احتشدت مئات الأسر الليبية في حالة من الحزن والخوف الشديدين أمام «دار الرحمة» بالمركز الطبي في العاصمة طرابلس، انتظاراً للتعرف على جثث أبنائهم وذويهم، بعد الإعلان عن العثور على مقابر جماعية في مدينة ترهونة وبعض البلدات المحيطة بها، بالإضافة إلى عشرات الضحايا ممن قضوا في انفجار ألغام أرضية.
وأعلنت سلطات طرابلس، أمس، العثور على مقبرة جديدة، تضم رفات ثلاث ضحايا بمقر الإدارة العامة للأمن المركزي لمدينة ترهونة، بالإضافة إلى مقابر جماعية أخرى عثر عليها خلال اليومين الماضيين.
ولم تحصِ سلطات طرابلس عدد المقابر التي كشف عنها فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»؛ لكن شهود عيان ومتابعين تحدثوا عن انتشال جثث من سبع مناطق بترهونة وما حولها.
وأظهرت مقاطع فيديو بثتها عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص بعضهم مكبل اليدين، وبينهم أطفال، من مواقع بصحراء ترهونة، وحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب من ترهونة.
وقال باشاغا، في بيان أمس، إن فرق «اللجنة المشتركة» لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان تابعت استخراج عشرات الجثث من «عدد من المقابر الجماعية، وأحد الآبار المهجورة» في ترهونة ومحيطها، بعد تحريرها من ميليشيات «الكانيات» التي كانت تختطفها، بالإضافة إلى العثور على أكثر من 100 جثة وجدت بمستشفى ترهونة العام، وحاوية أُحرق جميع من فيها من معتقلين.
وأوضح باشاغا أن فرق الرصد تابعت أيضاً «جريمة انفجار ألغام أرضية، زرعتها القوات (المعتدية) قبل طردها من العاصمة، في مساكن المدنيين»، مشيراً إلى أنه تم وضع المتفجرات في دمى وألعاب الأطفال «في تجرد صريح من أبسط قيم الأخلاق والإنسانية».
كما أوضح باشاغا أن الإحصائيات المبدئية للضحايا بلغت 27 وفاة و40 إصابة بجروح متفاوتة، وأن «اللجنة رصدت ووثقت كل هذه الأفعال التي تشكل جرائم خطيرة، وفقاً للقوانين الوطنية والقانون الدولي الإنساني».
وأهابت اللجنة المشتركة التابعة للوزارة «بجميع النازحين أن يتريثوا في العودة إلى منازلهم، لحين انتهاء السلطات المختصة من تأمين مناطقهم»؛ مشددة على أنها «لن تدخر جهداً في سبيل إظهار الحقيقة، وكشف المسؤولين عن ارتكاب هذه الفظائع، وتقديمهم للعدالة».
وتحدثت «بركان الغضب» عن استخراج عدة جثث من مقبرة جماعية في ترهونة، غالبيتها مكبلة اليدين، مشيرة إلى أن «الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين»، و«الهلال الأحمر الليبي»، يستكملان العمل على انتشال الجثث، قبل أن تلفت إلى أن إحدى الجثث كانت لطفل يقدر عمره بـ12 عاماً، وكان مكبل اليدين أيضاً.
ومساء أول من أمس، بثت «بركان الغضب» فيديو حاوية حديدية محاطة بالدماء في قصر بن غشير (جنوب طرابلس)، مليئة بالجثث المحترقة، وفيديو آخر لعملية انتشال خمس جثث عثر عليها من بئر على عمق نحو 45 متراً بمنطقة العواتة، الواقعة بين ترهونة وسوق الخميس إمسيحل.
وتواجه ميليشيات «الكاني» اتهامات بتصفية عدد من الأسرى الذين وقعوا في قبضتها منذ اندلاع المواجهات العسكرية قبل 14 شهراً، انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم.
واصطفت أمهات بعض المفقودين أمام «دار الرحمة» للتعرف على جثامينهم التي عُثر عليها بمستشفى ترهونة العام، في أجواء غلب عليها العويل والتنديد بالقتلة، والمطالبة بالثأر لدمائهم.
وكانت عملية «بركان الغضب» قد أعلنت أن «هيئة السلامة الوطنية» تمكنت من انتشال كمية من الألغام والقذائف من أحياء مشروع الهضبة، وخلة الفرجان، وعين زارة، ورفع لغم أرضي، وقذيفة «هاوزر» وقذيفتي «هاون»، إضافة إلى مجموعة كبيرة من طلقات «عيار 23».
والعثور على جثث متحللة أو مقطوعة الرؤوس أو مقابر جماعية في عموم ليبيا، ليس بالأمر النادر، فقد سبق العثور على مقابر من هذه النوعية على مدار السنوات الماضية، بعضها لضحايا تنظيم «داعش» في مدينة سرت، بالإضافة إلى العثور على رفات لمواطنين وأطفال كانوا قد خطفوا على أيدي الميليشيات بالعاصمة.