أنعشت آلية تسريع «اتفاق الرياض» التي اقترحتها السعودية أخيراً على الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي آمال الشارع اليمني في شقيه السياسي والشعبي، لجهة استعادة مؤسسات الدولة ودحر الانقلاب الحوثي، بحسب ما أفصح به عدد من السياسيين لـ«الشرق الأوسط».
وفي حين جاءت أولى البوادر الإيجابية للمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق من خلال تكليف رئيس الوزراء الحالي معين عبد الملك تشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، إلى جانب تعيين محافظ لعدن ومدير للأمن فيها، يتطلع اليمنيون إلى انتهاء كل مظاهر الشقاق بين القوى والأطراف المناهضة للميليشيات الحوثية، لجهة توحيد الجهود لملفات التنمية في المناطق المحررة، ومجابهة الانقلاب المدعوم إيرانياً وصولاً إلى تحرير صنعاء.
وإذ يأمل الشارع اليمني في أن تسهم الآلية السعودية التي وافق عليها الطرفان في إنجاز كل بنود «اتفاق الرياض» الموقع في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يجزم المراقبون أن مثل هذه الخطوة ستضاعف من قدرة مكونات الشرعية على إدارة الملفين السياسي والعسكري بإرادة حاسمة لإنهاء الانقلاب.
وفي هذا السياق، يعتقد وكيل أول محافظة إب الشيخ محمد عبد الواحد الدعام، أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى للإسراع في تنفيذ «اتفاق الرياض»، باعتباره الفرصة الأخيرة للملمة شتات المكونات والأحزاب كافة.
ويرى الدعام في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الفترة الماضية التي شهدت تفاقم الخلاف وتباين الرؤى بين القوى اليمنية سهلت – بحسب قوله – للانقلابيين الحوثيين تحقيق العديد من المكاسب الميدانية التي ما كان لهم أن يحققوها لولا هذه الاختلافات.
ويقول: «بتشكيل الحكومة الجديدة وترتيب الأولويات ستتغير المعادلة كلياً، والحوثيون يدركون ذلك، فهم أتعس الناس بهذا الاتفاق».
واستدل الشيخ الدعام بارتباك الموقف الحوثي على خلفية التوافق الأخير على آلية تسريع تنفيذ «اتفاق الرياض»، مشيراً إلى حديث القيادي الحوثي أبو علي الحاكم لمجموعة من مشايخ محافظة الجوف، حيث بدا متوتراً ومرتبكاً بشكل ينم عن مخاوف الجماعة من توحيد جبهة الصف الجمهوري.
وأضاف بقوله: «يجب على الحكومة الجديدة استعادة ثقة المواطنين وتقديم الخدمات العاجلة والضرورية والاهتمام بالأولويات، كما يجب على كل القوى السياسية أن تدرك أن العدو الحقيقي والوحيد هو الحوثي الذي يشكل خطراً وجودياً على الشعب، أما بقية القوى الوطنية فيجب عليها تقبل وجهات النظر المختلفة، لأن هذه هي طبيعة الحياة». وشدد الدعام على ضرورة استثمار الدعم اللامحدود الذي يقدمه التحالف الداعم للشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية التي قال إنها «بذلت جهوداً جبارة في سبيل التوصل إلى هذا الاتفاق الذي من شأنه أن يغير المعادلة على الأرض لصالح الشعب اليمني وتطلعاته بالعيش والحياة الكريمة والتخلص من الميليشيا الانقلابية القادمة من مجاهل التاريخ وأقبيته».
ولا يذهب الكاتب الصحافي والإعلامي اليمني وضاح الجليل بعيداً في طرحه لـ«الشرق الأوسط» عن الموضوع ذاته، إذ يجزم «بأن آلية التسريع بتنفيذ اتفاق الرياض تمثل أهمية كبيرة في رأب الصدع الذي ضرب جبهة الشرعية منذ ما يقارب العام وتسبب في تمكين ميليشيا الحوثي من تحقيق مكاسب متفرقة؛ لكنها خطيرة، وتهدد كيان اليمن بأكمله والمنطقة العربية برمتها؛ نظراً لما يمثله الحوثي من كارثة اجتماعية لا تقتصر على اليمن فحسب». وقال الجليل: «هذه الآلية يمكنها أن تنجز تنفيذ اتفاق الرياض الذي مضى على التوقيع عليه أكثر من 9 أشهر؛ ويفترض أنه قد تم إنجازه على الأرض وتجاوز كل العراقيل في طريق تنفيذه، الأمر الذي يعيد ترتيب كثير من الأوراق السياسية والعسكرية، ويسرع من تطببع الحياة في المناطق المحررة، وإعادة الثقة للمواطنين بالدولة، وإعادة الخدمات والأمن إليهم».
ويضيف: «أنجزت السعودية هذا الاتفاق وهذه الآلية؛ ويمكن الآن البدء بإجراءات التنفيذ وتمكين الأجهزة الأمنية والإدارية القيام بمهامها».
أما على الصعيدين السياسي والعسكري؛ فيعتقد الجليل «أن مواجهة الانقلاب الحوثي تمر بمرحلة حساسة، لجهة وجود محاولات من قبل قوى دولية تسعى لتمكين الحوثي مما تحقق له من نفوذ، وحماية ذلك النفوذ باتفاق يتم فرضه بصيغة تجعل الحوثي نداً للشرعية وطرفاً مساوياً»، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن الصدع الحاصل منذ أحداث أغسطس (آب) الماضي في عدن «كان قد مثل لهذه القوى – دون أن يسميها – فرصة لتمرير أجندتها؛ باعتبار هذا الانقسام يضعف جبهة الشرعية والتحالف الداعم لها، ويمثل مدخلاً لفرض اتفاق غير عادل وتسوية تستلب الحقوق الأصيلة لليمن وشعبه ودولته».
من جهته، يؤكد الباحث والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل أن «اتفاق الرياض» كان «الإطار الذي انتظمت خلاله قوى الشرعية أو الجبهة المناوئة للحوثي بكل تنوعاتها، لكن ضيق الأفق خلال الأشهر الماضية وحظوظ الذات ربما أربكت الأمل المعقود على اتفاق الرياض لتوحيد الإرادة، وإنهاء التشظي، وبالتالي رفع معاناة الناس واستعادة الدولة».
ويعتقد الدكتور البيل أن «تدارك الدبلوماسية السعودية لخطر انهيار الاتفاق أعادت الأمل لتحقيق كل تلك المصالح، وجاءت آلية تسريع التنفيذ فرصة أخيرة لهذه القوى لإنقاذ نفسها وإنقاذ الدولة اليمنية وإنقاذ الناس».
وينصح البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بضرورة استمرار ضغط الرياض في الأيام المقبلة على القوى السياسية كافة، من أجل التنفيذ الزمني للاتفاق دون تأخير أو تأجيل، لأن التأجيل – بحسب قوله – «هو المدخل الأول الذي يؤدي إلى انفراط العقد».
وفي سياق ما شكله التوافق الأخير على آلية تسريع تنفيذ الاتفاق، أشار الدكتور البيل إلى أن ذلك أعاد «البشرى لليمنيين» وذلك ملاحظ – والحديث له – من خلال «ردود الفعل المتفائلة وانخفاض مستوى الشحن والتصارع والنقاش الحاد، وانقلاب الخطابات الإعلامية إلى جهة التهدئة والدعوة للتصالح».
وفي المجمل العام، يعتقد الدكتور البيل أن هذا التوافق «يمثل أرضية جيدة ليمر الاتفاق محمولاً بهذا التصالح، ومشمولاً بهذا التفاؤل الذي يحمل الأطراف مسؤولية تاريخية بتجاوز المصالح الذاتية لصالح مصلحة اليمنيين الكبرى، بالاستفادة من الدعم الكبير من المملكة العربية السعودية».