يستعد محبو الفن الإسلامي مع شهر أكتوبر (تشرين الأول)، إلى مطالعة والاستمتاع بكل ما أنتجه الصانع والحرفي عبر العصور الإسلامية المختلفة، ودور المزادات في لندن استعدت لهذا الموسم منذ أشهر وجمعت عددا غير قليل من القطع النادرة والتي لا بد من أن تضم المصاحف النادرة والمخطوطات والأسلحة والقطع النفيسة كل منها له قصة وسلاسل من الملاك.
وقبل المعرض العام لمزاد دار سوذبيز لفنون العالم الإسلامي والهندي أتيح لي الاطلاع على أهم القطع التي ستعرضها الدار سوذبيز في مزادها يوم 27 من الشهر الحالي.
– دورق مملوكي
أدخل لمكاتب خبراء الفن الإسلامي في الدار وهي متخمة بالقطع المتناثرة ما بين الأرفف والأسطح، وأحتار إلى أين أتوجه بناظري، تلفتني مشكاة من الزجاج والمزخرفة بآيات وكلمات بالمينا الملونة. «من العصر المملوكي؟ أتساءل وتجيبني ألكساندرا روي نائبة مدير قسم الفن الإسلامي في الدار قائلة «لا نعرف بعد، سنحاول إجراء الاختبارات عليها». غير أن القطعة التي لفتتني غير معروضة في هذا المزاد ولكنها تقودنا إلى قطعة مشابهة، وهي دورق من الزجاج المزخرف والذي يحمل كتابات حول منتصفه ملونة ومذهبة، «هذا الدورق من العصر المملوكي وله قصة»، تشير محدثتي. تقول إن الدورق في البداية لم يعتبر على أنه وليد العصر المملوكي الذي اشتهر بالقطع الزجاجية البديعة وذلك «بسبب لون الزجاج والذي يبدو خاليا لحد كبير من الشوائب والألوان، والتي كانت تظهر في القطع من ذلك العهد». الكتابات التي على سطح الدورق تحمل مديحا لـ«السلطان» بدون ذكر اسمه، الأحرف كتبت بالذهب ولاحقا بالمينا الزرقاء بحيث يبدو كل حرف وكأنه محاط بظل ذهبي. وعلى النصف الأعلى تسبح سمكتان مذهبتان للأعلى، تقول ألكس إن الأسماك من سمات الأباريق الزجاجية المصنوعة في العهد المملوكي وتضيف «عند ملء الدورق بالماء تبدو الأسماك وكأنها تسبح، وهو تأثير لطيف». الدورق المصنوع في سوريا في القرن الـ14 معروض بسعر يتراوح ما بين 300 إلى 500 ألف جنيه إسترليني.
– صفحة من المصحف الأزرق
وجود مخطوطة من المصحف الأزرق الشهير والذي كتب إما في القرن التاسع أو العاشر الميلادي في الأندلس، من نقاط الجذب في أي مزاد للتحف الإسلامية. وهنا نرى واحدة من المجلد وفيها آيات من سورة النحل. جماليات المصحف الأزرق تبهر البصر فالأحرف الذهبية واللون الأزرق في الخلفية يمنحان المخطوطة جمالا سرمديا. نعرف أن المصحف لا يوجد كوحدة متكاملة وأن صفحات متفرقة منه تظهر كل فترة وأخرى ويتنافس عليها محبو اقتناء المخطوطات. يمكن تخيل حجم المصحف بكامل صفحاته، من المؤكد أنه كان مجلدا ضخما و«أفخم مخطوط تمت كتابته في العالم الإسلامي في ذلك الزمن» خاصة أن صحائفه من الجلد المصبوغ باللون الأزرق وهو ما كان أمرا مكلفا للغاية حسب ما تقول لنا الخبيرة إضافة إلى استخدام الذهب في الكتابة. ويشير كتالوغ المزاد إلى إجماع خبراء الفن الإسلامي على أن المصحف كان فائقا في فخامته وهو ما يدل على أنه كتب لصالح حاكم شديد الثراء والطموح. ورغم أن المصحف يعرف بأنه صنع في الأندلس أو شمال أفريقيا إلا أن هناك جدلا حول المكان الأصلي الذي خرجت منه هذه التحفة البديعة والتي يقدر لها سعر يتراوح ما بين 150 إلى 250 ألف جنيه إسترليني.
– قطعة شطرنج من حجر الزبرجد
قطع الشطرنج المصنوعة من الكريستال الصخري أو الأحجار الكريمة دائما ما تشير إلى انتشار اللعبة في العالم الإسلامي وأيضا على مكانة صاحب الرقعة وملحقاتها. في هذا المزاد تعرض لنا روي قطعة وحيدة من قطع اللعب تعود إلى القرن التاسع وهي تمثل الحصان وهي من الزبرجد. اللون الأزرق الغائم للقطعة يحير البصر، كما يحيرنا مصدرها فهي قد تكون من مصر أو العراق أو إيران.
– صندوق أندلسي من العاج
أمامنا صندوق نادر من العاج يعود لعصر بني نصر في الأندلس (القرن الـ14)، يتميز بالتشكيلات الهندسية المتشابكة وبأضلاعه الثمانية. تقول الخبيرة إن «التشكيلات الهندسية تذكرنا بقصر الحمراء، حيث تعبر الكتابات على الجدران وعلى الأسقف عن اللانهائية والوحدانية، الصندوق يفتقد الغطاء ويقدر لها سعر يتراوح ما بين 80 إلى 120 ألف جنيه إسترليني.
– دورق مغولي مرصع بالزمرد والياقوت
كيف يمكن حمل دورق كل أسطحه مرصعة بالزمرد والياقوت؟ نحن أمام قطعة من أجمل الأمثلة على الصياغة الهندية. حبات الزمرد تنتظم في تشكيلات سداسية تفصل بينها حواجز ذهبية وتعلوها شرائط من الذهب المطعم بالياقوت.
ثم هناك عنق الدورق المطلي بالمينا البيضاء المحلاة بزهرات رقيقة من الذهب والياقوت. الدورق يعود إلى نهاية القرن السابع عشر من شمال الهند. المدهش في القطع الهندية وفن صناعة المجوهرات هو أن كل الأسطح مزينة وملونة، وهذا الدورق لا يستثنى من ذلك فعند حمله يمكننا رؤية القاعدة المطلية بالمينا البيضاء والمزخرفة بأوراق النباتات باللون الأخضر والعصافير الرشيقة والورود الحمراء، أما أعلاها فنجد السدادة الأنيقة والمرصعة في كاملها بالزمرد وتعلوها ماسة وحيدة. أحجار الزمرد والتي يبلغ عددها 600 حجر مبطنة برقائق معدنية لضمان لمعانها «على عكس الصاغة في أوروبا كان صناع المجوهرات في العصر المغولي يحرصون على أن تكون المجوهرات براقة». سعر القطعة يتراوح ما بين 500 إلى 800 ألف جنيه إسترليني.
– «قبقاب» من الخشب المطعم بالصدف
في أحد الرسومات التي تعود إلى القرن الـ17 نرى امرأة تركية ترتدي زوجا من «القباقيب» الخشبية العالية، رأينا مثلها من قبل في مزادات سابقة، بعضها مزين وملون ويدل على مكانة صاحبته. في المزاد الحالي نرى زوجا من تلك القباقيب الخشبية مطعما بالصدف، بنفس العلو، مع شريطين من الجلد المبطن بالقماش المشغول بوردات من اللون الأحمر القاني. القباقيب كانت ترتدى في الحمامات العامة ويساهم علوها في حماية قدم السيدة من سخونة الأرضية حسب ما تذكر لنا الخبيرة، غير أن الارتفاع، والذي يمكن اعتباره مبالغا فيه، يشير أيضا إلى الموضة السائرة في ذلك الوقت والتي جنحت للجماليات أكثر من العملية. وهو ما تؤكد الخبيرة بقولها «كانت النساء يتنافسن على من ترتدي زوجا أعلى من غيرها، حتى لو كان ذلك غير مريح فالاهتمام كان منصبا على من منهن اتباعا لموجات الأزياء الرائجة». الزوج المعروض أمامنا مطعم بالصدف على هيئة زهور ومعروض بسعر يتراوح ما بين 15 إلى 20 ألف جنيه إسترليني.
قد يهمك أيضا :
احتفالية بمتحف الفن الاسلامي فى مصر بمرور ١١٦ عام على افتتاحه
متحف الفن الإسلامي يستقبل مجموعة من زوجات الوزراء والدبلوماسيين