جدّد البطريرك الماروني بشارة الراعي دعوته إلى حياد لبنان، مؤكداً أن طرحه ليس طائفياً أو فئوياً أو مستورداً، في وقت سجل فيه أمس لقاء بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي قال إن الحياد «تموضع استراتيجي يجب العمل لتوفير ظروف نجاحه وتأمين مظلة خارجية لتطبيقه».
وفي حين لا يزال الثنائي الشيعي («حزب الله» و«حركة أمل») على صمته، كان رد من رئيس المجلس الشيعي الأعلى عبد الأمير قبلان على هذا الطرح، مؤكداً أن «الحياد لا يفرق بين شرق وغرب»، متهماً البعض بـ«التعاطف مع الخونة ومحاولة إخراج لبنان من دائرة الصراع مع العدو الإسرائيلي».
وقال باسيل بعد لقائه الأول بالراعي منذ إطلاق الأخير مواقفه الداعية إلى حياد لبنان، إن «(التيار الوطني) مع تحييد لبنان، وطبقنا هذا الموضوع في وزارة الخارجية أيضاً. التحييد هو قرار ذاتي، أما الحياد فهو قرار مطلوب منا ومن الغير».
وأضاف: «الحياد هو تموضع استراتيجي يجب أن نعمل لنوفر ظروف نجاحه التي تعتمد على التوافق الداخلي، ما يتطلب حواراً وطنياً للوصول إلى قناعة وطنية، والا سنتسبب بمشاكل داخلية»، داعياً إلى «تأمين مظلة خارجية لتطبيق هذا الموضوع، ووجوب اعتراف الدول المجاورة وتسليمها بهذا المبدأ». وقال: «نحن مع الحياد الذي يحفظ للبنان وحدته ويحفظ جميع عناصر قوته ويحميه من أطماع إسرائيل ويزيل عن لبنان أعباء النازحين».
ولفت إلى أن «لبنان همزة وصل بين الشرق والغرب… هو رسالة تنوع وقبول الآخر، ما يجب أن يكون مصدراً لاستقراره»، مضيفاً: «في النهاية البطريركية المارونية من حراس وحملة الرسالة اللبنانية، وأبدينا استعدادنا لأي عمل مطلوب في هذا الاتجاه».
الراعي: لا شرق ولا غرب
وأوضح الراعي، أمس، مقصده من الدعوة إلى الحياد، قائلاً في عظة الأحد: «عندما أعلن لبنان الكبير عام 1920 بنظامه الديمقراطي وحرياته العامة وتعدديته الدينية والثقافية؛ حمل رسالة العيش معاً؛ مسيحيين ومسلمين، بدستور خاص مميز عن جميع دساتير محيطه العربي، فاصلاً بين الدين والدولة، ومحترماً جميع الأديان بمعتقداتها وتعاليمها وتقاليدها».
وأضاف: «لما أعلنت سيادة لبنان باستقلاله الناجز سنة 1943 ثبتت الدولة دورها المستقل في منظومة الأمم، وأقامت ميثاقها الوطني بتأكيد العيش المشترك المتوازن والمتساوي بين مكونات الوطن كلها. وبهذا الميثاق أعلنت حيادها بالمفهوم القانوي والدولي بمقولة (لا شرق ولا غرب)؛ أي التزام لبنان الحياد بين الشرق والغرب، بحيث يلتزم الانفتاح على جميع الدول ما عدا إسرائيل بسبب حال العداوة والاحتلال. كما يلتزم تعزيز حوار الأديان والثقافات والحضارات، والدفاع عن القضايا العربية المشتركة والقضية الفلسطينية، من دون الدخول في أحلاف سياسية أو عقائدية أو عسكرية إقليمية ودولية».
ولفت كذلك إلى أنه «بقوة الدستور والميثاق ووحدة اللبنانيين استطاع لبنان أن يتجاوز محنة 1958 الرامية إلى ضم لبنان إلى الوحدة المصرية – السورية العابرة، وخطر التقسيم أثناء الحرب اللبنانية المشؤومة ما بين 1975 و1990». ولفت إلى أن «وثيقة (اتفاق الطائف) جاءت لتجدد الدستور الأول كعقد لوجود لبنان والميثاق الوطني كعقد لسيادته. مع ما يلزم من تعديل وتوضيح»، داعياً إلى «استكمالهما بنظام الحياد الناشط والفاعل، وهو كعقد للوحدة الداخلية والاستقرار». وأكد أن «نظام الحياد يقتضي وجود دولة قوية بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها، عندئذ تستطيع أن تحقق أكاديمية الإنسان لحوار الثقافات والأديان والحضارات التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة في دورة 2018 بطلب من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون».
وشدد على أن «نظام الحياد ليس طرحاً طائفياً أو فئوياً أو مستورداً؛ بل هو استرجاع لهويتنا وطبيعتنا الأساسية، وباب خلاص للجميع. رجائي أن يصار إلى فهم حقيقي مجرد لمفهوم نظام الحياد الناشط والفاعل عبر حوارات فكرية علمية، تكشف معناه القانوني والوطني والسياسي، وأهميته للاستقرار والازدهار».
قبلان: تشويه الصورة
وفي رد منه على مطلب الحياد، قال الشيخ قبلان في الذكرى السنوية لحرب يونيو (حزيران) إن «الحياد بمنطق السيد المسيح والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لا يفرق بين شرق وغرب». وقال: «من السخافة والنذالة أن نجد من يتعاطف مع الخونة والعملاء تحت عناوين شتى تريد تشويه صورة لبنان المقاوم بغية إخراجه من دائرة الصراع مع عدو ظالم لا يزال محتلاً لأرضنا وينتهك على الدوام سيادتنا فضلاً عن سرقة ثرواتنا المائية والنفطية».
وحذر من «تضييع بوصلة المصلحة الوطنية والأخلاقية فيما يتعلق بموقع لبنان وكيفية إنقاذه وسط هذه الأعاصير والهجمة الدولية والإقليمية على تمزيقه، تارة بفرض حصار وعقوبات اقتصادية عليه، وأخرى بتدخلات في شؤونه الداخلية وتحريض فئة على أخرى، وصولاً إلى الدعوة إلى الفدرلة وتحميل المقاومة وزر الأزمة الاقتصادية والمعيشية وطرح حياد لبنان كمخرج للخروج من الأزمات الحالية».