رفضت الأمم المتحدة تسييس الجماعة الحوثية لملف ناقلة النفط «صافر» المهددة بالانفجار، وحضت على سرعة منح التصاريح اللازمة لدخول الفريق الفني الأممي لمعاينة وضع الناقلة العائمة في ميناء رأس عيسى (شمال مدينة الحديدة)، وإجراء الصيانة الأولية.
وجاءت التصريحات الأممية في بيان للأمين العام للمنظمة، وفي تعليقات من مكتب المتحدث باسمه، وذلك عقب رفض الجماعة الحوثية منح تصاريح الدخول للفريق الأممي، ومحاولة تسييس هذا الملف، رغم المخاطر المتصاعدة جراء التباطؤ في عملية الصيانة والإصلاح.
وعبر الأمين العام للأمم المتحدة -بحسب البيان المنشور على الموقع الخاص بالمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث- عن قلقه الشديد حول حالة الناقلة العائمة التي لم تتلقَّ أي صيانة تذكر منذ عام 2015، وقال إن ذلك «يعرض الخزان لخطر وقوع تسرب نفطي هائل، أو خطر الانفجار أو الحريق، وسيؤدي تحقق أي من تلك المخاطر إلى عواقب بيئية وإنسانية كارثية بالنسبة لليمن والمنطقة».
وأضاف: «بشكل خاص، فإن تسرب النفط الذي يحمله الخزان إلى البحر الأحمر سيلحق الضرر بالمنظومات البيئية للبحر الأحمر التي يعتمد عليها 30 مليون شخص في المنطقة، كما سيؤدي لإغلاق ميناء الحديدة لعدة أشهر، مما سيفاقم من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها اليمن، كما سيحرم ملايين اليمنيين من قدرتهم على الوصول للغذاء، وغيره من السلع الأساسية».
وحضَّ الأمين العام للأمم المتحدة على «إزالة أي عوائق تعترض الجهود المطلوبة لتجنب التهديد الذي يمثله خزان صافر العائم، دون تأخير»، ودعا على وجه التحديد إلى «تمكين فريق من الخبراء الفنيين المستقلين من الوصول للخزان دون شروط مسبقة لتقييم حالة الخزان، وعمل أي إصلاحات أولية ممكنة»، مشيراً إلى أن هذا التقييم الفني سيوفر «أدلة علمية مهمة لتحديد الخطوات المقبلة من أجل تجنب الكارثة».
إلى ذلك، أكدت الأمم المتحدة، في تصريحات للمتحدث باسم الأمين العام «الضرورة العاجلة لحل مشكلة الخطر الذي تمثله ناقلة النفط المتهالكة (صافر)»، وقالت إن الخزان العائم «يشهد حالة من التدهور في هيكله ومعداته ومنظومات تشغيله، مما يجعله عرضة لخطر التسرب النفطي أو الانفجار أو الحريق».
وأشارت التصريحات الأممية إلى تسرب المياه إلى غرفة المحركات في 27 مايو (أيار) الماضي، وهو ما يهدد بزعزعة استقرار الخزان، واحتمال غرقه بالكامل، وتسرب كل ما يحمله من نفط إلى البحر.
وذكر البيان الأممي أنه تم احتواء التسريب آنذاك عن طريق إصلاح مؤقت، إلا أنه من غير المحتمل أن يصمد هذا الحل لمدة طويلة، مؤكداً أنه «إذا ما وقع التسرب النفطي، فستكون له آثار بيئية كارثية، وتبعات إنسانية خطيرة، تتضمن القضاء على سبل كسب الرزق، وإغلاق ميناء الحديدة الذي يعد شريان حياة لملايين من أبناء الشعب اليمني الذين يعتمدون على الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية».
وقال: «دقت حادثتا الانفجار في بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، والتسرب النفطي الخطير الذي حدث مؤخراً في موريشيوس، ناقوس الخطر لينتبه العالم لضرورة التيقظ، والعمل بشكل عاجل لمنع وقوع خسائر الأرواح وسبل كسب الرزق، ما دام يمكن تجنب ذلك. وحتى الآن، لا يزال وضع خزان صافر مأساة يمكن تفاديها، إلا أن ذلك لن يستمر طويلاً. فإذا تسرب النفط من الخزان، أو انفجرت حمولته، أو تعرض للحريق، فستعوق محدودية توافر المعدات الخاصة والكوادر الفنية المتخصصة القدرة على الاستجابة الفعالة، خاصة في ظل استمرار النزاع».
وتابع المتحدث باسم مكتب الأمين العام قائلاً: «استجابة لمطالب أطراف النزاع في اليمن، تبقى الأمم المتحدة جاهزة راغبة في المساعدة على التعامل مع خزان صافر العائم، على أساس أولويتين اثنتين، هما: إجراء تقييم فني لتوفير البيانات المطلوبة لتحديد الإجراء الأكثر ملاءمة من أجل تحييد الخطر الذي تمثله الناقلة، وإجراء أي إصلاحات يمكن تنفيذها في أثناء بعثة التقييم، إن أمكن».
وأوضح أن «بعثة التقييم الفنية على أهبة الاستعداد للانتشار إلى الخزان، وهي بانتظار تصاريح الدخول اللازمة من حركة الحوثيين التي تسيطر على المنطقة التي يرسو فيها خزان صافر العائم».
وذكر مكتب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بالدراسات التي أجراها خبراء مستقلون، والتي أشارت إلى أن تحقق خطر التسرب النفطي قد يدمر المنظومات البيئية في البحر الأحمر التي يعتمد عليها قرابة 30 مليون شخص، بمن فيهم مليون و600 ألف يمني.
وبين البيان الأممي أن حدوث تسرب نفطي قد يؤدي إلى إغلاق ميناء الحديدة الحيوي لقرابة 6 أشهر، مما سيؤدي بدوره -طبقاً لتقدير الخبراء- إلى ارتفاع في أسعار الوقود في اليمن بنسبة 200 في المائة، يستمر لعدة أشهر، وإلى مضاعفة أسعار الغذاء، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين، مع تجدد احتمالات حدوث مجاعة بالفعل، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اليمن.
وقدرت التصريحات الأممية الخسائر المترتبة على تسرب النفط المحتمل بـ1.5 مليار دولار على مدار خمسة وعشرين عاماً. أما إذا اشتعلت النيران على خزان صافر العائم لأي سبب كان، فسوف يتعرض أكثر من 8.4 مليون شخص لمستويات مرتفعة من المواد الملوثة.
وأكد البيان الأممي أن الحكومة اليمنية والحوثيين تواصلوا مع الأمم المتحدة لتوفير الدعم في حل مشكلة خزان صافر العائم للمرة الأولى في بداية عام 2018، إلا أن تصعيد العمليات العسكرية على الساحل اليمني الغربي خلال عام 2018 جعل الوصول إلى الخزان مستحيلاً. ومع توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي تضمنت وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، تجددت إمكانية الوصول الآمن إلى الخزان.
وفي عام 2019، وافق الطرفان -بحسب البيان الأممي- على نشر فريق فني من الأمم المتحدة لتقييم الأضرار التي لحقت بالخزان، وإجراء أي إصلاحات فورية ممكنة. ومنحت سلطات الأمر الواقع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون خبراء البعثة تأشيرات الدخول للقدوم إلى الحديدة، إلا أنها لم توفر التصريحات النهائية الضرورية للوصول إلى الخزان عن طريق البحر، كما حددت مطالب عدة (بما فيها مطالبات لا تتعلق بخزان صافر) أدت في النهاية إلى إلغاء البعثة. ومنذ ذلك الوقت، حاولت الأمم المتحدة عدة مرات الحصول على التصريحات المطلوبة لنشر فريق الخبراء.
وعن طبيعة مهمة فريق المعاينة والصيانة، أشار البيان إلى أن الهدف من وصولهم «هو تقييم وضع الخزان، وإجراء الإصلاحات الأولية الممكن تنفيذها في أثناء بعثة التقييم، ووضع التوصيات الضرورية بشأن الإجراءات المطلوبة مستقبلاً بشكل عاجل. واتخاذ قرار بشأن ما هو ممكن من إصلاحات، والمعدات والموارد المطلوبة لإجراء تلك الإصلاحات، إن كانت ممكنة».
ونفت الأمم المتحدة وجود أي أحكام مسبقة لديها حول مخرجات بعثة التقييم، مشيرة إلى أنها ستدعم أي خيار يقود إلى حل آمن، يضمن السلامة ويحافظ على البيئة.
وشددت التصريحات الأممية على أنه «لن يكون من الممكن التخطيط لحل مستدام وتنفيذه دون تقييم يجريه الخبراء المستقلون للأضرار»، وأنه «لا يمكن إجراء التقييم إذا لم يُمنَح الخبراء تأشيرات الدخول والتصاريح اللازمة للانتشار إلى الخزان».
ورفض البيان مساعي الجماعة الحوثية لتسييس ملف الخزان، وقال: «لا ينبغي تسييس مسألة تجنب هذه الكارثة، فهي تمس حياة البشر ومستقبلهم. والشعب اليمني يعيش اليوم الأمرين، حيث يعاني من حرب واقتصادٍ متهاوٍ وأمراض متفشية وانهيار للمؤسسات العامة وتهالك للبنية التحتية والجوع والمستقبل المجهول. إلا أن مشكلة خزان صافر العائم قابلة للحل، ولا ينبغي أن تتحول إلى عبء جديد يضاف إلى أعباء اليمنيين الأخرى».