«خير البر عاجله».. هكذا يمكن تلخيص المقاربة الفرنسية للطريقة التي يتعين بها مساعدة لبنان في مواجهة تبعات الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، وخلف ضحايا ودماراً لا يوصفان. وتمثلت الخطوة الفرنسية الأولى بالزيارة التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت في اليوم الثاني للمأساة، فيما الخطوة الثانية، وهي الأهم، ستحصل اليوم، من خلال التئام المؤتمر الخاص بمساعدة لبنان، بالتشارك بين فرنسا والأمم المتحدة، الذي من المتوقع منه أن يوفر للبنان مساعدات تتناسب مع حجم الخسائر والدمار.
يضاف إلى ما سبق عنصر ثالث، وهو أن باريس استفادت من التعاطف مع لبنان، وفعلت اتصالاتها أوروبياً وأميركياً وخليجياً وعالمياً، ولدى المؤسسات المالية، لحشد التأييد. وسبق للرئيس الفرنسي أن شدد في بيروت على عزمه «قيادة» الجهود الدولية لمد يد العون للبنان. وأول من أمس، وجهت فرنسا والأمم المتحدة رسائل الدعوة لعدد من القادة والمؤسسات عبر العالم للمشاركة في المؤتمر «عن بعد» الذي تم الإعداد له وتنظيمه بسرعة فائقة، بحيث ينطلق اليوم الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت العاصمة الفرنسية. وحصل نوع من التشويش لجهة موعد المؤتمر بسبب المهل القصيرة، إلا أن الرغبة في الإسراع من أجل مواجهة الاستحقاقات الفورية الملحة تغلبت على الحاجة للوقت الضروري من أجل الإعداد الجيد والتحضير وحصر الاحتياجات اللبنانية بدقة وشمولية.
وتحمل رسالة الدعوة بعض الأجوبة عن التساؤلات المطروحة حول ما يمكن أن يتمخض عنه المؤتمر. فهي من جانب تعد أنه «يجب تغطية 4 أولويات رئيسية: دعم النظام الصحي، والنظام التعليمي، وإعادة تأهيل المباني المتضررة من الانفجار، والمساعدات الغذائية». وبحسب الإليزيه، فإن المؤتمر يهدف إلى توفير الوسائل من أجل إعادة بناء البيوت التي تهدمت في بيروت، والمدارس والمستشفيات، وتوفير التجهيزات الطبية والمساعدات الغذائية.
ومن جانب آخر، تدعو إلى التأكد من أنها «كافية، وتتفق مع احتياجات الشعب اللبناني، ومنسقة بشكل جيد تحت قيادة الأمم المتحدة». وتحمل العبارة الأخيرة أكثر من معنى، وهي ترجمة للجملة التي رددها ماكرون في بيروت، وفيها أن «المساعدات لن تقع في أيد فاسدة»، ما يعكس المخاوف الدولية، وعلى رأسها الفرنسية، من أن تستخدم المساعدات في غير محلها. وما زال السؤال قائماً حول الجهات التي ستتولى توزيع المساعدات العينية، وكيفية الصرف والإشراف على المساعدات المالية.
وقدر وزير المال اللبناني، غازي وزني، أمس، حاجة لبنان، إلى جانب المساعدات العينية من قمح وطحين وحليب وأدوية ومواد بناء وألواح زجاج وألومينيوم، بمبالغ تتراوح بين 5 و7 مليارات دولار. وثمة تقديرات تعد أن الأضرار المادية فاقت الـ15 مليار دولار. ومن هنا، فإن المؤتمرين سيكونون اليوم بحاجة إلى أرقام لبنانية يمكن الركون إليها، ولا تستعيد الجدل بشأن تقدير الخسائر المالية والقطاع المصرفي التي جعلت صندوق النقد الدولي يجمد التفاوض مع الطرف اللبناني أكثر من مرة.
الجديد في مؤتمر اليوم أنه يميز بين احتياج لبنان لمساعدات كبيرة عاجلة من جهة، وبين حاجته لخطة واسعة متكاملة لإخراجه من أوضاعه المالية والاقتصادية المهترئة التي أنزلت مئات الآلاف إلى الشوارع. ولذا، فإن نص الدعوة بالغ الوضوح، إذ جاء فيه ما يلي: «لكن الدعم المتعلق بالمساعدات الطارئة والإنقاذية يجب أن يبقى متميزاً عن التعافي الاقتصادي والمالي للبنان الذي سيتطلب تنفيذ الإصلاحات المتوقعة من قبل الشعب اللبناني، ومن قبل المجتمع الدولي، كما تم التعبير عنها خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية الذي عقد في باريس في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2018».
وواضح أن «الرسالة» موجهة بالدرجة الأولى، كما تقول مصادر دبلوماسية في باريس، إلى المسؤولين اللبنانيين لكي «لا يعدوا أن اهتمام العالم بمساعدة لبنان يعفيهم من أي مسؤولية أو يعيد تأهيلهم». وتذكر هذه الأوساط أن لبنان التزم منذ انعقاد مؤتمر «سيدر» في ربيع عام 2018 بالقيام بمجموعة من الإصلاحات الأساسية شرطاً للاستفادة من مبلغ 11 مليار دولار من القروض والمساعدات، إلا أن إخفاقه في تنفيذ التزاماته المكتوبة تجعل المانحين بالغي التشكك بالوعود اللبنانية. ومن هنا، تشديد باريس على الفصل بين المساعدات الطارئة والإنسانية، وبين «خطة التعافي»، وقد توكأت على هذا الفصل لإزالة تحفظات عدد من الأطراف إزاء لبنان، وأولها الولايات المتحدة الأميركية، بسبب دور «حزب الله»، وعدها أنه يسيطر على الحكومة اللبنانية.
ولذا، فإن باريس تعد مشاركة الرئيس دونالد ترمب شخصياً في المؤتمر الافتراضي نجاحاً لدبلوماسيتها. وأمس، حصل اتصال هاتفي بين ماكرون وترمب تركز حول المؤتمر. وأفادت مصادر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي أبلغ نظيره الأميركي بأن سياسات الضغط الأميركية يمكن أن يكون المستفيد منها «حزب الله»، وبالتالي لا يتعين ترك لبنان لمصيره.
ونفى الإليزيه المعلومات التي أشيعت في بيروت حول لقاء جانبي حصل بين ماكرون ومحمد رعد، رئيس مجموعة «حزب الله» في البرلمان اللبناني، مضيفة أن لهجة ماكرون إزاءه كانت «متشددة». وثمة من يرى أن اتصال ترمب بالرئيس اللبناني، أمس، قد يكون تأثراً بالجهود والحجج الفرنسية.
وبحسب الإليزيه، فإن الجهات المشاركة في المؤتمر، إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة ولبنان، هي الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وروسيا والصين وألمانيا وإيطاليا. أما عربياً، فسوف تحضر مصر والأردن، فيما وجهت دعوات إلى المملكة السعودية ودولة الإمارات والكويت وقطر، التي أكد الإليزيه أنه «لا شك لدينا في أنهم سوف يمثلون» في المؤتمر.
وبخصوص إيران، فقد أفادت المصادر أن طهران «لم تبد نية للمشاركة». أما بالنسبة لرغبة إسرائيل، فقد قالت مصادر الإليزيه إن الأخيرة «تواصلت مع الأمم المتحدة، لكن يتعين أخذ الحساسية اللبنانية بعين الاعتبار».
أما في موضوع التفجير نفسه، فإن باريس تعد أن هناك «أدلة كافية تبين أن الانفجار كان عرضياً».