مع استمرار الجائحة العالمية «كوفيد – 19»، تتكشف، يوماً بعد يوم، تبعات هذه الجائحة للعلماء والباحثين، خصوصاً آثار «الحجر الصحي المنزلي» ومبادئ «المسافة الاجتماعية» الموصى بها للوقاية من عدوى الفيروس، خصوصاً الضغوط المرتبطة بهذه الإجراءات وتأثيراتها على الاتصال الجسدي الذي يتم بين الزوجين، الذي يشمل الجنس والعلاقة الحميمية.
ولمناقشة أهم الجوانب المتعلقة بتحديات الصحة الجنسية خلال الحجر الصحي المنزلي لـ«كوفيد – 19»، أقامت الجمعية السعودية لصحة الرجال وجمعية «الشرق الأوسط» للطب الجنسي بالتعاون مع شركة تبوك للأدوية ندوة طبية عبر الإنترنت، نوقشت فيها: آثار الحجر المنزلي والتباعد الجسدي لـ«كوفيد – 19» على الحياة الزوجية والجنسية، وأهم الجوانب المختلفة للخلل الجنسي في الأوقات العصيبة، وكيف يتم الاعتناء بالسلامة الجنسية في الأسرة سواء كان مقروناً في عش الزوجية أو العيش منفصلين متباعدين أثناء الحجر.
تحدثت إلى «صحتك» الأستاذة الدكتورة منى رضا أستاذة الطب النفسي – جامعة عين شمس القاهرة، مصر عضوة جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسي التي تحدثت في الندوة – وأوضحت أن هذه الجائحة تتصف في كثير من الأحيان بعدم اليقين والارتباك والشعور بالخطورة. وقد يستمر عدم اليقين لمدة طويلة، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت الجائحة قد انتهت بالفعل، أم لا، لأنها قد تأتي على شكل موجات.
– صحة نفسية
تضيف البروفسورة منى رضا أنه يمكننا أن نستنتج من الوضع العالمى الحالى للجائحة آثارها على المحيط الاجتماعي، وبالتالي على الصحة النفسية للفرد. ويشعر الأفراد بالتوتر والقلق نتيجة لأزمات مادية أو تحديات العمل من المنزل أو الخوف على الصحة أو الهم المرتبط باتباع نصائح الحماية والتباعد الأجتماعي أو الشد الناتج عن البقاء في المنزل مع الأسرة بشكل مستمر. وهذا ما سيؤثر بالتأكيد على حياتهم العاطفية ومن ثم الجنسية مع شركاء حياتهم، من حيث ما يلي:
> التبعات على الحياة الزوجية. توقع العديد من الأزواج أن كل هذا الوقت المتاح للجلوس في المنزل لن يعني ﺇلا قضاء وقت أطول معاً، ما سيعود على علاقتهم بشكل ﺇيجابي. ولكن الواقع كان مغايراً لهذه التوقعات فلم يُتَح لهم ذلك، خصوصاً للأزواج ذوي الأطفال الذين أصبحوا ماكثين في المنزل بعد توقف الدراسة، وبالتالي أزدادت المتطلبات من الوالدين. أما لبعض الأزواج، فقضاء كل هذا الوقت معاً، خصوصاً في ظل هذه الأجواء الضاغطة لم يعنِ ﺇلا إضافة مشكلات جديدة بينهم، حيث سلط وقت الفراغ الضوء على العيوب في علاقتهم التي كانوا يتغاضون عنها في زحمة الحياة. ويمكننا القول إن فترة الحظر المنزلي تؤدي دور اختبار لمدة قوة العلاقة العاطفية والحميمية بين الأزواج، وللأسف ليس كل الزيجات بالصلابة والمرونة المتوقعة عامة وفي التعامل مع الأزمات خاصة.
> الحياة الجنسية للأزواج. لقد كان أثر الجائحة، حتى الآن، على نقيضين تماماً، ويرجع ذلك لاختلاف تأثر الرغبة الجنسية بدرجات التوتر والقلق. فقد يؤدي التوتر والقلق عند مجموعة من الأشخاص لانحسار الرغبة الجنسية، بينما يرى بعض الأشخاص التأثير المعاكس تماماً، فبالنسبة لهم عندما يرتفع القلق والتوتر، فإن الرغبة الجنسية تزداد حيث يعمل الجنس كآلية للتكيف مع هذا التوتر والقلق. ونجد بعض الأزواج يفضلون مجرد الاكتفاء بالاحتضان وقضاء وقت أمام التلفاز، بينما يزداد معدل الممارسات الجنسية عند البعض الآخر. وتأتي المعضلة هنا عندما يختلف تأثر الطرفين بالتوتر، وبالتالي بمدى رغبتهما في ممارسة العلاقة.
– انخفاض الرغبة
> ميل الأزواج لممارسة الجنس. تقول البروفسورة منى رضا إن ميل الأزواج لممارسة الجنس حالياً، في المجمل، لا يرجع فقط لتوفر الوقت بل لفكرة أنه، كما سبق، يعدّ طريقة جيدة للتكيف مع الضغوطات. فتؤدي ممارسة الجنس إلى تغيرات هرمونية في الجسم مرحب بها في هذه الأوقات الصعبة، حيث يتم إطلاق «الدوبامين»، مما يسبب الشعور بالسعادة. كما يتم رفع مستويات هرمون التستوستيرون لدى كل من الرجال والنساء، ما يرفع الرغبة الجنسية ويزيد الرغبة في الجنس.
أما انخفاض الرغبة الجنسية عند البعض، فيفسر بأن المشكلة ليست بسبب مدى جودة العلاقة العاطفية أو الاستجابة للتوتر والقلق كما يبدو للبعض بل في القرب المفرط. إذ يمكن للقرب المفرط أن يعيق نمو نوع الحميمية التي نبحث عنها في الجنس. فالطريقة التي نشعر بها بالتقارب بل التلاحم حالياً تقلل من الشعور بالحرية والاستقلالية اللازمة للمتعة الجنسية.
> الإنجاب. يخمن العديد من متخصصي الصحة الإنجابية بأن الفترة الحالية ستؤدي لطفرة في عدد المواليد بعد تسعة أشهر من الآن. ولكنها مسألة وقت وانتظار لمعرفة ما إذا كانت هذه الطفرة «طفرة الرضيع» ستحدث بالفعل أم لا. كما أن من المحتمل ملاحظة الارتفاع في معدل اندفاع الأشخاص للزواج أو الطلاق في المستقبل القريب. وبنيت كل هذه الافتراضات السابقة على الاعتقاد بأن «أي كارثة تدفعنا إلى المرحلة التالية في علاقتنا». فهناك نقاط نمو ونقاط تدهور لكل علاقة، وهذه الأزمة هي واحدة منها.
> ظاهرة العنف المنزلي. لا يزال العنف ضد المرأة يشكل تهديداً رئيسياً لصحة المرأة في العموم ولصحتها أثناء الطوارئ خاصة. ويعدّ العنف من الشريك الحميم هو الشكل الأكثر شيوعاً للعنف. وقد أفاد عدد من الجمعيات الخيرية والمدافعين ضد العنف المنزلي بارتفاع في عدد المكالمات إلى خطوط المساعدة والخدمات عبر الإنترنت منذ فرض شروط الحظر. كما قد يقيد الحظر والوضع الحالي وصول بعض النساء إلى الدعم أو تمكنهن من الهروب.
وقد شهدت بعض الدول الأوروبية ارتفاع عدد الوفيات للنساء على يد أزواجهن، ما أدى لبدء حملات توعية عدة على مواقع التواصل الاجتماعى لمخاطبة هذه الظاهرة الكارثية.
– مشكلات جنسية
> دراسات واستطلاعات. وعلى الصعيد نفسه، أضافت شموع صبري الحاصلة على ماجستير العلاج النفسي الإكلينيكي – جامعة القاهرة بمصر، أن مما يؤيد التناقض في مدى تأثر الرغبة الجنسية لدى الأزواج، خلال الأزمة، نتائج استطلاع أجرته «إن بي سي نيوز» (NBC News) على ما يزيد على 9000 شخص، وُجدت أن تفشي الفيروس أثر بشكل إيجابي على الحياة الجنسية عند 24 في المائة فقط، وأنه أثر سلباً على 48 في المائة، أما 28 في المائة فكانوا محايدين.
وعلى الرغم من اختلاف وتيرة الرغبة الجنسية لدى الأفراد فيمكننا الجزم بأنه حتى في ظل وجود الرغبة، فإن الوضع الحالي قد بدأ أو على الأقل فاقم العديد من المشكلات الجنسية التي أدت لانخفاض الرضا عن الحياة الجنسية. ووجدت دراسة حديثة في تركيا أن الرغبة الجنسية وتواتر مرات الجماع زادت خلال الوباء، لكن جودة الحياة الجنسية انخفضت.
وأشهر الاضطرابات الحالية هي مشكلات الانتصاب لدى الرجال – التي يتم تفسيرها في ظل ضغوطات العمل والمال التي يمر بها الرجال بشكل أخص – ما يؤدي بالتالي لقلة المتعة والنشوة لدى النساء.
ويجب ذكر عوامل فرعية أخرى لها دور أيضاً في التغيرات في الحياة الزواجية والجنسية الملحوظة؛ ومنها المخاوف الخاصة بانتقال الفيروس من خلال الممارسات الجنسية. وهنالك ارتفاع في نسب شراء كل من الخمور والألعاب الجنسية والواقي الذكري وارتفاع نسب مشاهدة الأفلام الإباحية وتصفح مواقع التعارف وارتفاع عدد الخيانات الزواجية (وكان السبب الرئيسي وراءها هو الملل). ونجد هنا أن الناس يصرفون انتباههم عما يحدث عن طريق إقامة هذه الروابط مع الآخرين.
> آثار نفسية «بعيدة المدى». وتواصل أخصائية العلاج النفسي الإكلينيكي شموع صبري أنه وفقاً للتقارير الرسمية، حتى وقت كتابة هذا المقال، كان هناك أكثر من (5.5) خمسة ملايين ونصف المليون حالة مؤكدة لـ«كوفيد – 19» في جميع أنحاء العالم.
ولا يخفى على أحد عواقب هذه الفترة العصيبة وما سببته من معضلات دولية صحية واقتصادية وربما سياسية كذلك. أما على مستوى الأفراد فتسببت بدرجة من الضغوطات الاجتماعية، بما في ذلك ما تم رصده من: المخاوف الصحية للفرد على نفسه وأحبائه، أو اضطرابات شديدة في الروتين، أو الانفصال عن الأسرة والأصدقاء، أو نقص الغذاء والدواء، أو فقدان الأجور، أو العزلة الاجتماعية بسبب الحجر الصحي أو غيرها من برامج الابتعاد الاجتماعي، وإغلاق المدارس، أومعاناة الأسرة من سوء التغذية في حالة عدم توفر شخص في المنزل بصحة جيدة يفي بالتسوق والطهي، أو المصاعب المالية الشخصية إذا كان المعيل الأساسي للأسرة غير قادر على العمل بسبب المرض.
ويخشى الخبراء في مجال الصحة النفسية مردود الأوضاع السابقة، فيتوقعون أن الناس في جميع أنحاء العالم قد يواجهون عدداً متزايداً من مشكلات الصحة النفسية تباعاً.
والتعرض للضغوطات أثناء تفشي الأمراض المعدية يمكن أن يؤدي لكل من الأعراض النفسية التالية: الخوف والقلق بشأن صحتك الخاصة وصحة أحبائك، أو تغيرات في أنماط النوم أو الأكل، أو صعوبة النوم أو التركيز، أو تفاقم المشاكل الصحية المزمنة، أو انتكاسة حالات الصحة العقلية، أو زيادة استخدام الكحول والتبغ أو المخدرات. ومن المرجح أن تكون الآثار النفسية للوباء أكثر وضوحاً وانتشاراً وأطول أمداً من الآثار الجسدية البحتة للعدوى.
– استشاري طب المجتمع