رغم حالة توتر حذر تسود العاصمة الليبية طرابلس، على خلفية المظاهرات التي طالبت بإقالة المجلس الرئاسي، فإن هناك من يرى عدم تأثير ذلك على الوساطة الدولية الرامية لدفع الأزمة بين طرفي الصراع إلى طاولة الحوار السياسي مجددا.
وقال عضو مجلس النواب الليبي عيسى العريبي إن هناك حالة من التباطؤ سواء من جهة المجتمع الدولي أو المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» في المضي قدما نحو الحل السياسي، إلا أنه رأى أن «الفرصة لا تزال ممكنة للحوار في ظل محدودية المظاهرات الاحتجاجية بطرابلس».
ودعا الجميع إلى «المسارعة للجلوس على طاولة الحوار السياسي والالتفاف حول مبادرة عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، باعتبارها مبادرة متكاملة وقادرة على إنقاذ الوطن وما يواجهه من مخاطر وتحديات». وحذر من أن «الاستهانة والتباطؤ في التحرك نحو الحوار السياسي لا يهددان باستمرار المظاهرات واتساع مداها في طرابلس فقط، بل في عموم ليبيا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع يعاني من الفساد في شرق البلاد وغربها، إضافة إلى انقطاع الكهرباء ونقص السيولة وصعوبة الأوضاع المعيشية… هذه المظاهرات لو زادت ستطيح الجميع ولن تبقي على أحد».
ولفت العريبي إلى أنه «بعد إصدار البيانين الأخيرين من رئيس مجلس النواب والرئاسي، وربما من قبلهما، كنا نرصد تباطؤ المجلس الرئاسي في السعي نحو العملية السياسية… ربما يعود هذا لتشبث السراج بالسلطة، وهو ما أسفر عن اندلاع المظاهرات بالعاصمة والمطالبة بإقالته».
واتخذ السراج مجموعة من القرارات التي وصفت بأنها تستهدف ترضية المتظاهرين، وقطع الطريق على منافسيه بالعاصمة، بينها تشغيل وتدريب العاطلين عن العمل من شريحة الشباب، وتشكيل لجنة لمراجعة مصروفات وزارة الصحة، إلى جانب تخصيص ميزانية عاجلة للبلديات واعتماد لائحة الإيراد المحلي وتعيين وزير دفاع ورئيس أركان جديدين في طرابلس.
ورغم أن العريبي يرى أن المظاهرات «كشفت عن ضعف المجلس الرئاسي وتفككه وافتقاد حكومته للدعم الشعبي وما سيترتب على ذلك من فقد للدعم الدولي»، إلا أنه يتوقع إبداء «الوفاق» قدرا من المرونة في التعاطي مع الحوار السياسي، والقبول بالذهاب إلى جنيف للتوافق على الخطوط العريضة والمتبقية لمناقشة مبادرة عقيلة صالح، وهو ما يترتب عليه إيجاد سلطة تنفيذية جديدة في مدينة سرت تخضع للبرلمان، يعقبها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون عام ونصف العام.
وكان صالح والسراج أطلقا دعوة إلى وقف شامل لإطلاق النار في الأراضي الليبية كافة، على أن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعتي السلاح، وتقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلهما، إضافة إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس (آذار) المقبل، وفق قاعدة دستورية مناسبة يتم التوافق عليها بين الليبيين.
وتوقع العريبي أن تمارس الدول المعنية بالملف الليبي ضغطا أكبر على المجلس الرئاسي، خصوصا مع تخوف تلك الدول من أن يؤدي تفكك الأخير قبل التوصل لحل سياسي جديد للسقوط في فوضى عارمة، وهو ما يهدد بعودة تنظيمات متطرفة مثل «داعش» بقوة إلى المشهد الليبي وزيادة تهريب الوقود وتدفق المهاجرين غير الشرعيين.
وكانت البعثة الأممية لدى ليبيا أعربت عن قلقها إزاء ما تشهده البلاد من تحول، وشددت على ضرورة العودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة.
وفي وقت تخوّف سياسيين ليبيين من أن تؤدي الاحتجاجات بالعاصمة إلى تعطل الوساطة الدولية لحل الأزمة في البلاد، ودعوا إلى المسارعة لتفعيل اتفاق السراج وصالح، استبعد عضو مجلس النواب بطرابلس محمد الرعيض حدوث ذلك، وقال إن «الفرصة لا تزال موجودة أمام أي وساطة دولية، والمظاهرات في طرابلس ليست بالحجم الذي يتم الحديث عنه».
ووصف الرعيض الشباب المتظاهرين بأنهم «مجموعة من الغوغاء ارتكبوا أخطاء وتم منعهم من قبل قوات الأمن الموجودة بالعاصمة»، مستدركا أن «أي مظاهرة يجب أن تحصل على إذن من الحكومة، وهذا الأسلوب متعارف عليه عالميا، حيث يتم تحديد موعد ومكان محدد للتظاهر… ما حدث في طرابلس هو توجه هؤلاء الغوغاء إلى منزل رئيس الحكومة منتصف الليل، وبالتالي كان على الأمن التعامل معهم وتفريقهم».
واستبعد الرعيض أن يعرقل قرار توقيف وزير الداخلية فتحي باشاغا عن العمل وما تبعه من مظاهرات تضامنية معه بمسقط رأسه في مصراتة، انخراط قيادات «الوفاق» بأي حوار سياسي. وذهب إلى أن «الليبيين جميعا ضد الفوضى، ونحن نرحب، بل وطالبنا، بضرورة الحوار والوصول إلى اتفاق بين الأطراف التي تمثل النسيج الليبي والعمل على وحدته».
ورأى أن «المجلس الرئاسي سيظل متمسكا بموقفه المؤيد للعملية السياسية»، مشيرا إلى أن السراج «قدم مبادرة لوقف إطلاق النار في أنحاء ليبيا، والجميع هنا مرحب بالحوار مع إخواننا بالمنطقة الشرقية، باستثناء خليفة حفتر».