إلى جانب التحديات الأمنية التي تمثلها بقايا فلول «داعش» في العراق، والهجمات المتواصلة التي تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران على السفارات الأجنبية وبعض المواقع العسكرية، باتت الصراعات القبلية والعشائرية في بغداد والمحافظات الجنوبية، بنظر قطاعات عراقية واسعة، أحد أبرز المخاطر التي تمثل تهديداً حقيقياً لهيبة الدولة وسلطتها وللسلم الأهلي في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، نظراً لنوعية الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة المستخدمة في المعارك بين العشائر، ولسلوك «التوحش» الذي يرتبط بعمليات الثأر بين المتخاصمين.
ففي الأسبوع الماضي، قُتل ثلاثة مواطنين في محافظة ميسان، ضمنهم المنشد الديني نور الكناني وشقيقه، على خلفية نزاع عشائري. واللافت، أن حادث القتل العلني وقع بالقرب من محكمة استئناف ميسان والمجمع الحكومي، في دلالةٍ واضحة على عدم اكتراث المنفّذين بالقوانين والسلطات الحكومية.
وفي العاصمة الاتحادية، يتابع البغداديون منذ ثلاثة أيام مشاهد «الحرب» المشتعلة وتطوراتها بين عشيرتين في منطقة الحسينية الفقيرة شمال شرقي المدينة، ويتحدثون بسخرية عن عدم قدرة السلطات على «هدنة» ولو مؤقتة على أطراف النزاع. ورغم إرسال رتل عسكري مؤلف من 70 عربة «همر»، لإيقاف المعركة، طبقاً لمصادر عسكرية، فإن «المناوشات» بين العشيرتين ما زالت مستمرة. ويقول شاهد عيان: إن «الجنود وعناصر الشرطة يقفون جانباً ويتفرجون. يقولون لنا لا نستطيع التدخل. هذه معركة عشائرية».
ويضيف الشاهد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «النزاع اندلع بين عشيرتي العكيل والبو محمد منذ ثلاثة أيام قُتل خلالها ثلاثة أشخاص وأُصيب ما لا يقل عن عشرة من أفراد العشيرتين، بينهم امرأة». ويؤكد أن «النزاع الذي تفجر على خلفية خلافات سابقة بين أفراد العشيرتين على قضايا هامشية، استُخدمت فيه أسلحة متوسطة وخفيفة وقنابل المولوتوف لحرق 8 منازل، إضافةً إلى حرق مخزن كبير للمواد الإنشائية والكهربائية تقدّر قيمته بملياري دينار عراقي».
غير أن مصدراً آخر من عشيرة العكيل أبلغ «الشرق الأوسط» عن مقتل أحد أفراد العشيرة وإصابة 6 آخرين أحدهم حالته حرجة، مع حرق نحو 8 منازل. وذكر أن القضاء «أصدر مذكرات قبض بحق 4 أشخاص من المتورطين بالحادث من عشيرة البو محمد، وعقد اتفاق هدنة بين العشيرتين برعاية وزير الداخلية، تنتهي الأربعاء المقبل». وقال إن النزاع حدث على خلفية «مشاجرة عادية وقعت بين أفراد من العشيرتين في أثناء وجودهم بالقرب من موكب عزاء حسيني في منطقة الحسينية».
وبالتزامن مع النزاع العشائري في منطقة الحسينية، الذي أثار هلع واستياء سكان العاصمة، تسببت مشاجرة مسلحة يُعتقد أنها على خلفية نزاع عشائري، أمس، بمقتل طالب جامعي في حي أور شرق العاصمة، وتسبب شجار آخر في مدينة الصدر بإصابة أحد الأشخاص.
ورغم الإجراءات التي اتخذها مجلس القضاء الأعلى وقراره الذي أصدره في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 ويقضي بتوجيه تهمة إرهاب ضد الأشخاص المتورطين بـ«الدكة» (رمي منزل الخصم بالرصاص الحي)، فإن النزاعات العشائرية شهدت في الأشهر الأخيرة صعوداً لافتاً، خصوصاً في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة الجنوبية. ويتساءل كثير من المتابعين عن أسباب تفجر الصراعات العشائرية في هذه المناطق والمحافظات على وجه التحديد، رغم أن البنية الاجتماعية العراقية ترتكز على النمط العشائري في عموم مناطق البلاد لكن بقية المحافظات لا تشهد نزاعات مماثلة.
ويرى كثيرون أن ظروف الفقر والحرمان التي تعيشها مدن الجنوب خصوصاً بعد جائحة «كورونا»، أدت إلى صعود ظاهرة العنف والنزاعات العشائرية بشكل غير مسبوق، كما يرون أن لضعف الدولة، إلى جانب انتشار السلاح بين المواطنين وتغلغل الكثير من عناصر الفصائل المسلحة بين أبناء القبائل ساعد في تغول مشكلة المعارك والخصومات العشائرية.