو (حزيران) المقبل موعداً لمساءلة الغنوشي، رئيس البرلمان الحالي، حول ما تعرف بـ«الدبلوماسية البرلمانية»، وذلك على خلفية تهنئته فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، بعد استعادة قواته قاعدة «الوطية» العسكرية بفضل التدخل التركي المساند للسراج، واتهامه بالزج بتونس في سياسة المحاور، وعدم التزام الحياد في هذا النزاع.