بينما برزت أمس تأكيدات جديدة على عزم تركيا التمركز في قاعدتين عسكريتين في ليبيا بشكل دائم، واصلت قوات حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج تعزيز مواقعها حول مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية، بينما يتحسب الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر لأي هجوم محتمل على حقول النفط.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر تركي، أمس، أن أنقرة وحكومة السراج تبحثان إمكانية استخدام تركيا لقاعدتين عسكريتين في ليبيا، في تثبيت لوجود تركي دائم في منطقة شرق المتوسط. وقال المصدر إنه لم تتخذ قرارات نهائية بعد بشأن الاستخدام التركي العسكري المحتمل لقاعدة مصراتة البحرية وقاعدة الوطية الجوية، التي استعادت حكومة السراج، المدعومة من تركيا، السيطرة عليها مؤخراً. وتابع المصدر مشترطاً عدم نشر هويته: «استخدام تركيا للوطية على جدول الأعمال… وقد يكون من الممكن أيضاً أن تستخدم تركيا قاعدة مصراتة البحرية». وكانت صحيفة «يني شفق» ذكرت قبل يومين أن تركيا تخطط لاستخدام القاعدتين، وأن خبراء تطهير الألغام والمتفجرات الأتراك يقومون حالياً بتطهير قاعدة الوطية ومناطق أخرى غادرها الجيش الوطني الليبي.
بالتوازي، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، إن إردوغان والسراج ناقشا، خلال لقائهما في أنقرة الأسبوع الماضي، تطوير التعاون في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. وقال دونماز إن بلاده عازمة على إنشاء محطتي كهرباء كبيرتين في ليبيا، مشيراً إلى أن شركة النفط التركية التي تديرها الدولة ستبدأ في غضون 3 أشهر أنشطة التنقيب في أجزاء من البحر المتوسط بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة السراج في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
من جانبه، سارع أمس عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، إلى نفى إشاعات عن زيارة مبرمجة قريباً إلى تركيا، أو تلقيه دعوة لزيارتها، معتبراً في تصريحات أن «هذا الأمر مغلق، حتى ليس مطروحاً للنقاش». وكشف اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش في مؤتمر صحافي، أول من أمس، عن «وجود 7 بارجات حربية تركية قبالة سواحل ليبيا، إضافة إلى إرسال كثير من المرتزقة والجنود والضابط الأتراك، بعد تعرض القوات المدعومة من إردوغان لخسائر كبيرة في المعدات والأفراد». واعتبر المسماري أن «أحلام إردوغان المعلنة هي السيطرة على منطقة الهلال النفطي الذي توجد به أغلب استثمارات الشركات الأجنبية في ليبيا»، مطالباً المجتمع الدولي بـ«تصنيف إردوغان (مجرم حرب) لما ارتكبته قواته ومرتزقته في ليبيا من جرائم ضد الإنسانية»، مؤكداً أنه «تم توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات التابعة لإردوغان في مناطق جنوب طرابلس وفي بلدات العربان والأصابعة وترهونة»، مضيفاً: «نتمنى أن نسمع تنديداً من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهذه الأفعال والدعوة لتحقيق شفاف في هذه الانتهاكات الجسيمة». وعلى الرغم من أنه «حثّ الأمم المتحدة على الإسراع بإجراء تحقيق في وجود مقابر جماعية في مدينة ترهونة؛ فإنه شكك في المقابل في مقدرة المنظمة الدولية على إجراء أي تحقيق في ظل سيطرة الميليشيات على المدينة».
ورفض المسماري الكشف عن تحركات الجيش مكتفياً بالقول: «الموقف العسكري أن كل العمليات تحت بند السرية التامة».
وبثّت شعبة الإعلام الحربي بالجيش الوطني مشاهد لقيام وحداته بجولة استطلاعية، شملت حقلي الشرارة والفيل وجنوب مدينة أوباري، لرصد ما وصفته بـ«التحركات المشبوهة للجماعات الإرهابية والخارجين عن القانون ولتأمين كامل تلك المناطق ومحيطها».
وادّعت أمس وسائل إعلام محلية موالية لحكومة الوفاق، مقتل 3 شباب من قبيلة القذاذفة إثر انفجار أحد الألغام بمنطقة جارف بالحدود الإدارية لمدينة سرت الساحلية الرئيسية.
إلى ذلك، كشفت مصادر مصرية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن «بدء تحقيق لمعرفة حقيقة ما بثّته وسائل إعلام محلية ليبية عن إقدام ميليشيات موالية لحكومة الوفاق على إعدام عمال مصريين، بعد ظهورهم وهم يتعرضون للتعذيب في ترهونة التي سيطرت عليها قوات الوفاق أخيراً». وقالت المصادر التي طلبت عدم تعريفها: «هناك اتصالات مكثفة لضمان عدم تعرض هؤلاء العمال للأذى وإعادتهم إلى البلاد في أسرع وقت ممكن». وقال علي عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري: «لن نفرط بحق أبنائنا، ونحن من نحدد توقيت ومكان الردّ»، بينما اعتبرت وزيرة الهجرة المصرية، نبيلة مكرم، في اجتماع لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب المصري أن «الدولة المصرية لن تسمح بالاعتداء على أبنائها في الخارج». وكان الجيش الوطني قد قدّم اعتذاراً لمصر على لسان الناطق الرسمي بسبب فيديو تعذيب مصريين في ترهونة. واعتبر ذلك «دليلاً صارخاً لانتهاكات إردوغان الجسيمة ضد حقوق الإنسان في ليبيا».
في غضون ذلك، نفت أنقرة أمس وجود خلافات مع روسيا من حيث المبدأ في ليبيا، وأكدت أنهما تعملان معاً على التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده ستواصل المباحثات مع روسيا لضمان وقف إطلاق نار دائم في ليبيا، مطالباً بالابتعاد عن التأويلات الخاطئة لإلغاء وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو زيارتهما لإسطنبول أول من أمس لإجراء مباحثات حول ليبيا. وأكد جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عقب مباحثاتهما في إسطنبول أمس، مواصلة تركيا العمل مع روسيا من أجل وقف إطلاق نار بليبيا، لافتاً إلى أن الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين، اتفقا على مواصلة العمل المشترك من أجل هدنة دائمة في ليبيا.
ولفت إلى عقد اجتماعات على المستوى الفني بين البلدين في هذا الإطار، قائلاً: «رأينا في هذه الاجتماعات أنه ما من خلاف مع روسيا حول المبادئ الأساسية… قررنا مواصلة المفاوضات على المستوى الفني من أجل ترسيخ الهدنة، وكذلك من أجل تحديد تفاصيل الخطوات التي يجب اتخاذها بعد وقف إطلاق النار». وأضاف جاويش أوغلو: «عندما تكون هناك هدنة في ليبيا، بالطبع لن تكون أحادية الجانب، فهناك أطراف متنازعة، وقبائل، ووجهات نظر مختلفة، ومواقف مختلفة… قد لا يكون القرار الصادر عن تركيا وروسيا حول تطبيق الهدنة واقعياً دون التباحث حول القضايا التاريخية والقضايا الأخرى أو دون موافقة الليبيين وبخاصة (الحكومة الشرعية) (حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الحليفة لتركيا) عليه».
وكرّر جاويش أوغلو الحديث عن توقيع السراج على تفاهم وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، في حين رفض قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر التوقيع عليه، قائلاً إن حفتر لم يدعم أيضاً مخرجات مؤتمر برلين الذي دعمته تركيا، ثم نصّب نفسه حاكماً لليبيا بعدما بدأ تلقي الهزائم.
وعلى النقيض من تصريحات جاويش أوغلو، قال مسؤول تركي إن روسيا وتركيا أجّلتا محادثاتهما بشأن ليبيا بسبب خلاف يتعلق بمسعى حكومة السراج لاستعادة السيطرة على مدينة سرت الساحلية الرئيسية. وأضاف المسؤول لـ«رويترز» مشترطاً عدم كشف هويته: «كان من المفترض أن تخرج الاجتماعات التركية الروسية بنتيجة، لكن لم يتسنَ الوصول إلى هذه المرحلة. هناك قضايا يقف البلدان منها على طرفي نقيض… إحدى القضايا الرئيسية التي أدت إلى تأجيل زيارة لافروف هي خطة حكومة السراج المدعومة من تركيا لشنّ عملية في سرت… التي أصبحت هدفاً».