وسط أهازيج الفرح وإيقاعات الأناشيد الوطنية، أبرم الفرقاء السودانيون بالأحرف الأولى «اتفاق سلام» ينتظر أن ينهي حروبا أهلية ونزاعات ممتدة لعقود، حصدت آلاف الأرواح، وخلفت ملايين النازحين واللاجئين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويعالج الاتفاق ما يعرف بـ«المظالم التاريخية والتهميش» التي لحقت بكثير من مناطق البلاد، إبان حكم رئيس النظام المعزول عمر البشير الذي استمر30 عاما، في وقت تعهدت فيه كل من المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالوقوف مع الشعب حتى يتحقق السلام الكامل.
ولا يشمل الاتفاق الذي وقع في جوبا عاصمة جنوب السودان أمس (الاثنين)، كلا من الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، ولا حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، اللتين تعدان من أبرز الحركات المسلحة، وأكثرها من حيث عدد المقاتلين والعدة والعتاد. وشهد مراسم احتفالات توقيع السلام كل من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، الذي وقع على الاتفاقيات باعتباره شاهدا وراعيا للوساطة بين الأطراف السودانية.
ووقع نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» رئيس وفد الحكومة المفاوض، وكل من رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس حركة تحرير السودان الهادي إدريس، بالإضافة لممثلين عن فصائل أخرى، عن مسار إقليم دارفور على 8 بروتوكولات تضمنت تقسيم السلطة والثروة وترتيبات أمنية، فيما وقع عن مسار المنطقتين «جنوب كردفان، النيل الأزرق» رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار، وأقرت البروتوكولات حلولا لقضايا قومية شاملة، وتضمنت إدماج قوات الحركات المسلحة في القوات النظامية السودانية.
حمدوك: يوم تاريخي
ووصف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يوم التوقيع بأنه «يوم تاريخي بحق وحقيقة»، ووعد بتحويل الاتفاقيات إلى «لبنة قوية لبناء الدولة السودانية الجديدة». وقال: «صناعة السلام.. ليست تفاوضا بين متحاربين أو متخاصمين، بل تكون نقاشا شفافا وعميقا، بين شركاء متساويين في الوطن والثورة». وتابع «التوقيع يفتح الباب لطريق صعب وطويل، لكننا سنعبره معا، حتى ننفذ الاتفاق بالكامل». وناشد حمدوك كلا من رئيس الحركة الشعبية غير الموقعة على اتفاق أمس عبد العزيز الحلو، ورئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد النور، الانضمام لعملية السلام، وقال: «نحن بانتظارهما»، وفي ذات الوقت حيّا شعب السودان، معتبرا السلام أمانة تحمله السودانيون معا، وليس اتفاقا ورقيا يوضع في الأضابير.
البرهان: المسار الصحيح
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في كلمته، الاتفاق التزاما بين القوات المسلحة والشعب السوداني، وقال: «السلام يمكن السودانيين من عبور المرحلة الحرجة الحالية التي تواجه مخاضا عسيرا في الوفاء باستحقاقات الفترة الانتقالية»، وتابع «نستطيع اليوم القول:إننا وضعنا أرجلنا في المسار الصحيح لبناء الوطن… ونثق في أن اتفاق السلام سيخرج بلادنا من دوامة الحروب والنزاعات».
دعم سلفاكير
ووعد رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت والذي جرت مفاوضات جوبا تحت رعايته، بدعم تنفيذ الاتفاقية ورعاية السلام والتعاون مع السودانيين، وطلب من المجتمع الدولي توفير الدعم السياسي والدبلوماسي للسودانيين لتنفيذها.
حميدتي: ميلاد جديد
واعتبر نائب رئيس مجلس السيادة «حميدتي» والذي قاد التفاوض التوقيع أنه يمثل فجر «ميلاد جديد للبلاد»، وأشاد بتضحيات النساء والشباب والشيوخ في مناطق النزاع في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وكل أرض السودان، وتابع «نحتاج في هذه الفترة أن نتحرر من فشل وأخطاء الماضي، كي نتحصن لرحلة الانتقال إلى سودان المستقبل».
وأكد حرص السلطة الانتقالية على استئناف المحادثات مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو وانضمام حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور. وأشاد بدور الدول الصديقة والشقيقة، وخص كلا من دولة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتشاد، ودولة جنوب السودان على رعايتها للمفاوضات، وأضاف «تنفيذ السلام يتطلب دعم الأصدقاء والأشقاء والمجتمع الدولي كافة، لكن تعهدات دولة الإمارات بدعم تنفيذ هذا الاتفاق يجعلنا مطمئنين على مستقبل العملية السلمية»، وأشاد بجهود المملكة العربية السعودية على رعاية مؤتمر أصدقاء السودان لدعم السلام.
إبراهيم: حلول كاملة
من جهته، وصف رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم الاتفاق بأنه «شامل وخاطب جذور الأزمة، وأوجد حلولا كاملة لإنهاء آثار الحرب والنزاعات التي شهدتها مناطق واسعة بالبلاد»، وقال: «عملية التفاوض لم تكن سهلة، لكن الإرداة القوية لأطراف السلام، وجهود الوساطة جعلت من المستحيل ممكنا»، وتابع: «المهمة أمامنا عسيرة، والمحك الحقيقي، تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، لكننا واثقون أننا سنعبر بالإرادة الوطنية القوية التي حققنا بها السلام»، فيما أكد رئيس الحركة الشعبية مالك عقار أير، على أن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعمل المشترك من أجل توحيد أكبر قوى اجتماعية سياسية لإنجاز مرحلة الانتقال، ووضع سياسات لصالح المهمشين، وأضاف «الاتفاق يساهم في وضع سياسة خارجية وانفتاح السودان على العالم الخارجي وعلى أشقائنا في المنطقة»، وأضاف «علينا أن ننفذ الترتيبات الأمنية لحماية المدنيين في إقليم دارفور والمنطقتين، وتطوير القوات المسلحة بعقيدة جديدة لبناء جيش مهني واحد»، وأعلن نهاية الحرب وأبدى استعداد قادة حركته للذهاب للسودان والشروع في تنفيذ الاتفاق.
السعودية: تحفيز الإخوة
ومن جانبه، قال سفير المملكة العربية السعودية لدى السودان وجنوب السودان علي بن حسن جعفر، إن توقيع اتفاق السلام «لحظة تاريخة لأهلنا في السودان، والمملكة العربية تبارك إنجاز السلام الذي تحقق». وتابع «إعلان الرياض الذي صاغته المملكة في مؤتمر أصدقاء السودان، الذي عقد في 12 أغسطس (آب)، رسالة سياسية من المجتمع الدولي لتحفيز الإخوة في السودان للوصول إلى السلام». ووعد بوقوف بلاده إلى جانب السودان حكومة وشعبا حتى تحقيق السلام على الأرض.
الإمارات: عهد جديد
وهنأ سفير دولة الإمارات العربية المتحدة السودانيين على ما سماه «الإنجاز التاريخي»، وبداية لعهد جديد بالوصول لاتفاق سلام شامل، وإنابة عن دولته شكر السفير رئيس جنوب السودان وفريق الوساطة، على احتضان ورعاية المفاوضات بين الأطراف السودانية.
مصر: بداية مرحلة
ووصف نائب وزير الخارجية المصري أسامة شلتوت، توقيع اتفاق السلام بأنه بداية مرحلة جديدة في تاريخ السودان، وقال إن المفاوضات برغم أنها كانت شاقة وعسيرة، لكنها خاطبت جذور إشكاليات الحرب والنزاع، وأشار إلى دور القاهرة في توحيد الجبهة الثورية، وتواصلها الدائم مع الحكومة والوساطة، ودعا كلا من عبد العزيز الحلو، وعبد الواحد محمد النور للانضمام للسلام.
بروتوكولات السلام
ونصت بروتوكولات السلام الموقعة بين الطرفين على منح جنوب كردفان والنيل الأزرق حكما ذاتيا، وقضى بتخصيص نسبة 40 في المائة من ثروة المنطقتين لمدة 10 سنوات، وكفل حقها في التشريع وصيانة الحريات الدينية. وحصلت قوى الكفاح المسلح وفقا للاتفاق على 5 وزراء اتحاديين، و3 أعضاء في مجلس السيادة، و75 نائبا في المجلس التشريعي المكون من 300 والمشاركة في حكم الولايات إضافة إلى إعادة دمج قواتها في الجيش، وتخصيص 7 مليارات دولار على مدار 10 سنوات لإعادة إعمار ما خربته الحروب في مناطق النزاعات.