ضربت موجة أخرى من الانتهاكات الحوثية في اليمن حريات السكان في مناطق سيطرتها؛ إذ أقدمت مجدداً في الأيام الماضية على تنفيذ حملات مسلحة استهدفت صالات الأفراح والمقاهي في صنعاء بذريعة أنها أماكن تتيح الاختلاط بين الذكور والإناث، وتساهم في تأخير «النصر الإلهي» المزعوم للجماعة الانقلابية.
وفي الوقت الذي أعاد سلوك الجماعة الحوثية إلى الأذهان ما تقوم به التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» من قمع للحريات الشخصية، أفادت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن مسلحي الجماعة شنّوا أخيراً حملات منعوا خلالها دخول الشبان والناشطين إلى المقاهي والمتنزهات بحجة منع الاختلاط بين الذكور والإناث.
وأجبر مسلحو الميليشيات الحوثية – بحسب المصادر – مُلاك المقاهي في صنعاء على كتابة إعلانات أمام بوابات استراحاتهم تقضي بمنع دخول الرجال والشبان والناشطين إلى الكافيهات العائلية، واقتصارها على النساء فقط، في تصرف وصف بالسلوك المشابه لأعمال تنظيم «داعش» الإرهابي.
وأسفرت الحملة الحوثية خلال الأيام الماضية عن إغلاق عشرات المقاهي والاستراحات في العاصمة، في حين طالب مسلحوها المُلاك بدفع إتاوات مالية نظير السماح لهم بالعودة إلى العمل شريطة الالتزام بمنع الاختلاط، وفق ما أكدته المصادر لـ«الشرق الأوسط».
وفي السياق نفسه، تحدثت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إصدار ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى التابع للجماعة (مجلس حكم الانقلاب) توجيهات إلى قيادات المديريات والسلطة المحلية في العاصمة تقضي بمنع استقبال الزبائن من الرجال وفئة الشبان في المقاهي والاستراحات، وجعلها فقط مقصورة على النساء.
في غضون ذلك، أفاد عاملون في مقاهي صنعاء بأن المجلس المحلي الخاضع لسيطرة الميليشيات بأمانة صنعاء وجّه عقب توجيهات قادة الجماعة، مُلاك المقاهي العاملة في نطاق العاصمة بمنع استقبال أي زبائن من الشباب بشكل نهائي، واقتصار الأمر على النساء والعائلات.
وأكد بعض العاملين في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن من بين الكافيهات والاستراحات التي طالتها مؤخراً آلة القمع والتعسف الحوثية في شوارع متفرقة من صنعاء، (مقهي بالم، وكوفي كورنر، مون كفي، وأوفيليا كوفي النسائي، وكريت هاوت وغيرها».
وقال العاملون، إن مسلحي الجماعة برروا ممارساتهم الإرهابية تلك بأنها تأتي للقضاء على السلوك المخالف للدين والذي يؤخر «النصر المبين» بحسب مزاعمهم.
وفي حين سخر ناشطون يمنيون كُثر من الإجراء القمعي الحوثي بحق مُلاك الكافيهات والاستراحات والشبان على حد سواء في صنعاء العاصمة، خاطبت الناشطية الحقوقية، فاطمة الأغبري، عبر حسابها على «فيسبوك»، شبان صنعاء بالقول «يقول لكم المجلس المحلي الحوثي يا شباب أنتم مش مكانكم الكافيهات وغيره مكانكم فقط الجبهات روحوا موتوا ونخلص منكم».
ومن جانبها، تقول عبير القدسي، ناشطة حقوقية «المصيبة حتى الأزواج الجدد في صنعاء لم يسمح لهم بدخول الكافيهات بحجة أنهم ليس لديهم أطفال للتأكد من أنهم عائلة».
إلى ذلك، قال أحد الصحافيين والناشطين المجتمعيين في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الشباب في العاصمة يفضلون أن يذهبوا للكافيهات والمقاهي، لكن الجماعة ترفض ذلك بشدة وتريدهم أن يذهبوا مجبرين للجبهات حيث يموتون في سبيل أهدافها ومخططاتها وحروبها الطائفية والعبثية».
وأشار الصحافي والناشط اليمني، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، لدواعٍ احترازية، إلى أن الميليشيات تحاكي في ممارساتها وأعمالها وجرائمها المتعددة بحق اليمنيين ذكورا وإناثاً تنظيم «داعش» الإرهابي، ورأى أن الجماعة تسعى من خلال تلك الممارسات الغريبة إلى اختلاق مبررات لفشلها المتواصل عسكريا، وكذا التضييق على الفئات المجتمعية بمناطق سيطرتها وقمع حريتها في سياق مسلسل الجماعة الإجرامي.
وتأتي تلك الممارسات الحوثية بحق الشباب وملاك المقاهي بصنعاء عقب أسابيع قليلة من حملة مماثلة قامت الجماعة عبرها بإغلاق أغلب الكافيهات والمتنزهات السياحية في صنعاء، واحتجزت العشرات من النشطاء ومرتادي المقاهي والعاملين فيها بالحجة نفسها «منع الاختلاط».
وبدأت الجماعة المدعومة إيرانياً منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في شن حملة واسعة ضد الكافيهات، وأغلقت الكثير منها، من بينها مقاهي «سمسرة وردة» في صنعاء القديمة، وبيت المعرفة، وكوفي كرنر، وكافيه أوفيليا النسائية، بذريعة منع «الاختلاط» والفصل بين الجنسين.
وفي حين عمدت الميليشيات خلال السنوات التي أعقبت انقلابها إلى قمع الحريات والتضييق على المواطنين بمناطق سيطرتها، خصوصاً في الأماكن العامة والجامعات الحكومي،. لا تزال الجماعة نفسها مستمرة بمسلسلها الإجرامي فيما يتعلق بتضييق الحريات وإفساد المناسبات الاحتفالية كالأعراس وحفلات التخرج، وذلك من خلال حملات مسلحة وإصدار قوانين مجحفة ذات طابع متشدد. وفق ما أفادت به مصادر خاصة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط».
وكشفت المصادر عن اقتحام الميليشيات قبل نحو أسبوع لساحات احتفال وقاعات أعراس في صنعاء واقتياد عدد من المواطنين بمن فيهم «العرسان» إلى سجونها بحجة أن تلك المناسبات تندرج في سياق الجرائم ومخالفة القانون.
وبحسب المصادر، اقتحمت الميليشيات في وقت سابق صالة أفراح في صنعاء واعتقلت العريس فارس البحري (25 عاماً)عنوة يوم زفافه بحجة إطلاق ألعاب نارية أثناء عودته للصالة من «حمام البخار».
وأشارت تقارير محلية إلى أن الأمر وصل ببعض أفراد ومشرفي الجماعة إلى تقديم اقتراحات لدى الجهات المعنية ببعض مناطق صنعاء تتضمن منع استقدام أصحاب الأعراس للعازفين والفنانين والمغنيين. معتبرين أن ذلك يتنافى مع حرمات البيوت والأعراض ودماء قتلى الجماعة في الجبهات، حد زعمهم.
وطبقاً للتقارير، يعد ذلك تضييقاً حوثياً آخر وتحريضاً على المواطنين الذين يستقدمون العازفين والمغنين، وفقاً لعادات وتقاليد الشعب اليمني في الأعراس والمناسبات الخاصة.