فرت خلال اليومين الماضيين مئات العائلات الليبية من مدينة سرت، خوفاً من «مصير مجهول» ينتظرها بعد احتدام المعارك مرة ثانية على مداخلها بين قوات «الوفاق» و«الجيش الوطني»، في وقت استعدت فيه سلطات شرق البلاد لعمليات النزوح بفتح المدارس للمواطنين القادمين من سرت وترهونة.
وتمثل سرت الساحلية عمقاً تأميناً لمنطقة الهلال النفطي، التي يهيمن عليها «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، لكونها تقع في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي، الواقعة على بعد 450 كيلومترا من العاصمة.
وحملت عشرات الأسر من المدينة بعض أمتعتها، ونزحت عن منازلها خلال الأيام الماضية، خوفاً من أن تصبح محاصرة وسط المعارك، التي احتدمت بين الطرفين، خصوصاً بعد نداءات متكررة أطلقتها قوات «الوفاق» بضرورة «مغادرة المدينة حفاظاً على حياتهم».
وقال إمحمد بيوني، أحد سكان المدينة، إنه «غادر منزله ومعه عشرات الأسر شرق سرت هرباً من شدة القصف… ويبدو أن سرت قُدر لها أن تعيش منذ مقتل (الرئيس الراحل معمر) القذافي في أزمات وحروب». مضيفا «سننتظر هنا عند أحد الأقارب لحين أن تتكشف الأمور، وندعو الله أن تتوقف الحرب، بدلاً من فقدان الأهل والأصدقاء».
وكانت مدينة ترهونة (90 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة)، التي سيطرت عليها قوات «الوفاق»، قد شهدت عمليات نزوح مماثلة. لكن مواطنيها اتجهوا نحو مدن شرق ليبيا، التي استقبلت بعضهم في مدارس مغلقة.
وفتحت مدرسة قرطبة للتعليم الأساسي بمنطقة البركة في مدينة بنغازي عائلات عديدة، نزحت من مدينة ترهونة، وقال مدير المدرسة أسامة المشيطي لوكالة الأنباء الليبية إنه «سيتم تأمين مأوى لائق للأسر، وتوفير بعض الاحتياجات الشخصية، والمدرسة ستستقبل المزيد من العائلات النازحة».
وكان عبد الله الثني، رئيس الحكومة المؤقتة، قد بحث مع الصقر بوجواري، رئيس المجلس التسييري للبلدية، أزمة النازحين من المنطقة الغربية إلى بلدية بنغازي، ووجه بضرورة توفير الاحتياجات اللازمة لهم. وسبق للمتحدث باسم «الجيش الوطني»، اللواء أحمد المسماري، أن قدّر أعداد النازحين بـ20 ألف مواطن من مدينة ترهونة، التي شهدت أعمال نهب وتدمير وتنكيل، ممن وصفوا بميليشيات قوات «الوفاق».
ومن جهته، قال وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»، فتحي باشاغا، إن مؤسسات الشرطة لديه رصدت بعض الأفراد والعناصر الأمنية الذين «تورطوا في عمال تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان في عدد من حقوقه الثابتة، وفق الشرائع السماوية والقوانين والاتفاقات والأعراف الدولية والمحلية»، مشيراً إلى أن «هذه الانتهاكات تمثل إساءة للمؤسسة الأمنية التي ينتمون إليها، ووزارة الداخلية عموما، قبل أن تمس بشكل أو بآخر من وقع عليه ذلك الانتهاك».
وأضافت الوزارة في بيان أنها ضبطت متورطين في سرقات بمدينة ترهونة، وقالت إن الدوريات الأمنية التابعة للإدارة العامة اعتقلت هؤلاء الأشخاص «بعدما سرقوا ممتلكات عامة وخاصة بالمدينة، واتخذت الإجراءات القانونية حيالهم»، لافتة إلى أن هذه الإجراءات تأتي في إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل ترهونة.
وسبق لباشاغا التنبيه على منتسبي وزارته بمنع اللجوء للوسائل المهينة، وغير الإنسانية عند اعتقال المطلوبين، كالضرب والسب والإهانة، أو وضع المعتقلين في الصندوق الخلفي للمركبات الصغيرة، وغير ذلك من الوسائل الماسة بالكرامة الإنسانية. كما حذر من استخدام العنف الجسدي، والإكراه المعنوي لإرغام المتهمين على الاعتراف.
في غضون ذلك، تتزايد المخاوف المحلية والدولية من أن تؤدي الفوضى، التي تشهدها بعض مدن ساحل الغرب الليبي، في تزايد عمليات الهجرة غير المشروعة إلى دول أوروبا. وقال حقوقي ليبي يقيم في طرابلس إنه يتخوف من «تزايد الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، بعد أن ظهر عدد من المتهمين في هذه العمليات مؤخراً في صفوف حكومة (الوفاق) بمدينتي صرمان وصبراتة»، مشددا على أنه «يجب على سلطات الوفاق أن تشدد من إجراءاتها الأمنية، وخصوصاً على شواطئ البلدات المعروفة بهذا النشاط الذي يدر ملايين الدولارات على عصابات وأفراد منفلتين».
وفي هذا السياق نقل عضو مجلس الشيوخ الإيطالي، ماوريتسيو غاسباري، عن استخبارات بلاده أنها «تحذر من استعداد آلاف المهاجرين للقدوم إلى إيطاليا من ليبيا»، ورأى غاسباري، الذي ينتمي إلى حزب «فورتسا إيطاليا» المعارض، أن «عدم الاستقرار الذي تشهده الأراضي الليبية يسهّل أنشطة المتاجرين بالبشر، والمنظمات غير الحكومية المزعومة التي تعمل كسائقي سيارات الأجرة عبر المتوسط، خدمة لمن يضارب باليأس في قارة أفريقيا».