تعد مشكلة المخدرات مشكلة عالمية وواحدة من أصعب المسائل التي يواجهها العالم، ولها آثار واسعة النطاق على صحة ورفاه الأفراد والأسر والمجتمعات وعلى أمن البلدان وتنميتها المستدامة. ومن ثم فإن معالجة التحديات المتعلقة بالمخدرات بكل تعقيداتها تعد أمرا جوهريا لكل دول العالم.
ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن تعاطي الكحول على نحو ضار هو ثالث أهم عوامل الخطر فيما يتعلق بالوفيات المبكرة وحالات الإعاقة في العالم. ويؤدي، كل عام، إلى وفاة مليوني ونصف المليون شخص، منهم عدد كبير من الشباب يبلغ 320000 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما. كما وإن تعاطي الكحول وحده يُعد أحد أهم العوامل الرئيسة ذات العلاقة بتردي الوضع الصحي في العالم. وهناك مجموعة كبيرة من المشكلات ذات العلاقة بالكحول يمكن لها أن تحدث آثاراً مدمرة على الفرد وعلى الأسرة ويمكن أيضاً أن يكون لها وقع فادح خطير على حياة المجتمع. وتعاطي الكحول على نحو ضار هو أحد عوامل الخطر الأربعة الأكثر شيوعاً والتي يمكن تغييرها حتى يتم اتقاء شر الإصابة بالأمراض غير السارية الرئيسية.
فما هي دواعي تعاطي المخدرات بأنواعها؟ وكيف تتكون قابلية الشخص للإدمان؟ وما هو دور الإعلام الحديث المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي في نشر وانتشار المخدرات وفي التوعية بأضرارها والوقاية منها؟
– تقرير الأمم المتحدة
تحدث إلى «صحتك» الدكتور سامي بن خالد الحمود خبير ومدرب معتمد في الوقاية من المخدرات الرئيس التنفيذي للمشروع الوطني للوقاية من المخدرات (نبراس) سابقا – مشيرا إلى «التقرير العالمي عن المخدرات لعام 2020» الذي صدر مؤخراً عن المكتب المعني بالمخدرات والجريمة بالأمم المتحدة UNODC في 25/6/2020. وقد أشار التقرير إلى أنه في ظل أزمة كوفيد 19 يلزم تخصيص الموارد العمومية لتنفيذ تدابير فعالة وتجنب التدخلات التي ليس لها أساس علمي أو التي أظهرت الأدلة عدم فعاليتها.
وأشار التقرير – على سبيل المثال – إلى أن الحملات الإعلامية تعد التدخل المفضل لدى صانعي السياسات إلا أن الأدلة العلمية أظهرت أن فعالية الحملات العامة لتوعية الجمهور معدومة أو محدودة جداً في منع تعاطي المخدرات أو وقف الانحدار نحو تعاطيها.
كما أشار التقرير العالمي لهذا العام إلى أن الانكماش الاقتصادي الناتج عن أزمة كوفيد 19 يمكن أن يؤدي إلى رفع مستويات إنتاج المخدرات والاتجار بها وتعاطيها، وأن تفاقم الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفئات الضعيفة قد يدفعها إلى مزاولة أنشطة غير مشروعة للتعويض عن خسائرها.
وأشار التقرير إلى أن التدابير التي اتخذتها الدول بسبب جائحة كوفيد 19 قد أثرت على سلسلة إمدادات المخدرات الممتدة من الإنتاج والاتجار إلى الاستهلاك، الأمر الذي يبرز أهمية قصوى لرصد هذه التغيرات ومعرفة مدى استمرارها بعد رفع القيود واحتمالية زيادة تعاطي المخدرات في العالم كما حصل في أزمات ماضية.
وتقوم السعودية بأعمال جبارة للحد من انتشار وتفشي هذا الوباء الفتاك. إضافة إلى أن المملكة تعد من أوائل الدول التي تنظر للإدمان كمرض يستوجب التدخل العلاجي فأنشأت العديد من المستشفيات والمراكز العلاجية، سواء الحكومية أو الخاصة.
– عوامل الخطر
عوامل الخطر خارجية وأخرى شخصية داخلية. ويؤكد الدكتور الحمود على أن الحديث عن المخدرات يعتبر حديثا عن أعظم مهدد للأسر والمجتمعات، فقد استقر العلماء في العقود الأخيرة، من البحث العلمي المتواصل في مجال علم الإدمان وبواعث التعاطي، إلى أن هناك أربعة عوامل خارجية عن الفرد تشكل مصدر خطورة فيما يتعلق بتشكيل قابلية التعاطي وتنمية سلوكيات تعاطي المخدرات والمسكرات. وهذه المجالات هي محيط الأسرة، وبيئة الجوار، وبيئة المدرسة، وطبيعة التفاعل بين الأقران أنفسهم. ويضاف لها العامل الخامس وهو العامل الشخصي الداخلي المتعلق بشخصية الإنسان وقيمه وانفعالاته وتفاعلاته ورصيد خبرته وميوله.
هذه العوامل الخمسة هي مصدر الخطورة على الفرد وهي من تسهل له سبيل الانحراف، وفي الوقت نفسه هي أيضاً مصدر حمايته من الوقوع في الانحراف والسلوكيات الخطيرة. وبات هذا النموذج، عالمياً، هو الثابت والصادق علمياً والذي يُستخدم لوصف العوامل المتعددة والمتداخلة التي تتفاعل مع بعضها البعض وبالتالي تُشكل سلوك تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.
– أثر الإعلام الجديد
أضاف الدكتور الحمود أنه في ظل الثورة التقنية التي تعيشها المجتمعات البشرية اليوم، يظهر أثر الإعلام الجديد المتمثل في شبكة الإنترنت وما تمخض عنها من شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم عاملاً مؤثراً في تكوين شخصية الإنسان وقيمه وسلوكياته.
وعلى جانبٍ ذي صلة، فإن عصابات تهريب وترويج المخدرات لا تألو جهداً في استغلال كل هذه المتغيرات لصالح أجندتها، مستفيدة من الأثر الكبير للإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي إما بتزيين وتسهيل تداول ونشر المخدرات والمؤثرات العقلية وزيادة الطلب عليها، أو باستخدام هذه الوسائل الحديثة في عمليات ترويج ونشر المخدرات وخاصة بين الناشئة والمراهقين باعتبارهم الفئة الأكثر استخداماً لهذه الوسائل.
وأبرز طرق ووسائل مروجي المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما يقول الدكتور الحمود هي:
> نشر مسميات للمخدرات ترتبط بمفاهيم تشير للقوة والنشاط، ومسميات أخرى ترتبط بالإغراءات.
> إقناع الشباب بتأثير أنواع المخدرات في القدرة على الحفظ في أوقات المذاكرة في أيام الامتحانات.
> استخدام مسميات للمواقع تستوحي من اللذة في الطعم والمنظر ما يجذب الشباب والإيقاع بهم.
> خداع المراهقين والشباب أن بعض أنواع الحبوب هي الحل الأمثل للسهر.
> إنشاء حسابات لأسماء وصور نسائية بهدف إيقاع الشباب في براثن المخدرات.
> يستخدم المروجون أسماء جذابة لاستهداف الشباب في مواقع التواصل وإدخالهم في مستنقع المخدرات. كما يستخدمون ألغازاً وشفراتٍ وصوراً عبر حسابات مشبوهة لبيع سمومهم والإيقاع بضحاياهم.
> يستخدم المروجون صيدليات الإنترنت غير المشروعة التي تبيع وتروج للمواد المخدرة.
> تغرير مروجي المخدرات بالرياضيين الذين يسعون إلى تقوية عضلاتهم دون أن يبذلوا جهداً.
> يوظف المروجون أكثر شبكات التواصل الاجتماعي استخداماً بين الشباب مثل تطبيق سناب شات.
شبكات المخدرات الاجتماعية
يقول الدكتور سامي الحمود إن هناك ثمة مجموعة من العوامل جعلت من شبكات التواصل الاجتماعي خياراً مفضلاً وتحولاً مقصوداً لدى عصابات ترويج المخدرات، منها:
– عامل السرية، فسرية التعامل عبر شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت مروجي المخدرات على التخفي والحصول على غطاء آمن يحاولون من خلاله مزاولة الترويج بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية.
– السهولة، فشبكات التواصل الاجتماعي مكنت المروجين من الوصول إلى ضحاياهم بشكل سهل وسريع في العالم الافتراضي، وهذا الأمر أسهل بكثير من العالم الحقيقي الذي يحتاج إلى كثير من الخطوات والعلاقات، وتكتنفه العديد من التحفظات والاحترازات.
– الكلفة، فانتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مكن المروجين من الاستفادة منها بكلفة يسيرة جداً وشبه مجانية، فالأمر لا يتطلب سوى توفر شبكة الإنترنت وجهاز حاسوب أو هاتف ذكي، دون أي مبالغ مالية طائلة أو إمكانات معقدة.
– قلة الوعي، إن قلة الوعي لدى الشباب والفتيات أسهمت في وقوعهم ضحايا لتعاطي المخدرات وفريسة لمروجيها، علاوة على الاستخدام غير الرشيد لشبكات التواصل الاجتماعي وعدم إدراك الشباب أو الفتيات لما تنطوي عليه من كواليس ومخاطر.
ونظراً لارتباط استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بالهواتف الذكية (غالباً) فقد ظهرت عوامل أخرى تمثل تحديات أمنية جديدة في اكتشاف جرائم الاتجار بالمخدرات المرتبطة بهذه الأجهزة.
– حلول وتوصيات
وما هي الحلول تجاه هذا المتغير الجديد والخطير في قضايا ترويج المخدرات؟
يجيب على ذلك الدكتور سامي الحمود أن هناك عددا من التوصيات والحلول، التي يمكن تقسيمها إلى أربعة جوانب، كالتالي:
> أولا: الجانب التشريعي والعقابي. أكدت الدراسات ضرورة سن القوانين وإعداد التشريعات والضوابط المناسبة لمكافحة نشر المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الجانب، يشير الدكتور الحمود إلى ما يتم تطبيقه من العقوبات الرادعة وفق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والذي صدر في السعودية بالمرسوم الملكي رقم م/17 وتاريخ 8/3/1428هـ بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 79 وتاريخ 7/3/1428هـ.
ومما يجدر التنبيه له ما تضمنته الفقرة (4) الرابعة من المادة السادسة من شمولية العقوبة لكل من أنشأ أو نشر مادة للاتجار بالمخدرات أو سهل تعاطيها أو التعامل بها حتى وإن لم يقم فعلياً بالترويج لها.
> ثانيا: الجانب الأمني، ويشتمل على: تعزيز الدور الكبير الذي تبذله الجهات الأمنية المتخصصة في متابعة مروجي المخدرات الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، تحقيق التعاون بين المواطنين والمقيمين وبين الجهات الأمنية في الإبلاغ عن المروجين وتزويدها بأي معلومات حول الحسابات أو الاستخدامات المشبوهة في شبكات التواصل الاجتماعي.
> ثالثاً: الجانب الأسري والتربوي، ويشتمل على: توعية الأسر بتفعيل دورها الرقابي وتحذير أبنائها من خطورة التعامل مع المعرفات المشبوهة أو الانسياق خلف أساليبها. وقيام المؤسسات التربوية والتعليمية بدور كبير في تغيير مفاهيم الشباب وتعديل سلوكياتهم واتجاهاتهم. وإيجاد برامج وتطبيقات لفتح الحوار بين الأسرة والأبناء وخلق بيئة صحية وواعية.
> رابعاً: الجانب التوعوي والمجتمعي، ويشتمل على: رفع الوعي في المجتمع ويتم ذلك بنشر تأثير المخدرات على النواحي العقلية والنفسية والجسدية والأسرية. تكثيف المحتويات الرقمية التوعوية المدعومة من المؤسسات المجتمعية الدينية والفكرية والمعرفية الموثوقة. تحقيق التكامل والتعاون بين الجهات (الحكومية والأمنية والأهلية والخيرية) في مجال مكافحة المخدرات، ومشاركة وسائل الإعلام المختلفة في التوعية عن المخدرات ومصادر ترويجها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
> تبني برامج وقائية حديثة مبنية على الممارسات الحديثة المبرهن على فعاليتها مثل: المهارات الحياتية، المهارات الأسرية، تثقيف الأقران، المشاركة المجتمعية الفعالة… وغيرها.
وبالنظر إلى التجارب العالمية باتت سياسات الوقاية تركز على استعمال وسائل الاتصال الحديث وخاصة المواقع التفاعلية في الإنترنت لمواجهة الثقافة الفرعية للشباب المعززة بقيم التعاطي. ويتم ذلك من خلال تصميم المواقع المتخصصة في لقطات الفيديو، ومن خلال تصميم حملات تفاعلية موجهة للصغار في سن مبكرة من التعليم لتثقيف الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم 8 سنوات بخطر التعاطي.
وأخيرا فإن الخروج من متاهة تعاطي المواد المخدرة يحقق للناس وللمجتمعات أن تنعم بموفور الصحة في جميع أنحاء المعمور، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
– استشاري طب المجتمع