عاد التوتر العسكري مجدداً، أمس، إلى خطوط القتال المتوقف في مدينة سرت الاستراتيجية في ليبيا، بين قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج الذي فتح أمس محوراً ثلاثياً جديداً في البحر المتوسط، ضم تركيا ومالطا.
واجتمع المشير حفتر، أمس، في مدينة بنغازي (شرق) مع ضباط غُرف العمليات، وعدد من القيادات وأمراء المناطق العسكرية بالجيش الوطني. وقال مكتبه في بيان مقتضب إن الاجتماع بحث آخر التطورات العسكرية، والوقوف على جاهزية كافة وحدات قوات الجيش.
في المقابل، وللمرة الأولى منذ نحو أسبوعين، قالت «عملية بركان الغضب» التي تشنها قوات الوفاق، مساء أول من أمس، إنها رصدت تحركات لعناصر «فاغنر» من الجفرة إلى سرت، الواقعة على بعد 450 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس، كانوا على متن 21 آلية، من بينها 4 ناقلات جنود وسيارتا ذخيرة.
وأعلنت غرفة «عمليات سرت والجفرة»، التابعة لحكومة الوفاق، أن قواتها واصلت تسيير دوريات حفظ الأمن بجنوبي أبوقرين والوشكة، ضمن مهامها المتمثلة في ملاحقة من وصفتهم بالعصابات الإجرامية المتسببة في زعزعة الأمن والاستقرار بالمنطقة. كما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر في منطقة الجفرة، أن مرتزقة «فاغنر» الروسية تحركت بصحبة مجموعات من الجيش نحو بوابة «الفات» الواقعة على بعد 65 كيلومتراً من طريق منطقة براك الشاطئ، مضيفاً أن رتلاً آخر لمرتزقة «فاغنر» أخلى مواقعه في منطقة ودان مساء أول من أمس متجهاً نحو سرت؛ وأن المنطقة تشهد تحركات عسكرية غير اعتيادية. بالإضافة إلى تسلل مجموعات مسلحة أخيراً إلى منطقة القريات، الواقعة على بعد 90 كيلومتراً شمال غربي الشويرف.
إلى ذلك، تصاعدت أمس حدة الخلافات بين السراج، ونائبه أحمد معيتيق الذي قال عنه في رسالة تم تسريبها من مكتبه إنه «لا يمتلك صفة رئيس مجلس الوزراء، وإنما رئيس المجلس الرئاسي للحكومة»، وفقاً لاتفاق الصخيرات المبرم في المغرب نهاية عام 2015.
وخاض معيتيق في رسالته جدلاً قانونياً حول الفارق بين المصطلحين، ليخلص إلى أن السراج لا يملك منفرداً سوى «اختصاصات محددة وحصرية»، وأنه لا يجب له الانفراد برئاسة المؤسسة الليبية للاستثمار التي دعا أعضاء المجلس الرئاسي للحكومة لحضور اجتماعات مجلس أمنائها. كما طلب معيتيق من مقرر هذا المجلس إبلاغه بموعد اجتماعه القادم، تنفيذاً لحقه الدستوري في الحضور.
من جهة ثانية، ورداً على وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي ادعى خلال لقائه السراج، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس أمس: «وجود عرض بتسليم مدينتي سرت والجفرة الخاضعتين لسيطرة الجيش الوطني إلى حكومة الوفاق»، قال مسؤول عسكري في الجيش الوطني إنه «لا وجود لأي خطة لانسحاب الجيش من المدينتين»؛ مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، بعد أن اشترط عدم تعريفه، أن «قواته ما زالت في مواقعها، ولا تعتزم بأي حال من الأحوال تسليم المدينتين إلى أي جهة»، معتبراً أن ما وصفها بــ«ادعاءات أوغلو الكاذبة» تندرج في إطار «حملات التضليل والمراوغة التي تمارسها بلاده بشكل مستمر».
بدوره، قال المشري إنه تم رصد أكثر من 110 طائرات شحن عسكرية داعمة للمرتزقة في سرت والجفرة خلال شهر واحد، مؤكداً أن ذلك «لن يثني قوات حكومة الوفاق عن الحسم العسكري في الوقت المناسب»، بدعم تركي.
من جانبه، أكد السراج لدى اجتماعه مع وزيري خارجية تركيا ومالطا «أهمية التنسيق بين الدول الثلاث في هذه المرحلة الدقيقة»؛ لافتاً إلى أن الاجتماع ناقش تطورات الوضع في ليبيا، وأهمية عودة المسار السياسي، بما يحقق الأمن والاستقرار في ليبيا، بالإضافة إلى عدد من ملفات التعاون بين الدول الثلاث في مجالات حيوية متعددة، ومساعدة ليبيا في إعادة الحياة إلى طبيعتها، وإيجاد حلول عاجلة لمشكلات قطاع الخدمات.
وقال السراج في بيان له، إن اللقاء بحث أيضاً إمكانية تشغيل رحلات جوية تجارية مجدولة بين الدول الثلاث؛ موضحاً أن الوزيرين نقلا له تحيات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس وزراء مالطا روبيرت آبيلا، وعبرا عن موقف بلديهما الداعم للحكومة الشرعية، وحرصهما على استقرار ليبيا، وتوفير كل ما يلزم لاجتياز الأزمة الراهنة. وفيما يتعلق بعملية «إيريني» الأوروبية لتطبيق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، أشار السراج إلى أنه جرى التأكيد على ضرورة أن تكون العملية متكاملة براً وجواً وبحراً، معتبراً أن عمليات نقل المرتزقة وشحن الأسلحة للطرف المعتدي، عن طريق الجو، لم تتوقف.
وبحسب السراج فقد أبدت تركيا ومالطا استعدادهما لتوفير احتياجات خفر السواحل الليبي. كما أكد الاجتماع على ضرورة مساهمة الاتحاد الأوروبي بفعالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والعمل على معالجة جذور المشكلة بتوجيه الاستثمارات إلى دول المصدر.