رغم أن معظم مرضى الوسواس القهري OCD من المراهقين يعانون من نفس الأعراض إلا أن العلاج يختلف باختلاف شخصية كل مراهق. وفي الأغلب تتوقف نسبة نجاح علاج معين على حسن اختيار خطة العلاج في البداية وهو الأمر الذي أشارت إليه أحدث دراسة نفسية أميركية تناولت المرض.
مقارنة الطرق العلاجية
أجرى الدراسة علماء من جامعة ميتشغان بالولايات المتحدة ونشرت في المجلة الأميركية للطب النفسي American Journal of Psychiatry، وركزت على مقارنة مراكز المخ عند التعرض لطريقتي العلاج المعروفين للوسواس القهري والتي تعتمد إحداهما على تعريض المريض للمخاوف القهرية التي يعاني منها سواء بشكل متدرج أو مفاجئ، بينما تعتمد الأخرى على تقليل نسبة القلق الناتجة عن التعرض للمخاوف. ومن المتوقع أن يؤدي اختيار الطريقة المثلى لكل مراهق إلى مساعدة ثلث المصابين على الأقل في الوصول إلى الشفاء.
وقام الباحثون بفحص 87 مراهقا وبالغا مصابين بمرض الوسواس القهري عن طريق عمل أشعة متقدمة على المخ brain scans وكانت حالاتهم جميعا تتراوح بين المتوسطة والشديدة.
ويعاني مريض الوسواس القهري من أفكار غير منطقية لا يستطيع الفكاك منها أو من نمط سلوكي معين نتيجة لاعتقاد معين لا يستطيع تغيره. وفي بعض الحالات يمكن أن يكون الأمر متعارضا مع الحياة بشكل طبيعي مثل الخوف الشديد من الأمراض.
وقد تم اختيار المشاركين بشكل عشوائي لطريقة علاج معينة بشرط أن يكون قد مضى على العلاج 12 أسبوعا. ووجد الباحثون أنه في المجمل فإن كلتا الطريقتين تؤديان إلى تحسين حالة المريض. ولكن عندما قام الباحثون بفحص الأشعات السابقة للمرضى قبل بدء العلاج وبعد استمراره لفترة الـ3 أشهر وجدوا اختلافا في نشاط المخ تجاه كل طريقة بشكل يختلف تماما تبعا لكل مراهق.
نشاط المخ
وتم تصوير المخ عندما طلب من المشاركين حل مسألة ذهنية cognitive task بسيطة (اختيار حرف من مجموعة حروف أو جمل) مقابل مكافأة نقدية رمزية في حالة حلها بشكل صحيح. وكان الغرض من التجربة معرفة مدى قدرة المرضى على التحكم في قدراتهم الإدراكية والمعرفية وأيضا معرفة لأي مدى يمكن أن تؤدى المكافأة إلى تحفيزهم.
وكان المشاركون الذين حدث لهم تحفيز كبير في مراكز للمخ كاستجابة لمحاولة حل المسألة، هم الأكثر استجابة لطريقة التعريض للمخاوف exposure والتي تعتبر جزءا من طريقة علاج تسمى العلاج السلوكي المعرفي. وكلما زادت قوة النشاط في تلك المنطقة من المخ زادت فرص التحسن مع هذه الطريقة.
وفي المقابل كان أولئك الذين حدث لهم تحفيز أقل في مراكز المخ أكثر استجابة لطريقة العلاج المعروفة بالتحكم في القلق SMT ووجدوا أنه كلما تم توجيه العلاج بشكل محدد منذ البداية كانت الاستجابة في تحسن الأعراض أفضل.
وبهذا، يعتبر مجرد التوصل إلى تلك الخصوصية في العلاج تقدما ملموسا بالنسبة لأبحاث المرض وأوضح العلماء أن المناطق والدوائر الكهربائية الموجودة بالمخ والنشاط الكيميائي العصبي تكتسب اهتماما متزايدا منذ فترة طويلة وهو الأمر الذي أدى إلى أن يضع العلماء ذلك في الحسبان أثناء العلاج بحيث يمكن أن تستهدف الأدوية أو طرق العلاج السلوكي هذه المناطق بشكل مباشر بدلا من المعالجة الحالة النفسية بشكل عام أو التركيز على أعراض ربما تتشابك مع أمراض أخرى وهو ما يسمى بالتحفيز المغناطيسي عبر المخ transcranial magnetic stimulation لاستثارة هذه المناطق.
علاج موجه
ونظرا لأن كل مخ يختلف عن الآخر في التركيبة الكيميائية والنشاط العصبي، فإن استجابة كل مخ تختلف بنوعية علاج معين خاص بكل فرد، مما يعني توفير المحاولات المختلفة على المريض وبالتالي تقليل وقت العلاج والمعاناة من الأعراض. وعلى وجه التحديد فإن زيادة النشاط في مركز معين في المخ وقت الاستجابة لتحفيز المكافئة مقابل حل المسألة الذهنية تواكب زيادة النشاط في مراكز الابصار والإدراك وأيضا المناطق المسؤولة عن العواطف في المخ. ولم يرصد العلماء فروقا تذكر بين الفئات العمرية وأشار العلماء إلى احتمالية أن يؤدي توجيه العلاج إلى مراكز معينة في المخ إلى الشفاء بشكل كامل حيث إن هذه المراكز تتداخل بشكل كبير مع المراكز التي ربما تكون هي المتسببة في المرض من الأساس. ورغم أن هذا التصور لا يمكن إثباته بشكل علمي الآن إلا أنهم يأملون أن يؤدي مزيد من الأبحاث إلى التوصل إلى هذه الرابطة ومن ثم تفكيكها عن طريق الأدوية أو تغيير المسارات العصبية داخل المخ ويمكن أيضا تخصيص العلاج تبعا لنشاط المخ بدون الحاجة لإجراء تصوير مغناطيسي لكل مريض ولكن من خلال الاستجابة للاختبارات البسيطة ورد فعل المرض لها كما في التجربة التي تمت في الدراسة.
والأشخاص الذين يستطيعون التحكم في عواطف مقابل المكافأة تصلح لهم طريقة التعرض أو مواجهة المخاوف (تحت الإشراف الطبي) بينما أولئك الذين يتعرضون للضغط أثناء المهام البسيطة يستفيدون أكثر عن طريق تعلم التحكم في العواطف وتنظيم ردود الأفعال.
وفي النهاية يأمل الباحثون أن تؤدي هذه التجارب التي تحفز مناطق المكافأة في المخ في مواجهة المخاوف التي يعاني منها المرضى – جنبا إلى جنب مع العلاج النفسي الذي يوضح أن هذه المخاوف غير حقيقية وغير مبررة – إلى مساعدة المرضى. وربما تكون فرصة الأطفال والمراهقين في العلاج أكبر حيث إن المخ لا يزال في مرحلة النمو والتطور والعلاج المبكر الموجه سوف يؤدي إلى التخلص من الأعراض.
– استشاري طب الأطفال