ربطت دراسة حديثة، تناولت العلاقة بين الاضطرابات في النوم في السنوات الأولى من حياة الطفل، وزيادة احتمالات حدوث العديد من الأمراض النفسية والعقلية، وظهور أعراضها بشكل مبكر في فترة المراهقة. وأشارت الدراسة إلى أن هذه الاحتمالات تزيد كلما كانت بداية المشكلات في عمر صغير، بداية من عمر الثالثة، وربما قبلها بفترة طويلة.
– النوم والصحة النفسية
جاءت هذه النتائج في دراسة لعلماء من جامعة «برمنغهام» في المملكة المتحدة، نشرت في منتصف شهر يوليو (تموز) من العام الحالي، في مجلة «الرابطة الطبية الأميركية للطب العقلي» (JAMA Psychiatry).
كان العلماء قد قاموا بتدقيق بيانات مأخوذة من نتائج عدة استبيانات خاصة بـ13 ألف شخص كانوا جميعاً طلاباً في بداية التسعينات من القرن الماضي. وكانت بياناتهم الخاصة جزءاً من دراسات إنجليزية تم إجراؤها على الطلاب للوقوف على الحالة الصحية لهم من الناحية الجسدية والنفسية المتعلقة بالنوم. وقد قام آباؤهم بإعطاء معلومات عن نموذج النوم الخاص بهم 6 مرات متتالية بداية من عمر 6 شهور، ثم 18 شهراً، ثم 30 شهراً، ثم 3 أعوام ونصف العام، ثم 4 أعوام وثمانية أشهر، ونهاية بـ5 أعوام وثمانية أشهر.
ومن بين أولئك الذين شملتهم الدراسة كان هناك عدد بلغ 7 آلاف شخص عانوا من الأمراض النفسية في المراهقة، وهناك عدد آخر بلغ 6 آلاف عانوا من الاضطراب النفسي الحديBorderline Personality Disorder.
أظهرت النتائج وجود ارتباط بين قلة النوم في الأطفال الذين اعتادوا الاستيقاظ من النوم أثناء الليل، بداية من عمر 6 شهور، ثم 18 شهراً، وبين زيادة الاحتمالية للإصابة بالأمراض النفسية في البلوغ، وهو الأمر الذي يؤكد النظريات السابقة عن دور الأرق في زيادة الإصابة بالأمراض النفسية في العموم. كما وجد العلماء أن الأطفال الذين يذهبون إلى الفراش متأخراً في عمر الثالثة والنصف كانوا الأكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الحدي في البلوغ. وأوضح العلماء أن الاستيقاظ من النوم في هذه المرحلة العمرية في الأغلب يكون بسبب الكوابيس، وعلى الرغم من الصلة الموجودة بالفعل بين الكوابيس، وزيادة احتماليات حدوث الأمراض النفسية مستقبلاً، إلا أن الأمر لا يقتصر على الكوابيس فقط، ويرتبط بنوعية النوم نفسها، وكميته، وكلما كانت الساعات كافية للنوم كلما كان ذلك أفضل للصحة النفسية.
– عوامل الأرق
أشار العلماء إلى احتمالية أن تلعب الهرمونات في مرحلة المراهقة والتوصيلات الكيميائية في المخ دوراً في الإصابة بالمرض النفسي. ولكن أيضاً يبقى النوم عاملاً مهماً جداً في الحفاظ على التوصيلات العصبية والكيميائية في المخ بدون خلل، ويساعد على النمو بشكل طبيعي في الأطفال، واكتساب المهارات المختلفة من خلال نضج مراكز الإدراك في المخ.
وهذا ما يجعل من الأرق عامل خطورة للإصابة بالأمراض النفسية المختلفة مثل القلق والاكتئاب، بل يمتد ليشمل أمراضاً سلوكية مثل نقص الانتباه، وفرط النشاط، خصوصاً إذا كانت المشكلات في نموذج النوم تحدث قبل العام الأول من عمر الطفل.
أوضح الباحثون أن الأمر يحتاج المزيد من الدراسات، خصوصاً وأن الدراسة الحالية لم ترصد العامل الجيني، واحتمالية أن يكون هؤلاء الأطفال الذين عانوا من الأرق في طفولتهم المبكرة، وأصيبوا بالأمراض النفسية في مراهقتهم، كانت نتيجة لعوامل وراثية لآباء مرضى نفسيين، وأيضاً عانوا في طفولتهم من الأرق نفسه، الذي انتقل إلى الأبناء بشكل جيني. وأخذ العلماء في الاعتبار العديد من العوامل التي ربما تسبب المشكلات النفسية بمعزل عن نوعية النوم، مثل المعاملة السيئة للطفلة في المنزل أو المدرسة، أو التنمر، أو العوامل البيئية مثل الوجود في مناطق بها صراعات أو حروب. كما أوضح الباحثون أن قلة النوم لها أهمية خاصة في الطفولة عن باقي مراحل العمر، حيث إنها الفترة التي يحدث فيها اكتمال النمو العصبي في المخ، ولذلك فإن الخلل الذي يحدث في النوم في هذه المرحلة ينعكس مستقبلاً على الحالة النفسية للمراهق، وفي الأغلب، فإن هذه الفترة العمرية لها نموذج نوم (sleep pattern) خاص بها.
حذرت الدراسة من أن قلة النوم تتزايد كظاهرة في الأطفال للعديد من الأسباب؛ أهمها اليوم الدراسي الطويل والمجهد، وتأخر وقت النوم، فضلاً عن زيادة الوقت المنقضي أمام الشاشات، سواء الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحية، خصوصاً في الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة.
وعلى وجه التقريب، فإن نسبة 60 في المائة من المراهقين الأميركيين لا ينالون القسط الكافي من النوم (8 ساعات)، وهو الأمر الذي يمكن أن يعرضهم لاحقاً للإصابة بالتوتر والقلق. ويجب استبعاد العوامل العضوية التي يمكن أن تؤدي إلى صعوبات في النوم، مثل مشكلات في الجزء الأعلى من الجهاز التنفسي، التي تمنع التنفس بشكل مؤقت، ما يستوجب الاستيقاظ من النوم obstructive sleep apnea، وكذلك وجود ألم في منطقة معينة وبعض الأنواع من الأدوية.
ويجب على الآباء مراقبة نمط النوم الخاص بأطفالهم الصغار، واللجوء إلى المراكز الطبية المختصة بطب النوم في حالة التأكد من وجود خلل حقيقي، حيث إن معظم الأطفال الصغار يمكن أن يعانوا من بعض الأرق، والذهاب إلى الفراش متأخراً بشكل طبيعي. أما الشكل المرضي، فيظهر عندما يكون متكرراً على الأقل 3 مرات أسبوعياً، ويستمر على هذا المنوال لمدة تصل إلى 3 شهور حتى يمكن التشخيص. ويجب على الآباء وضع نظام محدد للنوم والذهاب إلى الفراش في وقت معين كل يوم، مع منع مشاهدة الشاشات قبل النوم بوقت كافٍ حتى يجنبوا أطفالهم المشكلات النفسية لاحقاً.
– استشاري طب الأطفال