تسود مشاعر القلق والتوتر الأوساط العراقية بعد الزيادة اللافتة والكبيرة في أعداد المصابين بفيروس «كورونا» في غضون الأيام الماضية، مما دفع بجهات رسمية وشعبية إلى إطلاق مجموعة دعوات وتحذيرات من احتمال تفشي الوباء بكثافة في العاصمة بغداد، وتالياً فقدان السيطرة وانهيار النظام الصحي الذي يعاني أساساً من الاختلال والمشكلات، سواء على مستوى البنى التحتية والنقص الحاد في العلاجات وقلة أعداد الكوادر الطبية.
وتتواصل الزيادة في أعداد المصابين منذ نحو أسبوعين، وأخذت إحصاءات وزارة الصحة تتخطى في بعض الأحيان حاجز الـ300 إصابة في اليوم؛ غالبيتها في جانبي العاصمة بغداد؛ الكرخ والرصافة، بعد أن كانت تسجل خلال الأشهر الماضية أعداداً قليلة لا تتجاوز 10 إصابات في اليوم. وسجلت مختبرات وزارة الصحة والبيئة، أمس، 322 حالة موزعة على عموم المحافظات، وكانت للعاصمة بغداد الحصة الكبرى بواقع 224 إصابة، وبلغ إجمالي الإصابات 5457، وتماثلت 2971 حالة للشفاء، وتوفيت 179 حالة.
وتتصدر بغداد بقية المحافظات بعدد الإصابات الذي جاوز 5 آلاف في عموم البلاد، برصيد 2998 إصابة؛ توفي منها 112 مصاباً. ويتحدث كثير من المصادر الطبية عن امتلاء مشافي حجز المصابين في بغداد وعدم قدرتها على استيعاب أعداد جديدة من المصابين، وطالب بعض المصادر بالتحول إلى حجز المصابين في منازلهم لتخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية.
وبدت مشاعر القلق التي عبّر عنها مسؤولون حكوميون متضاربة ومرتبكة، ففيما يحذر محافظ بغداد محمد العطا من «خروج الوضع عن السيطرة على وباء (كورونا) في العاصمة»، تنفي وزارة الصحة ذلك وتقول إنها قادرة على إخضاع انتشار الفيروس للسيطرة، لكنها اشترطت تعاون الناس في الحدّ من انتشاره عبر الالتزام بالتعليمات الصحية ومراعاة عمليات التباعد الاجتماعي. وعزت وزارة الصحة العراقية ارتفاع أعداد المصابين في الآونة الأخيرة إلى «ارتفاع أعداد العينات المفحوصة مقارنة بالفترة السابقة بعد وصول مختبرات جديدة للبلاد مؤخراً».
التضارب في تصريحات المسؤولين العراقيين شمل أيضاً الموقف من حظر التجوال الجزئي المفروض على السكان؛ إذ يرى البعض أنه غير مفيد، نظراً للخروقات الواسعة التي يتعرض لها، خصوصاً في الأحياء والمناطق الشعبية، في مقابل من يطالب بفرض حظر تجوال شامل لحين السيطرة على انتشار الوباء.
من جانبها، حذرت «خلية الأزمة النيابية»، أمس، من «كارثة» و«انهيار» في النظام الصحي بالبلاد. ودعا رئيس اللجنة النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حسن الكعبي، في بيان، إلى «عقد اجتماع عاجل بين خليتي الأزمة؛ النيابية والحكومية، بحضور رئيس اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية مصطفى الكاظمي، للوقوف على بيان أسباب الارتفاع الكبير والخطير بأعداد المصابين بوباء (كورونا) المستجد، والإسراع بوضع الحلول الناجعة لاحتواء هذه الجائحة ومنع تفشيها لأعداد ونسب أعلى بكثير مما عليها الآن».
وانتقد الكعبي «الإجراءات البطيئة وغير الجدية التي تتبعها الدولة بشكل عام بشأن مواجهة هذا الوباء القاتل، مما أسفر عن ارتفاع الإصابات في أغلب مناطق بغداد، سيما جانب الرصافة وحتى الكرخ خلال الأيام الأخيرة الماضية، فضلاً عن باقي المحافظات، رغم تطبيق الحظر الشامل قبل عيد الفطر بيومين». وشدد الكعبي على «وجوب وضع خطة واقعية وملموسة، واتخاذ قرارات عاجلة، وفقاً للظروف والمعطيات الراهنة»، محذراً من «حدوث كارثة صحية وبشرية كبيرة، واحتمالية انهيار النظام الصحي في كل مستشفيات البلاد، إذا لم يتم تغيير كل الأساليب المتبعة الحالية».
إلى ذلك، نفى محافظ نينوى نجم الجبوري وجود إصابات بين حمايات وزير الشباب عدنال درجال الذي قام بزيارة إلى مدينة الموصل مركز محافظة نينوى أمس. وقال الجبوري في بيان صدر عن مكتبه إنه «لا يوجد ضمن الوفد الوزاري الزائر أي مصاب بفيروس (كورونا)»، مشيراً إلى أن «هناك إصابتين من الحماية تم إجراء الفحوص عليهما وحجرهما في أربيل ولم يرافقا الوفد الزائر إلى محافظة نينوى».
ودعا الجبوري وسائل الإعلام إلى عدم إثارة الهلع في صفوف المواطنين.
من جانبها، أكدت منظمة الصحة العالمية أنها تتعاون مع السلطات الصحية العراقية لضمان نجاح جهود مكافحة فيروس «كورونا». وقال بيان للمنظمة إن «وزارة الصحة المركزية ووزارة الصحة في إقليم كردستان اتخذتا العديد من الإجراءات المهمة بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية قبل الإبلاغ عن الحالة الأولى في البلاد في 24 فبراير (شباط) الماضي».
وشملت هذه الإجراءات «تعزيز التنسيق والتخطيط بين جميع أصحاب المصلحة والشركاء على المستويين الوطني والدولي؛ والتواصل مع المجتمعات حول المخاطر وطريقة حماية أنفسها؛ وإيجاد كل مخالط وعزله واختباره وتتبعه، وعلاج كل حالة». وأشار البيان إلى أنه «في 9 مارس (آذار) الماضي، «وصل فريق فني مشترك من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية ومن المقر الرئيسي للمنظمة، إلى العراق لتقييم قدرة وزارة الصحة العراقية والمرافق الصحية على كشف المرض وتحديده وإدارة الحالات»، مبيناً أن «الفريق قدم إرشادات لسد الفجوات في سلم الأولويات، وساعد في تحسين الإجراءات الصحية التي اتخذتها الحكومة».
وأوضح أنه «بالاستناد إلى ذلك، تم تجهيز مستشفيات معينة للاستجابة لارتفاع محتمل في الحالات، مع التركيز على حماية وتدريب العاملين الصحيين على مجموعة متنوعة من المواضيع ذات الصلة، مثل الوقاية من العدوى وإدارة الحالات». ونقل البيان عن ممثل منظمة الصحة العالمية لدى العراق أدهم إسماعيل، قوله إن «حكومة العراق، مع الدعم الكامل من منظمة الصحة العالمية، تمكنت من تعبئة الموارد في مرحلة مبكرة من الجائحة للحد من انتشارها. ونفذت السلطات الوطنية والإقليمية والمحلية تدابير قوية للحد من عدد الحالات وكبح سرعة انتشار الفيروس. وساهمت هذه الإجراءات الوقائية المبكرة في تأخير سرعة انتشار الوباء. ونتج عن ذلك أن عدد الحالات الموثقة كان أقل نسبياً مقارنة بالدول المجاورة». وأوضح البيان أن «منظمة الصحة العالمية وسّعت دعمها للسلطات الصحية الوطنية، ليشمل المراقبة النشطة، وتقييم الحالة وتحليلها، وجلسات نشر التوعية التي تستهدف موظفي الخطوط الأمامية في النقاط الحدودية ومطارات البلاد، كما تم جمع فرق الاستجابة السريعة لتنفيذ أنشطة التوعية وتتبع المخالطين وإجراء الفحوصات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك نشر مئات الآلاف من الرسائل والمبادئ التوجيهية للوقاية من العدوى ومكافحتها».