عارضت نقابة القضاة في الجزائر، «السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية» التي تضمنها مشروع تعديل الدستور، المطروح للنقاش منذ السابع من مايو (أيار) الماضي، وطالبت بإبعاده عن رئاسة «المجلس الأعلى للقضاء» المشرف قانونا، على المسار المهني للقضاة.
ويرى منتقدون أن مسودة الدستور التي ستعرض على الاستفتاء، حافظت على كامل الصلاحيات التي منحها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لنفسه، في تغيير أدخله على الدستور عام 2008. وانتقد يسعد مبروك رئيس نقابة القضاة، على حسابه بشبكة التواصل الاجتماعي، «لجنة الخبراء» التي صاغت مسودة الدستور بناء على طلب من الرئيس تبّون، إذ أكد أن «رئيس الجمهورية تعهّد أن يكون الدستور دستورا للجزائر، وليس دستور الرئيس غير أن الصلاحيات التي أبقتها اللجنة للرئيس، توحي وكأنها تسعى لكسب وده بدلا من التأسيس لدولة المؤسسات» .
وانتقد «نقيب القضاة»، أحزاباً وشخصيات، يرى أنها بالغت في الثناء على مسعى مراجعة الدستور، وقد عرضت مقترحاتها حول التعديل المرتقب، إذ وصفهم بـ«المتلهفين للمشاركة في تعديل المسودة أو مباركتها كما هي، وهم يسعون للتموقع المصلحي بطريقة مبتذلة بعد أن تعذر عليهم ركوب عربات قطار العزة والكرامة (شعار رفع في عهد بوتفليقة)، الذي قاد الجزائر للأسف إلى محطة الفساد والإحباط، وهنا يتعين على رئيس الجمهورية ومحيطه الانتباه لفيالق المتزلفين، والتحلي بروح المسؤولية بالاستماع لكل أطياف المجتمع مهما كانت حدة مقترحاتها». ولم يوضح مبروك من يقصد، لكن أكثر من أظهر رضا عن الوثيقة، سفيان جيلالي رئيس حزب «جيل جديد» (ليبرالي)، وقد جلب له ذلك سخطاً وسط المعارضة ولدى قطاع من الناشطين بالحراك، ممن يعتبرون تعديل الدستور «مناورة من النظام للالتفاف على مطلب التغيير».
وتناولت المسودة مبدأ الفصل بين السلطات، المكرّس في الدستور الحالي، على أساس أن الرئيس تبّون يعتزم الحفاظ عليه. غير أن رئيس نقابة القضاة، يرى أن طرحه «تم بأسلوب بيروقراطي وفي إطار الحفاظ على التوازنات القائمة، مما حال دون تكريسه وفقا للمأمول لا سيما من خلال إقحام الجهازين التنفيذي والتشريعي، في الشأن القضائي الذي يراد له أن يبقى تحت الرقابة والوصاية الأبوية».
وفي تقرير طويل حول رؤيتها للدستور، رفعته النقابة إلى الرئاسة الأسبوع الماضي، اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، أعلنت رفضها ترؤس رئيس الجمهورية، «المجلس الأعلى للقضاء». وذكرت تحديداً أن الرئيس «باعتباره الضامن للموازنة بين السلطات الدستورية الثلاث، بصفته المعروف بها عُرفا لدى عامة الشعب (القاضي الأول في البلاد)، يقتضي بالتبعية ترؤسه شرفيا للمجلس الأعلى للقضاء كدعم معنوي للقضاة. كما أن أساس المبدأ الدستوري لاستقلال السلطة القضائية، هو أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء منتخبا من قبل كافة قضاة الجمهورية، وهو بدوره يختار نائبا أو اثنين من بين الأعضاء المنتخبين لمساعدته، ذلك أن استئثار رئيس الجمهورية برئاسة المجلس الأعلى للقضاء، فيه مساس باستقلالية السلطة القضائية، لا سيما أن رئيس الجمهورية في تصريحاته، أبدى رغبة في عدم ترؤس المجلس الأعلى للقضاء، على أن يبقى ضامنا لاستقلالية القضاء».
وأوضح مبروك في منشوره، أن «ما تعلق بالسلطة القضائية من مقترحات (في مسودة الدستور) ينطوي على بعض الإيجابيات، لكنها لن تكون كافية ما لم يؤخذ بمقترحات أصحاب الشأن العاملين في الميدان، سعيا لقضاء مستقل يحمي مصالح المجتمع ويصون حقوق وحريات الأفراد»، داعيا المشرع الدستوري إلى «إعادة مطرقة القضاء لأيدي القضاة دون سواهم، وعليهم استعمالها وفقا لقواعد القانون وإملاءات الضمير الإنساني دون سواهما».
إلى ذلك، خلّف تعيين الرئيس تبّون ممثليه في «الثلث الرئاسي» بـ«مجلس الأمة» (الغرفة الثانية في البرلمان)، ردود فعل سلبية في الأوساط السياسية، بحجة أن غالبيتهم «ينتمون للعهد القديم». وأعلنت الرئاسة أول من أمس، عن اختيار 14 عضوا، لشغل مقاعد في الحصة التي تعود للرئيس (47 عضوا)، بالهيئة البرلمانية كانت شاغرة بفعل انتهاء مدة الولاية المقدرة بست سنوات. ومن أشهرهم ليلى عسلاوي وزيرة الشباب والرياضة في بداية تسعينات القرن الماضي، اشتهرت بعدائها للإسلاميين عندما كانوا في أوج قوتهم، وعبد الحميد ماحي باهي وزير العدل سابقا، وموسى شرشالي قيادي بـ«منظمة المجاهدين»، وستة كوادر من السابقين في أجهزة الدولة أحيلوا على المعاش منذ سنين طويلة.