أكدت مصادر سياسية مطلعة في تل أبيب أنه في صفوف اليمين الإسرائيلي يتصاعد تيار جدي يطالب باستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واستبدال قائد آخر من اليمين به، وأن هذا التيار يمتد على أكثر من حزب يميني، خصوصاً حزب نتنياهو نفسه (الليكود) وحزب «اليمين الجديد» و«الاتحاد القومي» الاستيطاني، المنضوين تحت كنف «يمينا»، برئاسة نفتالي بنيت.
ويطرح هؤلاء مبادرتهم من خلال تخويف أحزاب اليمين من أن معسكرهم الآيديولوجي يواجه خطر فقدان الحكم بسبب إخفاقات نتنياهو في معالجة آفة فيروس كورونا، والتبعات الاقتصادية الخطيرة على حياة وجيوب المواطنين. ويقولون إن الجمهور فقد ثقته بنتنياهو ووزرائه الذين يديرون المعركة بفوضى، وبقرارات متناقضة، ويصدرون تعليمات للمواطنين حول طرق الوقاية وهم أنفسهم لا يلتزمون بها، ويتعهدون بدفع تعويضات لهم، ولكن هذه التعويضات لا تصل إلى عشرات الألوف. ويقول هؤلاء إن استطلاعات الرأي تؤكد أنه رغم الإنجازات في السياسة الخارجية، والاتفاقات مع الإمارات والبحرين، فإن شعبية نتنياهو تستمر في التراجع إلى الوراء. وعليه، فإنه ينبغي التوجه إليه لوضع خطة للاستقالة، وإخلاء مكانه لشخصية يمينية تخوض المعركة بدعمه، كي ينقذ حكم اليمين.
لكن تياراً آخر يريد تغيير نتنياهو لأنه حسب وجهة نظرهم «عاد لسلوك طريق أسلافه من قادة اليمين الذين خانوا المبادئ، من مناحم بيغن الذي تخلى عن سيناء حتى آخر شبر في كامب ديفيد، وأقدم على إخلاء مستوطنات بالقوة، واعترف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، إلى أرئيل شارون الذي شق حزب الليكود، وقاد الانسحاب من قطاع غزة إلى حدود 1967، وأزال 21 مستوطنة، وأخلى 21 ألف مستوطن، أو إيهود أولمرت الذي انسحب من الليكود مع شارون، وعرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطة للانسحاب من 98 في المائة من مساحة الضفة الغربية. فكلهم يمينيون، لكنهم عندما جلسوا على كرسي الحكم انحرفوا يساراً».
وقد عبر عن هذا الموقف الصحافي كلمان ليبسكين الذي قال إن «الحل الآن هو أن نجد مخرجاً محترماً لنتنياهو، بإبرام صفقة ادعاء مع النيابة يعتزل بموجبها السياسة، مقابل إغلاق ملفات الاتهام ضده». وعبر عن موقف شبيه أحد كبار المسؤولين في الليكود، الذي تحدث إلى الكاتب الصحافي بن كسبيت، شرط عدم الإفصاح عن اسمه، فقال إنه لا يهمه كيف ينهي نتنياهو حكمه، لكنه يعتقد أنه حان الوقت لذلك.
وأضاف أن «نتنياهو لم يسر على طريق بيغن وشارون وأولمرت وحسب، بل إنه يسير على طريق قادة (مباي) اليساري (حزب العمل حالياً) الذين ضربوا عرض الحائط بالمبادئ والآيديولوجيا، وبحثوا طول الوقت عن حلول وسط». وأكد أن «نتنياهو زعيم براغماتي أكثر من غيره، وليس مغامراً عسكرياً. ففي الدورة الأولى لحكمه، تقبل اتفاقات أوسلو وأكمل تطبيقها، فانسحب من الخليل، ووقع اتفاق (واي بلانتيشين)، وانسحب من 13 في المائة من الضفة الغربية. والآن، يوقف مخطط الضم، ويجمد الاستيطان، ويتعهد بألا يعترض على صفقة بيع الطائرات المتطورة للإمارات. وإذا بقي في الحكم، سيتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يكون ثمنه باهظاً، أكثر مما دفعنا حتى الآن. لذلك، حان وقت أن يتخلى».
ويخشى رفاق نتنياهو في الليكود من أن يصدر الجمهور حكمه في الانتخابات المقبلة بشكلٍ قاسٍ، إذ إن هناك تذمراً واضحاً شديداً في الشارع من الفشل في مكافحة كورونا، ومن الأوضاع الاقتصادية المنهكة. فاليوم، توجد بطالة واسعة تصل إلى حد نصف مليون عامل. وفي آخر الاستطلاعات، شكا 49 في المائة من الإسرائيليين من أنهم تضرروا بشكل مباشر من القرارات الاقتصادية للحكومة بسبب كورونا.
ووفقاً لما سبق، فإن أكبر المستفيدين من الوضع الحالي هو نفتالي بنيت الذي كان ذات يوم موظفاً كبيراً في مقر نتنياهو، مع النائب أييلت شاكيد، لكنهما فرا من هناك «بعد طرقة باب مدوية». وأقاما حزباً أكثر يمينة وتطرفاً من الليكود، ويقودان اليوم اتحاد أحزاب اليمين المتطرف «يمينا»، الممثل في الكنيست بـ6 مقاعد، وتبشره الاستطلاعات بمضاعفة قوته 4 مرات تقريباً، إلى 22 مقعداً.
ويرى بنيت نفسه مرشحاً قوياً لرئاسة الحكومة، حتى بالتحالف مع نتنياهو، ويقول إنه ما دام أن نتنياهو قد وافق على تقاسم منصب رئيس الحكومة مع بيني غانتس، الممثل في الكنيست بـ16 مقعداً، فلماذا لا يتقاسمه معه هو بـ22 مقعداً.
ويسعى بنيت إلى توسيع صفوف حزبه من قوى ليبرالية حتى يحظى بأصوات من وسط الخريطة السياسية، ويقترح إقامة التحالف سلفاً قبيل الانتخابات بين الليكود و«يمينا»، على أن يبدأ هو ترؤس الحكومة إلى حين ينتهي نتنياهو من محاكمته. ويقوم بنيت بمهاجمة نتنياهو في الوقت الحاضر بسبب إخفاقاته، ويرد الليكود الهجوم بالتهديد بإبقاء بنيت خارج أي ائتلاف يميني في المستقبل. ويبدو واضحاً أن كل الأحاديث عن استبدال نتنياهو تضعه في موقف حرج.