أصدرت رابطة القلب الأميركية في الثاني والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي بيانها حول الجدوى الصحية لتطبيق مرضى ارتفاع ضغط الدمHigh Blood Pressure لـ«المراقبة الذاتية المنزلية لقياسات ضغط الدم» SMBP، وكيفية التغلب على معوقات القيام بذلك. ونشر هذا البيان الطبي ضمن عدد نفس اليوم من مجلة الدورة الدموية Circulation الصادرة عن الرابطة، بعنوان: «مع انخفاض زيارات الأطباء خلال جائحة كوفيد – 19. يعالج البيان الجديد الحواجز التي تحول دون تطبيق المراقبة الذاتية المنزلية لقياسات ضغط الدم ».
– مراقبة منزلية
يأتي هذا الاهتمام الطبي، بمعالجة عدم انضباط ارتفاع ضغط الدم Uncontrolled Hypertension، مع ملاحظة المصادر الطبية المعتمدة، وفق مجموعة النتائج التي خلصت إليها العديد من الدراسات الطبية، أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تتطلب الاستفادة من «المراقبة الذاتية المنزلية لقياسات ضغط الدم» في هذه الفترة، وهي:
> عدم انضباط ارتفاع ضغط الدم Uncontrolled Hypertension هو أحد العوامل التي ترفع من احتمالات حصول مضاعفات وتداعيات أشد عند الإصابة بالأمراض الفيروسية، وكوفيد – 19 من ضمنها.
>حصول تدن في فرص المتابعة الطبية في العيادة بالحضور الشخصي للمريض وإجراء قياس ضغط الدم له فيها، خلال الفترة الحالية لجائحة كوفيد – 19.
> رفع مستوى الاستفادة من هذه الوسيلة المنزلية الممكنة في كل من: «الجانب الإكلينيكي» لتحسين صحة المريض وتخفيف احتمالات الإصابة بمضاعفات وتداعيات مرض ارتفاع ضغط الدم، وأيضاً في «الجانب المادي» لتوفير تكاليف مادية يُمكن التخفيف منها بإشراك المريض في متابعة مستوى ضغط الدم لديه والتعامل الطبي معه وفق الحصول على نتائج عن بُعدVirtual، وبالتالي تقليل زيارات العيادة الطبية أو أقسام الطوارئ في المستشفيات بسبب عدم انضباط ارتفاع ضغط الدم أو بسبب حصول تداعيات لعدم الانضباط ذلك.
– الضغط والفيروسات
إن اضطرابات ارتفاع ضغط الدم ترفع من احتمالات حصول مضاعفات أشد عند الإصابة بالأمراض الفيروسية، الأمر الذي يتطلب من مرضى ارتفاع ضغط الدم الاهتمام بجانبين:
> أولهما، ضرورة الحرص على الاهتمام بتطبيق خطوات الوقاية من الإصابة بالأمراض التنفسية الفيروسية المُعدية.
> وثانيهما، ضرورة الحرص على تحقيق ضبط قياسات ارتفاع ضغط الدم، والوصول بها إلى المعدلات المستهدفة علاجياً، وذلك بتناول الأدوية الموصوفة واتباع سلوكيات نمط الحياة الصحية في ممارسة الرياضة اليومية وخفض زيادة الوزن وتناول وجبات الطعام الصحية وتقليل تناول الصوديوم والنوم الصحي وتخفيف التوتر النفسي.
وتعلل الأوساط الطبية تلك الملاحظات العلمية بعدد من الآليات، منها أن ضعف جهاز مناعة الجسم هو أحد الأسباب التي تجعل الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمضاعفات وتداعيات عدوى الفيروسات التنفسية. ومنها أن ارتفاع ضغط الدم يتسبب في إتلاف الشرايين ويقلل من تدفق الدم إلى القلب، ما قد يتسبب في إضعاف القلب ونشوء أمراض شرايين القلب، وعند الإصابة بالفيروسات التنفسية قد تضر هذه الفيروسات عضلة القلب نفسها من خلال حصول التهاب عضلة القلبMyocarditis، وقد تتسبب بحالة من عدم الاستقرار في تضيقات الشرايين التاجية للقلب، وبالتالي حصول النوبات القلبية.
وتقول رابطة القلب الأميركية: «يعد القياس الذاتي لضغط الدم في المنزل نهجاً معتمداً لقياس ضغط الدم خارج العيادة الطبية، ولديه القدرة على تحسين الكشف عن ارتفاع ضغط الدم والسيطرة عليه». وأوضح الدكتور دايتشي شيمبو، مدير مركز كولومبيا لارتفاع ضغط الدم في نيويورك ورئيس مجموعة كتابة البيان الطبي هذا، قائلاً: «مع قلة عدد المرضى الذين يزورون العيادات الطبية خلال جائحة كوفيد – 19. فإن المراقبة الذاتية المنزلية لقياسات ضغط الدم أكثر أهمية من أي وقت مضى للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والمرضى الذين لديهم عدم انضباط ضغط الدم. ويجب أن يكون هناك استثمار في إنشاء ودعم البنية التحتية لتوسيع مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي المقاسة ذاتيا».
وأكدت رابطة القلب الأميركية بالقول: «ننصح باستخدام الأجهزة التي تم التحقق من دقتها الإكلينيكية لمراقبة ضغط الدم. ويُفضل استخدام الأجهزة التي تم التحقق من صحتها والتي تستخدم طريقة قياس الذبذبات، ويجب اتباع الطريقة الصحيحة في قياس ضغط الدم قياسي. وأشارت إلى أن نتائج مراجعات الدراسات الطبية لاحظت أن مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي يرتبط بتحقيق انخفاض أفضل لضغط الدم بالوصول إلى المستويات المطلوبة علاجياً ويرتبط بتحسين التحكم في ارتفاع ضغط الدم، وتكون الفوائد أكبر عند استخدامها جنباً إلى جنب مع التدخلات العلاجية الأخرى، مثل التثقيف الطبي بضغط الدم ووسائل معالجته والسلوكيات الحياتية اليومية التي تسهم في ضبط ارتفاع ضغط الدم، والاستشارات والزيارات الطبية الافتراضية التي يمكن تقديمها عن بُعد Telehealth Visits. وأضافت أن هناك «أدلة علمية كافية» للإشارة إلى أن إضافة مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي إلى المراقبة الطبية لضغط الدم عند زيارة الأطباء في العيادة، هي وسيلة علاجية فعالة من حيث التكلفة – مقارنة مع مراقبة ضغط الدم في العيادة وحدها للمرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وخاصة منهم الذين يُلاحظ أن لديهم ارتفاع ضغط الدم فقط عند التواجد في العيادة الطبية White – Coat Hypertension. وأوضحوا أن جوانب التوفير المادي المحتمل في التكاليف (نتيجة استخدام وسيلة مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي) تشمل: تقليل الحاجة إلى تكرار زيارة الطبيب في العيادة بسبب عدم انضباط ارتفاع ضغط الدم، وتجنب الخضوع للعلاج المفرط المحتمل في المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم فقط عند التواجد في العيادة الطبية، وتحسين جودة الحياة.
– عوائق المراقبة المنزلية
وحول عوائق الاستخدام على نطاق واسع، قالت الرابطة: «إن استخدام مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي ضروري للإدارة الذاتية لارتفاع ضغط الدم، وله جاذبية كبيرة لتوسيع فوائد الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية»، لكنها تُقر في نفس الوقت بأن «الانتقال من إدارة معالجة ارتفاع ضغط الدم القائمة على المتابعة في العيادة فقط إلى استراتيجية تتضمن مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي لا يخلو من عوائق فعلية ومحتملة».
ولذا أوصت بمعالجة هذه العوائق والحواجز من خلال:
> تثقيف المرضى ومقدمي الخدمات الصحية حول فوائد مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي والأساليب المثلى لرصد إجراء ذلك.
>وضع معايير الكفاءة الإكلينيكية الأساسية لضمان إجراء مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي بطريقة عالية الجودة، عبر تدريب المريض ومساعدته في انتقاء جهاز قياس ضغط الدم وأوقات إجراء ذلك والطريقة الصحية لذلك وكيفية تدوين تلك القراءات، وأيضاً دعم الاستفادة منها في المتابعة الإكلينيكية عندما يُحضر المريض قراءات القياسات تلك.
>زيادة فعالية إجراء مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي والاستفادة منه، بما في ذلك دمج متابعة قراءات قياس ضغط الدم المنزلية مع إبداء النصائح السلوكية لضبط ارتفاع ضغط الدم، ومع الإجابة على الاستشارات الطبية حوله، ومع الإبلاغ بتوصيات المعالجة الدوائية إلى المرضى وكيفية تناول الأدوية وأي تغيرات فيها أو في مقدار جرعاتها.
> إنشاء أنظمة لقراءات مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي، ليتم نقلها (من جهاز المريض أو من سجلاته) إلى السجلات الصحية الإلكترونية.
>توفير أجهزة مراقبة ضغط الدم بالقياس الذاتي المنزلي المعتمدة من قبل مقدم الرعاية الصحية.
– أجهزة قياس ضغط الدم… أنواع وآليات عمل مختلفة
> ثمة أجهزة مختلفة في آليات طريقة عملها لقياس ضغط الدم. وبالعموم، هناك طريقة «تدخلية» Invasive (داخلية) تصل إلى داخل أحد الشرايين لقياس ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، وهناك طرق «غير تدخلية» Non – Invasive (خارجية) ترصد رقمي قياس ضغط الدم.
والوسيلة الأدق على الإطلاق لقياس ضغط الدم الانقباضي والانبساطي هي الطريقة «التدخلية» التي تتطلب إدخال أنبوبة إلى داخل أحد الشرايين. وفي الغالب يُدخل الطرف الداخلي للأنبوبة في الشريان الكعبري Radial Artery بمنطقة التقاء المعصم باليد، وتتصل الأنبوبة في طرفها الخارجي بمحول ضغط إلكتروني Electronic Pressure Transducer. وتستخدم هذه الوسيلة في أجنحة أقسام العناية الفائقة، وتعطي قياسات متواصلة لضغط الدم في كل نبضة للقلب CNAP. ولكنها تظل غير عملية لإجراء قياس ضغط الدم في الحياة الإكلينيكية العملية بالعيادات والمنازل وغيرها.
والطرق «غير التدخلية» لقياس ضغط الدم تعتمد الاستشعار والقياس الخارجي لضغط الدم داخل أحد الشرايين، وغالباً في شريان العضد Brachial Artery. وتنقسم الطرق «غير التدخلية» إلى نوعين: طريقة «السماع» Auscultatory المعتمدة على لف السوار، وطريقة «قياس الذبذبات» Oscillometric غير المعتمدة على لف السوار.
– «طريقة السماع» دقيقة طبياً، وأقدم أجهزتها هو جهاز «المقياس الزئبقي لضغط الدم» Sphygmomanometer الذي يعتمد طريقة نفخ السوار حول العضد، لصناعة ضغط في السوار يفوق ضغط الدم الانقباضي في شريان العضد، ثم يُخفف هذا الضغط بالتزامن مع استخدام السماعة الطبية لبدء سماع صوت اضطراب تدفق الدم مع كل تناقص في قراءات الأنبوب الزئبقي للجهاز بالمليمتر. والصوت الأول الذي يتم سماعه هو مقدار الضغط الانقباضي. ثم مع استمرار إفراغ الهواء من سوار العضد، وعند زوال الصوت، يكون مقدار ضغط الدم الانبساطي.
وهناك أنواع أخرى من أجهزة طريقة «السماع» تعتمد «مقاس الضغط اللاسائلي» Aneroid Manometer، الذي يكون على شكل قرص وأرقام ومؤشر. ودعت الحاجة إليه مع التوجه الطبي لإخراج الزئبق من أجهزة القياسات الطبية حماية من احتمالات التسمم به.
– وهناك وسيلة «القياس المحمول لضغط الدم» Ambulatory Blood Pressure Monitoring، الذي يقوم بإجراء قياس ضغط الدم طوال الـ24 ساعة بشكل متكرر كل نصف ساعة، وهو ما سبق عرضه ضمن ملحق «صحتك» بالشرق الأوسط في عدد 4 مايو (أيار) 2018.
وإزاء هذه الطرق المعتمدة على «السوار»، هناك اليوم تطور في طرق قياس ضغط الدم الغير معتمدة على السوار Cuff – Less BP Measurement Modalities. ومنها طريقة «قياس الذبذبات» الحديثة نسبياً، والتي بدأ استخدامها منذ الثمانيات الماضية، وتتوفر في الأجهزة الرقمية لقياس ضغط الدم. وهذه الوسيلة تتطلب مهارة أقل بكثير من أجهزة قياس ضغط الدم المعتمدة على «السماع»، وتتكون من سوار يُلف على العضد وجهاز رقمي وأنبوب يصل فيما بينهما. وضمن حدود دقة عمل الجهاز نفسه، يُعطي دقة في قياس ضغط الدم في حال تطبيق عدد من العناصر لقياس ضغط الدم بطريقة صحيحة.
– استخدام تقنيات الهاتف الجوال في قياس ضغط الدم
> ضمن عدد 30 يونيو (حزيران) من مجلة «نتشر» العلمية، تم عرض جهاز لقياس ضغط الدم بشكل مستمر باعتماد تقنية متطورة جداً لأجهزة الاستشعار المرن Flexible Sensors التي تستخدم نبضات الموجات فوق الصوتية لقياس ضغط الدم. وتأمل الشركة المنتجة، وهي الشركة المنبثقة عن جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، أن يوفر جهازها قياساً أعمق وأكثر دقة لضغط الدم، سواء بالنسبة للأشخاص في العناية المركزة أو الذين يمارسون حياتهم اليومية.
وقامت الشركة بتطوير رقعة ناعمة ومرنة (مثل لصقة الجروح) يمكن ارتداؤها على الجلد فوق الشريان السباتي Carotid Artery في الرقبة أو أي شرايين أخرى بالجسم. وقال المطورون أن مثل هذا الجهاز يمكن أن يوفر قراءات مستمرة حتى في الأنسجة العميقة، وهو الأمر غير الممكن اليوم مع التقنيات الحالية المستخدمة في المستشفيات. وقال شو شيانغ، مهندس ومؤسس مشارك الشركة التي يوجد مقرها في سان دييغو: «عندما نتحدث إلى الأطباء الذين يتعاملون مع المرضى يوماً بعد يوم، يخبروننا أنهم يهتمون بطريقة سهلة لتوحيد قياس ضغط الدم والحصول على قياس مستمر لمدة 24 ساعة».
وتحت عنوان «قياس ضغط الدم على الهاتف الذكي باستخدام تقنية التصوير البصري عبر الجلد» قدم باحثون صينيون نتائج استخدام هذه التقنية لقياس ضغط الدم، وذلك ضمن عدد 6 أغسطس (آب) الماضي من مجلة الدورة الدموية: تصوير القلب والأوعية الدموية Circulation: Cardiovascular Imaging. وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: «تفتقر أجهزة قياس ضغط الدم باستخدام السوار إلى الراحة والملاءمة للشخص. وقمنا بفحص ما إذا كان يمكن قياس ضغط الدم بطريقة لا تلامس فيها باستخدام تقنية مبتكرة تعتمد على الهاتف الذكي وتسمى التصوير البصري عبر الجلد Transdermal Optical Imaging. وتتعامل هذه التقنية مع تغييرات تدفق الدم غير الواضحة في الوجه Imperceptible Facial Blood Flow من مقاطع الفيديو الملتقطة بكاميرا الهاتف الذكي وتستخدم التعلم الآلي المتقدم لتحديد ضغط الدم من الإشارة الملتقطة. وفي عام 2018 طور باحثون أميركيون نموذجاً أولياً لمراقبة ضغط الدم يعتمد على الهواتف الذكية من خلال طريقة ذبذبات الضغط بالأصابع Oscillometric Finger – Pressing Method، وتم نشر الدراسة ضمن عدد 7 مارس (آذار) من مجلة «عالم الطب الانتقالي» Science Translational Medicine. وتم فيها استخدام تقنية عالية ومتقدمة من الطباعة الثلاثية الأبعاد لنموذج متصل بمستشعر بصري، وذلك لقياس ضغط الدم من خلال القوة المُطْبقة على الشريان في الإصبع.
ووفقاً للباحثين في جامعة ولاية ميشيغان، فإن هذا النموذج التقني المتقدم يوفر قراءة ضغط الدم في الإصبع بنفس الطريقة التي يضغط بها سوار جهاز قياس ضغط الدم على الشريان في العضد باستخدام أحد أجهزة قياس ضغط الدم المعتمدة على ارتداء السوارCuff – Based BP Measurement Devices. وأظهرت نتائج التجارب المبكرة أن قراءات ضغط الدم باستخدام جهاز الهاتف الذكي كانت متشابهة مع جهاز قياس ضغط الدم باستخدام السوار. وقال الباحثون: «قد تتغلب طريقة ذبذبات الضغط بالأصبع على أوجه القصور في طرائق قياس ضغط الدم الأخرى، لأنها أولاً يمكنها قياس ضغط الدم الانقباضي والانبساطي بشكل مستقل دون أي معايرة Calibration، وبالتالي قد تكون دقيقة بما فيه الكفاية. وثانياً، تقدم ميزة ملائمة أكثر بالمقارنة مع الأجهزة الأخرى التقليدية للأشخاص ذوي الموارد المنخفضة، ويمكنهم حمله معهم ضمن تراكيب هاتفهم الجوال أينما ذهبوا.
– استشارية في الباطنية