غداة توقيع مصر واليونان على اتفاقية حول تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين في شرق البحر المتوسط، وهي منطقة تضم احتياطات واعدة للنفط والغاز، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده «استأنفت عمليات التنقيب عن موارد النفط والغاز في شرق البحر المتوسط»، مما أثار حالة من الغضب والرفض في مصر، ولدى الحكومة الليبية وبرلمان طبرق (شرق البلاد). وعقب أدائه صلاة الجمعة في مسجد آيا صوفيا، أمس، قال إردوغان: «استأنفنا عمليات التنقيب، وأرسلنا من جديد بهذا الهدف (سفينة المسح الزلزالي) بارباروس خير الدين في مهمة».
ووصف سياسيون ليبيون بشرق البلاد هذه الخطوة بـ«الاستفزازية»، وطالبوا بضرورة التحرك السريع في وجه المساعي التركية للتنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط، مشيرين إلى أن حكومة «الوفاق» «لا تمثل الشعب الليبي، ولا يحق لها التوقيع أو التفريط في ثروات البلاد».
ورأى عضو مجلس النواب الليبي سعيد امغيب أن اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية التي تم توقيعها بين مصر واليونان «حدث مهم، وخطوة جادة تثبت مضي الدولتين قدماً في سياسة كبح جماح إردوغان، وتحطيم آماله في السيطرة على ثروات البحر المتوسط»، وأكد أنها تحسم بشكل قاطع الجدل القائم حول قانونية توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين حكومة «الوفاق» والحكومة التركية.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال، في المؤتمر الصحافي مع نظيره اليوناني، أول من أمس، إن الاتفاق بين البلدين «يتيح لكل منهما المضي قدماً في تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، خاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة».
وتطرق الوزير اليوناني، نيكوس دندياس، للاتفاقية الموقعة بين حكومة «الوفاق» الليبية برئاسة فائز السراج وتركيا، قائلاً إنها «غير قانونية، وتخالف القانون الدولي»، مشيراً إلى أن بلاده تواجه التحديات كافة في المنطقة، بالتعاون مع الدولة المصرية.
ومن جهته، رأى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن «الخلاف هو تركي – يوناني بالأساس، وأنقرة صعدت من تحركها لأنه كان من المتوقع أن تكون هناك مفاوضات بين تركيا واليونان في إطار أوروبي، لكن عندما تعثرت، وتم توقيع الاتفاق بين القاهرة واليونان، حاولت تركيا التصعيد».
وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف التركي لا يحمل أي جديد»، مشيراً إلى أن «التطور الرئيسي في تصريحات تركيا أنها تحمل تجاوزاً، وإعلان بدأ التنقيب يعد تصعيداً من جانب تركيا».
وأبدى النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) «رفضه لما أعلنه الرئيس التركي، أمس، من استئناف عمليات التنقيب في (المتوسط)»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنها «خطوة تصعيدية جديدة من الجانب التركي، وهي محاولة في إطار محاولات تركيا (المستفزة) خلال الفترة الأخيرة».
وقال الناشط السياسي الليبي يعرب البركي، إن إردوغان سيواجه صعوبات مستقبلية لأن «التصعيد الدعائي الذي يقوم به سيقابله انهيار في الليرة، وصعوبات في الاقتصاد التركي المتعثر جداً».
وأضاف البركي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الرئيس التركي ليس أمامه إلا خياران: الأول يعد آمناً لصالح الجميع، ويتمثل في تخليه عن أوهام الإمبراطورية السلجوقية، ويذهب للتسوية مع كل الدول التي أثار فيها الشغب، ويقبل بوضع مستقر للمنطقة ولبلاده»، و«الخيار الثاني، وهو الأصعب، ويتمثل في توجه إردوغان إلى حرب كبرى في ليبيا، ليكون قادراً على تأمين اتفاقه البحري، والأهم الوصول للهلال النفطي في ليبيا، ليتحصل على الأموال الطازجة ليعيد إحياء اقتصاده الذي يمر بأسوأ ظروفه منذ عقود».
وكانت تركيا قد علقت أعمال التنقيب في المنطقة الأسبوع الماضي للشروع في مفاوضات مع اليونان بهذا الشأن، إلا أن إردوغان عاد وأعلن، أمس، أنها (اليونان) لم تلتزم بتعهداتها المتعلقة بالتنقيب عن موارد الطاقة في المنطقة.
ويأتي هذا في وقت أعربت فيه مصر عن استغرابها لما صدر من الخارجية التركية، تعليقاً على اتفاق ترسيم الحدود بين القاهرة وأثينا. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أحمد حافظ، في تدوينة عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»: «بالنسبة لما صدر عن الخارجية التركية بشأن الاتفاق الذي جرى توقيعه أول من أمس، لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان، فإنه لمن المستغرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطلع أصلاً على الاتفاق وتفاصيله».
وفي السياق ذاته، أعرب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عن ترحيبه بالاتفاقية التي وقعت بين مصر واليونان، وعدها «انتصاراً للقانون الدولي على قانون الغاب».
وقال قرقاش، في تغريدة على «تويتر»، أمس، إن «النظام القانوني الدولي هو الأساس الراسخ الذي يدير العلاقات بين الدول، ويحفظ الأمن والسلام، ولا يجوز للأمم المتحضرة أن تشرعن التغول السياسي على حساب الأسس التي تحكم العلاقات الدولية».
وكانت تركيا وحكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً في ليبيا قد وقعتا، العام الماضي، اتفاقاً مشابهاً لرسم الحدود البحرية في المنطقة.
من جهته اعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن الاتفاقية المصرية اليونانية حول ترسيم الحدود البحرية «لا قيمة لها» و«باطلة»؛ مؤكداً أن بلاده ستستأنف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، والتي قال إنها «تم وقفها في وقت سابق بناء على طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لإفساح المجال للمباحثات مع أثينا؛ لكن اليونان لم تلتزم بتعهداتها، ولذلك أرسلنا سفينة للتنقيب عن الغاز».
وأضاف إردوغان: «لسنا بحاجة للتباحث مع من ليست لديهم أي حقوق في منطقة الصلاحية البحرية» في إشارة إلى اليونان. وأكد أن بلاده ستواصل الالتزام بمذكرات التفاهم الموقعة مع ليبيا «بحزم كبير». وزعم إردوغان أن اليونان لا تمتلك حدوداً بحرية مع مصر، وأن اليونان أيضاً بطبيعة الحال لا تمتلك حدوداً بحرية مع ليبيا، ولا يحق لها توقيع أي اتفاقية مع مصر أو ليبيا، قائلاً: «لا قيمة للاتفاق المبرم بين مصر واليونان، إذ ليس لدى اليونان حدود بحرية مع ليبيا، وماذا تفعل هناك؟ وهل لمصر أي علاقة؟ ليست لها علاقة».
كانت تركيا قد وقَّعت مع حكومة السراج مذكرة تفاهم لتحديد مناطق الصلاحية في البحر المتوسط في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم التباعد الجغرافي بين البلدين، وعدم وجود حدود بحرية مشتركة.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن تركيا ستواصل حماية مصالحها في شرق البحر المتوسط إلى الأبد. وقال على «تويتر»، عقب لقائه في مالطا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ليل الخميس – الجمعة، إن «علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي يجب ألا تكون رهينة من قبل بعض الدول الأعضاء، ويجب على الاتحاد الوفاء بوعوده بشأن الهجرة».
واعتبر أن الاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان غير قانونية، وستلحق الضرر بالمنطقة وبالاتحاد الأوروبي.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية التركية رفضها للاتفاقية، قائلة إنها «باطلة» بالنسبة لتركيا، وإن أنقرة لن تسمح بأي أنشطة ضمن المنطقة المذكورة، وستواصل «بلا شك» الدفاع عما سمتها «الحقوق المشروعة لتركيا وللقبارصة الأتراك في شرق المتوسط». وأشار البيان إلى أن المنطقة التي تم ترسيمها تقع ضمن ما تسميه تركيا «الجرف القاري» لها الذي تم إبلاغ الأمم المتحدة به، معتبراً أن الاتفاقية محاولة لاغتصاب حقوق ليبيا.
وأعربت وزارة الخارجية المصرية عن استغرابها من التصريحات التي صدرت عن الخارجية التركية، قائلة: «إنه لمن المستغرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطَّلع أصلاً على الاتفاقية وتفاصيلها».
وفي تعليق على التصريحات التركية، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، في تصريحات أمس، إن تركيا تفتعل الأزمات، ويتضح ذلك من خلال تصريحاتها بعد إعلان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع مصر، مضيفاً: «إننا نستغرب رد فعل تركيا على الاتفاق مع مصر الذي يهدف إلى استقرار المنطقة».
وأعلن رئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميتسوتاكيس، عزم بلاده اللجوء إلى محكمة العدل الدولية إذا عجزت عن التوصل إلى اتفاق مع تركيا، لتسوية خلافاتهما في منطقة البحر المتوسط.
ونقل موقع «جريك سيتي تايمز» عن ميتسوتاكيس أن بلاده أكدت بكل وضوح أنها «لن تقبل بتنفيذ تركيا أي بحوث سيزمية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان»، وأنه يرى «مؤشراً إيجابياً» في عدم وصول أي سفينة تركية بعد إلى المنطقة؛ مشيراً إلى أن مسألة المناطق الاقتصادية الخالصة تشكل جوهر المشاورات بين الطرفين.
في سياق متصل، بدأت مالطا تحركات، عبر وساطة تركية، لإبرام اتفاق بحري مماثل للذي وقعته تركيا مع حكومة الوفاق في نوفمبر 2019. ويجري ما يعرف بمجلس النواب في طرابلس، برئاسة حمودة سيالة، استعدادات للمصادقة على الاتفاقية بدعوى منحها الشرعية اللازمة. وتكررت الزيارات واللقاءات بين مسؤولين من مالطا وآخرين في حكومة الوفاق، بحضور مسؤولين أتراك، في أنقرة وطرابلس خلال الفترة الأخيرة، آخرها زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره المالطي إيفريست بارتولو إلى طرابلس أول من أمس؛ حيث التقيا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ووزير خارجيته محمد سيالة، وعدداً آخر من المسؤولين في حكومة الوفاق.
وسبق ذلك اجتماع لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير داخلية «الوفاق» فتحي باشاغا، ونظيره المالطي بويرون كاميلاري، في أنقرة في 20 يوليو (تموز) الماضي في إطار المساعي نفسها، وقبله في 6 يونيو (حزيران) أنهى أكار زيارته إلى طرابلس بالتوجه إلى مالطا التي توجه إليها أيضاً جاويش أوغلو أول من أمس، عقب زيارته لطرابلس. وأعلنت مالطا بالتوافق مع تركيا رفضها لعملية «إيريني» الأوروبية للتفتيش على دخول الأسلحة إلى ليبيا، والتي انسحبت منها.
ويرى مراقبون أن تركيا تسعى من خلال التنسيق مع مالطا إلى كسب صوت مؤيد لتحركاتها في شرق المتوسط وليبيا داخل الاتحاد الأوروبي.