صحيح أن رئيس الوزراء العراقي الكاظمي في حال جرت الانتخابات في الموعد الذي حدده، ألا وهو السادس من يونيو (حزيران) المقبل، وحققت نتائجها المرجوة منها، سوف تحسب له، وتصب في مصلحته، بعيداً عما يمكن أن ينتظره من دور آت في العراق، في ضوء الخريطة التي يمكن أن تفرزها الانتخابات، لكن السؤال الذي بات يطرح الآن بقوة هو: إلى أي حد سوف تتغير الخريطة السياسية في ضوء تلك الانتخابات؟
أول المخاوف بشأن ما يمكن أن تفرزه من متغيرات هو الدعوات التي تلت دعوة الكاظمي للانتخابات المبكرة، وهي الدعوة لانتخابات «أبكر» التي أطلقها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. ومع أن الحلبوسي كان قد أعلن قبل أكثر من شهر أنه بصفته زعيماً لأكبر تحالف سني، هو «تحالف القوى العراقية»، أكثر استعداداً لخوض الانتخابات أياً كان موعدها، فإن دعوة الكاظمي لم تشكل مفاجأة له، الأمر الذي جعله يدعو إلى انتخابات أبكر.
القيادي البارز في «تحالف القوى العراقية» النائب عن محافظة الأنبار محمد الكربولي، وهو نائب رئيس «تحالف القوى»، أبدى شكوكاً بشأن دعوة الكاظمي للانتخابات المبكرة، رابطاً بين إجرائها وسلسلة من الإجراءات التي تحول دون نزاهتها فيما لو أجريت، مثل السلاح المنفلت والنازحين والمهجرين وكثير من المخاوف الأخرى.
الرئيس العراقي برهم صالح الذي لم يعلن حتى الآن ما إذا كان سيدخل تحالفاً انتخابياً أم لا، أو هل سيترشح أو يرشحه حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني لمنصب رئيس الجمهورية لدورة ثانية، دعا قبل فترة إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يعني أنه هو الآخر يبدو جاهزاً، ولا مخاوف لديه مما يمكن أن تفرزه تلك الانتخابات. الأكراد لم يعلنوا موقفاً صريحاً حيال دعوة الكاظمي، لا مع ولا ضد، لكن القوى السياسية الشيعية أعلنت تأييدها إما بصورة عامة منسجمة مع دعوة الكاظمي، مثل تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، أو النصر بزعامة حيدر العبادي، وإما في صورة دعوة من كل من نوري المالكي (زعيم ائتلاف دولة القانون) وهادي العامري (زعيم تحالف الفتح) إلى إجراء الانتخابات خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل؛ أي قبل الموعد الذي حدده الكاظمي بشهرين.
وطبقاً لقانون الانتخابات الجديد، القائم على التصويت الفردي والدوائر المتعددة، فإن هناك مخاوف، وربما صراع، بين القوى المدنية التي قدمت آلاف الضحايا خلال الاحتجاجات وقوى الإسلام السياسي التي لا تريد للخريطة السياسية أن تتغير. وفيما يرى القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي أن «الانتخابات المقبلة عبارة عن صراع بين المحور الإيراني والمحور الرافض لنفوذه بمختلف توجهاته»، فإن السياسي المستقل الوزير السابق إبراهيم بحر العلوم، وهو أحد القيادات البارزة في البيت الشيعي، يأمل في أن «يكون للشباب المستقل دور أكبر في البرلمان المقبل». ومن جهته، يرى الدكتور منتصر العيداني، رئيس مركز حوكمة للسياسات العامة في العراق، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الانتخابات المبكرة تعبر عن استنفاد النظام السياسي في العراق لخياراته الأساسية، والعمل على انتشاله من دوامة الأزمات المستمرة».
ويضيف العيداني أنه «بعد أن فقد ثقة الجمهور بنسبة كبيرة، كما أظهرت المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2018، وهو ما عبرت عنه (انتفاضة تشرين)، ومطالبها في الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد عبر إجراء تغييرات هيكلية في النظام السياسي من خلال الانتخابات المبكرة، الأمر الذي لاقى قبولاً واسعاً على مختلف الأصعدة، وفي مقدمتها المنظمات الدولية والأمم المتحدة التي أيدت إجراء انتخابات مبكرة في العراق».
ويشير العيداني إلى أن «إجراء انتخابات نزيهة ذات مصداقية إنما يرتبط بجملة من المتطلبات على صعيد القانون الانتخابي والإدارة الانتخابية، وهي متطلبات تحقق جزء منها تحت الضغط الشعبي، وتأييد المرجعية الدينية وبعض الفاعلين السياسيين».
ويمضي العيداني قائلاً إن «بعض الحلقات ما زالت غير مكتملة، مثل تقسيم الدوائر الانتخابية التي لا تزال محل تجاذب بين القوى السياسية، فضلاً عن استقلالية ومهنية المفوضية الجديدة التي ما زالت موضع تشكيك بسبب التدخلات السياسية في تعيين مجلس المفوضين والدوائر المهمة فيها».
وبشأن تأثير الاحتجاجات على الخريطة السياسية، يقول العيداني إن «قوى الاحتجاج والحراك الجماهيري بشكل عام ما زالت تعاني من التشظي، وعدم وجود إطار سياسي يعبر عن مطالبها، ويضمن تنظيمها والتعبئة الشعبية للانتخابات»، مبيناً أن «قيام الكاظمي بتحديد موعد للانتخابات وضع القوى السياسية أمام استحقاق مفصلي يمثل فرصة أمام قوى الحراك الشعبي لتأمين بيئة انتخابية ملائمة، رغم أن الطريق أمام تلك الانتخابات ما زال مليئاً بكثير من العقبات».