«صديقنا الشاب عمره 550 عاما ولكن من النضارة بحيث يبدو وكأنه دخل إلى قاعاتنا صباح اليوم».هكذا علق جورج واتشر رئيس مجلس الإدارة المشارك لقسم أعمال كبار الفنانين (أولد ماسترز) في دار سوذبيز. أما الشاب الذي عمره 550 عاما فهو موضوع لوحة لعبقري عصريّ النهضة الإيطالي ساندرو بوتتشيلي والتي تعرض للبيع في نيويورك العام القادم. لا يختلف النقاد على مكانة بوتتشيلي أو على خطوطه وشخصياته التي تبدو وكأنما حفرت من نور وألوان. الفنان الذي بلغ قمة شهرته في أواخر القرن الخامس عشر أنتج عشرات اللوحات التي اتخذت من الأشخاص نقاطا محورية سواء كان الموضوع دينيا أو يمت لعالم الأساطير الإغريقية.
ما نراه في لوحته المعروضة للبيع اليوم وهي بعنوان «شاب يحمل ميدالية» هو ذلك الشاب الأنيق واضح الثراء يتجه للمتفرج بنظرات مباشرة وواثقة. تميز بوتتشيلي برسم اللوحات الشخصية (بورتريه) بتصوير الوجه كاملا بحيث تتجه عينا الجالس إلى المتفرج، نظرات مباشرة ومعبرة سابقا بذلك «الموناليزا» لدافنشي الذي يصغر بوتتشيلي بأعوام.يشير كريستوفر أبوسل رئيس قسم لوحات كبار الفنانين بالدار إلى أن لوحات البورتريه تحديدا لدى بوتتشيلي كانت تعبر عن عصره أكثر من غيره من الفنانين «بوتتشيلي يفتح لنا نافذة على عالم عصر النهضة في فلورنسا… اللوحة تجمع القيم الفكرية والإنسانية لعصر النهضة».
تتميز اللوحة بألوان صريحة وبسيطة تقترب لحد كبير من الأسلوب المعاصر لرسم البورتريه، الخلفية تمثل أكثر من إطار فالشاب يبدو جالسا أمام إطار أسود، ربما يكون بابا ونرى يده تستند على حاجز أمامه.نرى في اللوحة عددا من مقاييس عصر النهضة، أولها الجمال، فوجه الشاب محدد الملامح يتميز بأنف مستقيم وبشرة ناعمة إضافة إلى شعره المصفف على الطريقة الشائعة لعصر النهضة فهو مفروق من الأمام ليرسم بذلك إطارا بنيا فاتحا حول الوجه ما يبرزه بشكل جمالي.
يلتزم الشاب هنا بمقاييس أناقة عصره من خلال السترة المتقنة الحياكة بصف من الأزرار الصغيرة وبشريط أبيض لقميص تحتها وبلونها الداكن الذي يعبر عن شخصية من الطبقة العليا.في تاريخ اقتناء اللوحة نعود إلى القرن الماضي حيث توجد أول معلومات مسجلة لوجودها في مقتنيات لورد نيوبارا وقد وصلت له عبر جده سير توماس وأين لورد نيوبارا الذي ابتاعها أثناء إقامته في فلورنسا. في الفترة ما بين 1935 – 38 انتقلت اللوحة عبر بائع لوحات لمقتن غير معروف وفي عام 1982 باعها ورثته إلى المالك الحالي بسعر 810 آلاف جنيه إسترليني.
وأظهرت المعاينة الدقيقة للوحة ومرورها عبر الأشعة فوق الحمراء عن آثار لتغيرات كثيرة قام بها الفنان لتعديل خطوط وتفاصيل كثيرة. المعروف أن بوتتشيلي أضرم النيران في عدد كبير من لوحاته بسبب توجه ديني متشدد ولم ينج من أعماله سوى تلك التي كانت في ملكيات خاصة وقتها. ومن هنا تأتي أهمية أي عمل يظهر في السوق الفنية للفنان، وهو أيضا ما يفسر المبلغ الهائل المقدر للوحة وهو 80 مليون جنيه إسترليني ومن المؤكد أن المزايدات سترفعه إلى أبعد من ذلك.
احتل بوتتشيلي مكانة عالية بين فناني عصره وتسابق النبلاء والأغنياء لاقتناء أعماله وتكليفه بجداريات ولوحات بورتريه. وقد أنجز عددا من أكثر الأعمال الفنية سحرا وجاذبية في تاريخ الفن العالمي مثل «مولد فينوس» و«الربيع» واللتين تعرضان في متحف يوفيتزي بفلورنسا، و«الشاب الذي يحمل ميدالية» ستكون نجمة مزاد سوذبيز لأعمال كبار الفنانين الذي سيقام في نيويورك في يناير (كانون الثاني) 2021.
وقد يهمك أيضًا:
بيع طابع نادر في مزاد في نيويورك بسعر قياسي بلغ 9.5 مليون دولار
دار سوذبيز تطرح لوحة لموزار للبيع في مزاد في لندن