مرض «سيلياك» Celiac Disease مرض مناعي، ويسمى أيضاً «المرض الجوفي» أو ما يُعرف تجاوزاً بحساسية القمح وذلك لأن الحساسية تكون لبروتين (الغلوتين) وهو أحد نوعي البروتين الموجوديْن في حبوب القمح والشعير والشوفان، وهو البروتين المسؤول عن إعطاء المخبوزات والعجائن تماسكها وليونتها.
يصيب «سيلياك» الأمعاء الدقيقة نتيجة تكوين الجسم لأجسام مضادة لبروتين الغلوتين، حيث إن الإنزيم المسؤول عن هضم البروتين يهاجم الأنسجة المبطنة للأمعاء الدقيقة ما ينتج عنه التهاب مزمن قد يسبب ضموراً في الهديبات (الخلايا المبطنة للأمعاء الدقيقة) والتي تمتص الطعام مما يؤدي إلى تكسرها وفقدانها، فيصاب الشخص بسوء التغذية نتيجة لعدم قدرته على امتصاص العناصر الغذائية، وفقاً لمركز مرض «سيلياك» بجامعة شيكاغو الأميركية.
– الأعراض والأسباب
تحدثت إلى «صحتك» الدكتورة هبة سعيد أستاذة مساعدة في التغذية بالمعهد القومي للتغذية بالقاهرة بمصر، فأوضحت أن «سيلياك» مرض ليس بحديث، بل يعود تاريخ اكتشافه إلى أوائل الأربعينات من القرن الماضي، وتحديداً في إنجلترا، وذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان من المرجح حتى وقت قريب أن «سيلياك» مرض يصيب الأوروبيين أكثر من الشعوب العربية، إلا أنه في الآونة الأخيرة ووفق دراسات تمت في بعض الأقطار العربية وُجد أن النسبة في مصر تصل إلى 1% (وفقاً لمسوحات تمت في الفترة من 2010 حتى 2014)، وفي المملكة العربية السعودية أظهرت النتائج أن 2.2% من الطلاب كانت نتائجهم موجبة، وهي نسبة مرتفعة جداً تعادل أعلى النسب في أوروبا (وفقاً لدراسة قام بها فريق البحث بجامعة الملك سعود بين طلاب المدراس الثانوية بين عامي 2007 – 2008). وتُظهر الدراسات السابقة أن مرض «سيلياك» موجود في الجنس العربي ولكنه لا يشخَّص بسبب نقص المعرفة.
ومما يميز هذا المرض هو عدم السهولة في تشخيصه، حتى من قِبل بعض الأطباء، كون أعراضه تشبه أعراض الكثير من الأمراض الأخرى. (طبقاً للجمعية الدولية لـ«سيلياك»).
– الأعراض
أوضحت الدكتورة هبة سعيد أن أعراض مرض «سيلياك» تختلف من شخص لآخر، فهناك أكثر من 200 علامة أو عرض لمرض «سيلياك»، منها: آلام وتشنجات المعدة – مغص – إسهال أو إمساك مزمن – قيء – غثيان – طفح جلدي مصحوب بحكة – سرعة الانفعال – خفقان سريع بالقلب – آلام بالصدر وصعوبة في التنفس – التعب والإرهاق وفقدان الوزن في بعض الأحيان.
وهناك بعض الأمراض التي يرتبط حدوثها بوجود مرض «سيلياك» مثل أنيميا نقص الحديد متكررة الحدوث، وأنيميا نقص فيتامين بي 12 (الأنيميا الخبيثة) غير المستجيبة للعلاج، وهشاشة العظام، وأمراض الغدة الدرقية، ومرض السكري.
وفي الأطفال، فإن العرض الأكثر شيوعاً هو الإسهال، وتتراوح باقي الأعراض بين الانتفاخ والمغص والإسهال الدهني أو الإمساك المزمن، وقلة النشاط، وفقدان الشهية. ويرتبط وجود مرض «سيلياك» لدى الأطفال بتأخر النمو لدى الطفل المصاب وقِصر القامة ومرض السكري من النوع الأول.
– الأسباب
تؤكد الدكتورة هبة سعيد أنه لا يوجد سبب محدد لهذا المرض، حيث إن كل الدراسات أشارت إلى أن أسباب حدوثه غير معروفة حتى الآن شأنه في ذلك شأن أغلب أمراض المناعة الذاتية. ويمكن أن يصيب المرض أي شخص، وهناك بعض عوامل الخطورة التي تزيد من فرص الإصابة، ومنها:
> وجود تاريخ عائلي بالإصابة بـ«سيلياك» أو الجينات الوراثية، حيث إن نسبة الإصابة لدى أقارب المريض مثل الإخوان والأبناء من 5 – 20%.
> يبدو أن المرض في ازدياد في العالم كله حيث يُقدر الباحثون في الولايات المتحدة أن نسبة الإصابة بين الكبار قد تصل إلى 1%. وقد يحدث في أي مرحلة عمرية منذ الطفولة حتى الشيخوخة المتأخرة، وتتراوح نسبة حدوث المرض لدى الأطفال ما بين 0.33 و1.06%. أما لدى البالغين فتتراوح بين 0.18 و1.2%.
> كما أن الإصابة بمرض مناعي آخر مثل متلازمة داون أو مرض السكري من النوع الأول تزيد الإصابة بنسبة 5 – 10%.
> وتأتي العوامل البيئية والتي تتمثل في إصابة الطفل بالعدوى، كإصابته بفيروسات تؤثر على المناعة، أو بداية أغذية الفطام مبكراً قبل أربعة أشهر من العمر واحتواء تلك الأطعمة على الغلوتين كأحد العوامل التي تزيد من فرص الإصابة بـ«سيلياك».
– تشخيص «سيلياك»
يتم تشخيص مرض «سيلياك» بعدة طرق، منها:
أولاً- الأعراض: غالباً ما تكون موجودة، إلا أن تشابهها مع الكثير من أعراض الأمراض الأخرى مثل القولون العصبي قد يؤدي إلى التشخيص الخاطئ، إذا تم الاعتماد فقط على الأعراض.
ثانياً- الاختبارات داخل المختبر: وهي عبارة عن اختبار قياس مستوى الغلوبينات المناعية IgA وأن تكون النتيجة مرتفعة، ثم إجراء اختبار وجود أجسام مضادة للإنزيم ناقل الغلوتين anti – gliadin transglutaminase antibodies وفي حالة نقص مستوى الغلوبينات المناعية IgA يصبح الجسم غير قادر على صنع الأجسام المضادة وتقل أو تنعدم كفاءة اختبار IgG.
ومن الاختبارات المهمة لنفي التشخيصات الأخرى وقياس مدى حدة وتأثير الأعراض الجانبية كسوء الامتصاص: صورة دم كاملة CBC، واختبارات وظائف الكلى، واختبارات وظائف الكبد، وقياس مستوى فيتامين (ب 12) في الدم، وقياس مستوى حمض الفوليك في الدم، واختبار سرعة الترسيب في الدم.
ثالثاً- المنظار Endoscopy: يُستخدم لتأكيد المرض أو نفيه تماماً لأنه يسمح للطبيب برؤية ما يحدث داخل الأمعاء بكل وضوح وأخذ عينة من الأنسجة. ويتم ذلك بإدخال المنظار من خلال الفم مروراً بالمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة لذلك تكون نتائجه قطعية ومحددة وصائبة، ولكي تكون كذلك يجب أن يتناول المريض طعاماً يحتوي على الغلوتين قبل إجراء المنظار بمدة لا تقل عن أسبوعين على أقل تقدير، ويُنصح بأن يأخذ الطبيب على الأقل أربع عينات من الاثنا عشر، بما في ذلك عينة على الأقل من الجزء المنتفخ الذي يربط المعدة بالاثنا عشر، وذلك للحصول على تشخيص دقيق.
رابعاً- اختبار تحدّي الغلوتين: يتم اللجوء إلى اختبار تحدي الغلوتين Gluten – Challenge، إذا ما كان المريض يتبع نظاماً غذائياً خالياً من الغلوتين، وذلك لأن حذف الغلوتين من الوجبات اليومية لمدة يؤثر على دقة الاختبارات المختبرية وكذلك المنظار.
خامساً- الاختبارات الجينية: تكشف عن وجود أحد الجينات المرتبطة بالإصابة بمرض حساسية القمح وهي HLA – DQ2 وHLA – DQ8. إلا أنّ وجود أيٍّ منها لا يعني بالضرورة إصابة الشخص بالمرض، بل يعني أن لديه استعداداً أو قابلية جينية للإصابة به، فبالإضافة للاستعداد الجيني لا بد من توافر عوامل بيئية لتحفيز ظهور المرض ويُلجأ إلى إجراء هذه الاختبارات عادةً في حال إصابة أحد أفراد العائلة بمرض حساسية القمح.
– العلاج
أولاً- العلاج الدوائي: في الحقيقة لا يتمّ استخدام أي أدوية لعلاج الإصابة بمرض «سيلياك» في أغلب الحالات، إلّا في حال ظهور التهاب الجلد في بعض المرضى وذلك للسيطرة على الطفح الجلدي المصاحب له وغالباً ما يتمّ استخدام دواء دابسون Dapsone وسلفابيريدين Sulfapyridine.
أما بالنسبة للمكملات الغذائية فيجب استخدامها تحت إشراف طبي لعلاج النقص الناتج عن سوء الامتصاص على أن تكون مكمّلات خالية من الغلوتين كمكملات الكالسيوم والفولات والحديد والزنك وفيتامين «بي 12» وفيتامين «دي» وغيرها من العناصر المهمة.
ثانياً- العلاج الغذائي (وهو الأساسي والمهم): يعد اتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين هو العلاج الحقيقي لمرض «سيلياك» حتى تتم السيطرة على الأعراض واتباع النظام الخالي من الغلوتين، ويعني امتناع مريض «سيلياك» عن أي طعام أو شراب محتوٍ على الغلوتين مثل القمح والشعير والشوفان والمنتجات المحتوية عليها، مما يساعد على تقليل الأعراض الظاهرة على المصاب خلال أيام إلى أسابيع كما أن التهاب الأمعاء يبدأ بالشفاء خلال مدة تتراوح من 6 أشهر إلى عدة سنوات، حتى تتم إعادة تجديد الهديبات المعوية واستعادة قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية مرة أخرى بشكل طبيعي مع الأخذ في الاعتبار أن معدل شفاء الأمعاء في الأطفال يكون أسرع مقارنةً بالبالغين.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن نجاح البرنامج الغذائي يعني الشفاء، وأن أي خطأ أو تناول غذاء يحتوي على الغلوتين عن طريق الخطأ يؤدي إلى تأخر الشفاء وربما إلى ظهور أعراض شديدة الحدة ينتج عنها ضرر شديد. ومن المشكلات التي تواجه مريض «سيلياك» هو احتواء العديد من المأكولات والمشروبات على الغلوتين، لذلك تجب قراءة المكونات جيداً قبل تناول أي طعام وتجنب ما يحتوي حتى على آثار ضئيلة من الغلوتين.
ما مدى الالتزام بالنظام المحدد للغلوتين؟ تشير الدكتورة هبة سعيد إلى دراسة أُجريت في معهد التغذية بالقاهرة بمصر عام 2017 عن «مدى الالتزام بالنظام المحدد للغلوتين»، أظهرت أن الالتزام كان بنسبة عالية تخطت 90% للأصناف المعروف احتواؤها على الغلوتين في الأطفال والكبار، أما الأصناف غير الظاهرة فكانت نسبة الالتزام فيها تتراوح بين 50 و60% خصوصاً في الأطفال بسبب استهلاك الكثير من الأصناف من خارج المنزل مع استخدام القائمة الاسترشادية. كما أن ارتفاع ثمن المنتجات خالية الغلوتين يعدّ من المشكلات الكبيرة التي تواجه مريض «سيلياك»، مع العلم أن هناك الكثير من المنتجات الخالية من الغلوتين والتي يتم تصنيعها محلياً في بعض البلدان كبدائل لمنتجات الحبوب المحتوية على الغلوتين بنفس الطعم المميز والشكل والتي تكون أسعارها مناسبة.
– حمية خالية من الغلوتين
أصدر كل من معهد التغذية القومي بالقاهرة، والجمعية السعودية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية لدى الأطفال بالسعودية، قائمة بالأصناف المحتوية على الغلوتين (غير المسموح بها) والبدائل المتوفرة (المسموح بها) وهي:
> أولاً: الأطعمة غير المسموح بها
– الحليب المملت (المحتوي على الشعير ومنتجاته).
– الخبز والمخبوزات والحبوب المصنوعة من القمح، والشعير، والشوفان، ونخالة القمح، ونخالة الشوفان، والبرغل، وسميد القمح.
– المعكرونة المصنوعة من القمح، نشا القمح أو المكونات غير المسموح بها.
– تاكو وتورتيلا القمح.
– الأسماك المعلبة والمحضرة مع مرق أخضر محتوٍ على بروتين الخضار المهدرج (HPP) أو البروتين النباتي المهدرج (HVP) الذي قد يحتوي على الغلوتين.
– شرائح البطاطا أو الخضار المحتوية على دقيق القمح.
– الشوربة المصنعة والتي تحتوي على مكعبات (HPP) والمرق المحتوي على (HVP) أو على الإضافات الممنوعة.
– السمن المعلب والمحتوي على الإضافات الممنوعة.
– الحلويات: آيس كريم بمكونات غير مسموح بها – الكعك – البسكويت – الفطائر والحلويات المصنوعة من مكونات غير مسموح بها، بسكويت الآيس كريم والوافل والبانكيك.
– المشروبات: البيرة والمشروبات المصنوعة من الشعير.
> ثانياً: الأطعمة المسموح بها
– الحليب: حليب الصويا، واللبن، والروب، وجبنة الكريم، والجبنة المصنّعة، وجبنة الحلوم البيضاء.
– الخبز والمخبوزات المصنّعة من الذرة والأرز والصويا، وطحين الحمص، ونشا الذرة، ونشا البطاطا، وطحين البطاطا، والدَّخن، والحنطة السوداء (حب) أو طحين (Buckwheat).
– حبوب الصويا، والأرز الأسمر والأبيض، وجريش الحنطة السوداء والدَّخن، ودقيق الذرة الباردة، والذرة المنفوشة أو المنتفخة، والأرز المنفوش أو المنتفخ، ورقائق الذرة، والعدس، والحمص، والفول، والمكسرات، والتوفو.
– المعكرونة والاسباجيتي والنودلز المصنوعة من الأرز والذرة والصويا والبقوليات والبطاطس والحمص.
– تاكو وتورتيلا الذرة.
– اللحوم وبدائلها الطازجة والمجمدة، والمعلبة، والمملحة والمدخنة، والبيض.
– الخضار: الطازج والمجمد، المعلب والمجفف.
– الشوربة: المصنوعة في المنزل، ومكعبات المرق الخالية من الغلوتين، وشوربة الكريم المصنوعة من المكونات المسموحة.
– الزبدة، والمارغرين، والزيت النباتي، والقشطة، وتوابل السلاطة المصنوعة في المنزل من المكونات المسموح بها.
– الحلويات: الآيس كريم، وشراب الفواكه المثلج، وفواكه مثلجة معدة كالآيس كريم، والكريمة المخفوقة، والكاسترد، والبيض الطبيعي، وحلويات الجيلاتين، والكعك والبسكويت والحلويات المصنوعة من المكونات المسموح بها.
– المشروبات: الشاي، والقهوة الجاهزة أو المطحونة (العادية أو الخالية من الكافيين)، والكاكاو، والمشروبات الغازية.
– استشاري طب المجتمع