كانت سلة الأزمات المعيشية التي يعاني منها السوريون تفتقر لأزمة توفر الأكسجين اللازم لإنقاذ حياة مصابين بوباء كورونا المستجد. ومع تفجر أرقام المصابين بعيداً عن العداد الرسمي، اكتملت «مجموعة الأزمات المعيشية السورية» حسب تعبير أحد الدمشقيين الذي أضناه توفير الأكسجين لوالده المسن. وقال: «كنا نقول لم يتبق سوى الهواء الذي نتنفّسه، لم يُحتكر ويباع في السوق السوداء لندفع ثمنه مضاعفاً لتجار الأزمات وأمراء الحرب. أما الآن، وبعد انتشار الوباء، بتنا ندفع ثمن الأكسجين أضعافاً مضاعفة».
يستخدم السوريون أسطوانات الأكسجين بأحجام مختلفة لإسعاف الذين يعانون من ضيق تنفس جراء الإصابة بوباء كورونا المستجد، وذلك بسبب النقص الشديد في أجهزة التنفس الصناعي بالمستشفيات. ومع ارتفاع أعداد المصابين، ارتفع سعر أسطوانات الأكسجين بشكل كبير ليتجاوز سعرها 700 ألف ليرة، بعد أن كان يتراوح بين 25 إلى 50 ألف ليرة سورية، وسط توقعات بوصول سعر أسطوانة الأكسجين إلى مليون ليرة (الدولار الأميركي الواحد يعادل 2200 ليرة).
وربط أحد العاملين في مراكز بيع وتعبئة أسطوانات الأكسجين في دمشق بين أزمة توفر أسطوانات الأكسجين والانفجارالذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب). وقال، وفق صحيفة تشرين المحلية، إن «أسطوانات الأكسجين المباعة مستوردة من الصين وتقتصر تعبئتها محلياً بالأكسجين، والانفجارالذي وقع في مرفأ بيروت أخّر وصول كميات مستوردة من الصين، ما سبّب شبه نفاد في الأسطوانات المتوفرة في السوق، وجعل أغلب التجار يستغلون ذلك لرفع أسعارهم»!
من جهته، يسعى فريق «عقمها» التطوعي الذي تشكل من مجموعة شباب لمساعدة المصابين بوباء كورونا المستجد، لتأمين أسطوانات الأكسجين للحالات الإسعافية بأسعار مخفضة لمن يستطيع سداد قيمتها أو مجاناً من خلال التبرعات؛ حيث يقومون بإعارة أو تأجير الأسطوانات وأجهزة التنفس للمرضى، كما يتطوعون لتجميع الأسطوانات الفارغة وإعادة تعبئتها من معمل أكسجين «النبك» بهامش ربح ضئيل قياساً إلى أسعار السوق، والتي بلغت مستويات قياسية وغير مسبوقة.
وكان معمل النبك للأكسجين قد أعلن في وقت سابق أن مراكزه مخصصة فقط لتعبئة أسطوانات الأكسجين للمرضى، وسعر تعبئة الأسطوانة من قياس كبير (40 لتراً) يبلغ 2500 ليرة سورية، أي ما يقارب دولاراً أميركياً واحداً. فيما تكلف تعبئة الأسطوانة من قياس وسط (20 لتراً) 1500 ليرة سورية، وتعبئة الأسطوانة من قياس صغير (10 لترات) 1000 ليرة سورية. واعتذر المعمل عن بيع الأسطوانات والأجهزة، ونبّه إلى أنه غير مسؤول عن أي أسعار يتم تداولها أمام المراكز.
من جانبها، أكّدت سيدة دمشقية أنها بعد بحث مضني في العاصمة عن أسطوانة الأكسجين عثرت عليها في مستودع قريب من مشفى المواساة، ودفعت ثمنها 75 ألف ليرة سورية، أي أضعاف سعرها الحقيقي، فيما قال رجل آخر إن ابنة لجيرانه شابة توفيت بـ«كورونا» وهي تنتظر عثور عائلتها على أسطوانة أكسجين، على حد قوله. وعائلة أخرى اضطرت إلى بيع مدخراتها من الذهب لتسديد أجور غرفة العناية المركزة في أحد المشافي الخاصة، إذ بلغ أجر الليلة الواحدة مليون ليرة، وأجر استخدام جهاز التنفس كل مرة 5 آلاف ليرة.
وكان الممثل السوري أحمد رافع الذي شفي من إصابته بفيروس كورونا قد كشف في تسجيل صوتي له عن الواقع الكارثي الذي تشهده المشافي في البلاد، من جهة عدم توفر الأكسجين والأدوية العلاجية، وإهمال المرضى والخوف من العناية بهم. وقال إن «عدد الإصابات كبير جداً وحالات الوفاة بالعشرات يومياً»، وأكد أن «المرضى في أقسام الإسعاف والمشافي على الأرض بوضع سيئ». ومن واقع تجربته في مشفى الأسد الجامعي، قال إن «الوضع الصحي في مشفى الأسد الجامعي سيئ جداً، وأعداد المصابين بـ(كورونا) بالآلاف، وعشرات الوفيات يومياً؛ حيث لا يتوفر الأكسجين لكثير من المصابين المرميين على الأرض الذين ينازعون الموت بلا أكسجين حتى لا عناية طبية». وأكد أنه خلال انتظاره في المشفى، شهد مرور «60 حالة وفاة بفيروس كورونا في يوم واحد».
في المقابل، تواصل وزارة الصحة تسجيل أرقامها الخجولة حول أعداد الإصابات والوفيات. وفي آخر إحصائياتها قبل يومين، سجلت 65 إصابة جديدة ما يرفع عدد الإصابات المسجلة في البلاد إلى 1125، ووفاة حالتين من الإصابات المسجلة، ما يرفع عدد الوفيات بالفيروس إلى 50. وشفاء 20 حالة من الإصابات المسجلة بفيروس كورونا، ليرتفع عدد المتعافين من الفيروس إلى 331.
وأكّدت نسرين زريق، وهي باحثة اقتصادية، في تصريح عبر إذاعة محلية، «انهيار النظام الصحي في دمشق» في ظل حالة من الإهمال والفساد. وكشفت عن أن تكلفة جهاز التنفس تتراوح من 500 إلى 750 ألف ليرة يومياً بالمشافي الخاصة، التي «تحتاج إلى واسطة» لاستقبال مصابي «كورونا المستجد»، مشيرة إلى أزمة توفر الأكسجين.