مُنحت جائزة نوبل للطب هذا العام إلى ثلاثة علماء فيروسات، تقديراً لدورهم على مدى عدد من السنين في اكتشاف الفيروس المسؤول عن التهاب الكبد «سي».
مرض فيروسي
يعتبر فيروس سي لالتهاب الكبد مثالاً لمرض فيروسي لا يتوفر له حتى اليوم لقاح فعّال ضد الإصابة به، رغم المحاولات العلمية المتواصلة في هذا المضمار لأكثر من ثلاثين عاماً، ولكن تتوفر له المعالجة الدوائية الفعّالة.
وتقدم الجهود التي بذلها العلماء حتى اليوم لاكتشاف هذا الفيروس، والمعلومات التي تتوفر حول تراكيبه وسلوكياته في إمراض الجسم وأسباب عدم تمكن العلماء من إيجاد لقاح ضده، نموذجاً لكيفية فهم أنواع الفيروسات القديمة والمستجدة وكيفية التعامل الوقائي والعلاجي ضدها.
وعندما يلتهب الكبد تتضرر قدراته الوظيفية وتتضرر أيضاً البنية الهيكلية لأنسجته والبنية الهيكلية لشكله العام، إما بشكل مؤقت أو دائم. والتهاب الكبد بفيروس سي Hepatitis C Virus هو نوع من أنواع التهاب الكبد، الذي يتسبب به فيروس يُسمى «فيروس سي لالتهاب الكبد». وعنصر «سي» في التسمية سببه أن هناك عدة أنواع من الفيروسات التي تتسبب بالتهاب الكبد، وهي فيروسات: إيه A، وبي B، وسي C، ودي D، وإي E.
وتحصل العدوى عندما ينجح الفيروس سي في الدخول إلى دم الشخص السليم، وهو الذي بالأصل يكون قادماً من دم أو بعض سوائل جسم شخص مُصاب بهذا الفيروس، إما بالاتصال المباشر أو بأدوات جارحة ملوثة به.
وبعد دخوله إلى الجسم ووصوله إلى الدم، ينتقل الفيروس مباشرة إلى العضو الذي يريد العيش فيه، وهو الكبد. ويدخل إلى داخل خلايا الكبد كي يبدأ في التكاثر. ومعلوم مشكلة الفيروسات الأزلية، هي أنها كائنات تحتاج إلى أن تتطفل على خلايا حية كي تتكاثر فيها، لأنها كائنات لا تمتلك أي مقومات لإجراء عملية التكاثر.
تأخر ظهور الأعراض
وفي بداية الأمر يتخفى الفيروس (داخل خلايا الكبد) عن جهاز مناعة الجسم، وقد لا يلاحظ جهاز مناعة الجسم وجوده بالجسم إلاّ في وقت متأخر. ولذا لا يبدأ جهاز مناعة الجسم في إنتاج الأجسام المضادة HCV Antibody للفيروس إلاّ بعد مضي ما بين 3 أسابيع إلى 12 أسبوعاً من وقت دخول الفيروس إلى الجسم Window Period. ولأسباب ليست مفهومة حتى اليوم، تتراوح فترة الحضانة Incubation Period هذه (الفترة ما بين وقت دخول الفيروس إلى الجسم ووقت بدء ظهور الأعراض) ما بين أسبوعين و6 أشهر.
ومع زيادة تكاثر الفيروس داخل خلايا الكبد، وبدء تسببه في تلفها، يحصل «تسريب إنزيمي» Enzymes Leak، وتبدأ نسبة إنزيمات الكبد في الارتفاع بالدم. وإنزيمات الكبد هي مركبات كيميائية توجد داخل خلايا الكبد، وخروجها منها وارتفاع نسبتها في الدم يعني في الغالب حصول تهتك وتلف في خلايا الكبد.
مراحل الالتهاب
ومع انتهاء فترة التخفي عن جهاز مناعة الجسم، وبدء ملاحظة وجود الفيروس (عبر بدء إنتاج الأجسام المضادة)، وبدء التسريب الإنزيمي من خلايا الكبد التالفة، فإن ما يحصل بعد ذلك هو أمران: الأول، مرحلة الالتهاب الحاد Acute Phase، ثم مرحلة الالتهاب المزمن Chronic Phase.
وخلال مرحلة الالتهاب الحاد تَظهَر الأعراض الحادة بعد شهر إلى ثلاثة أشهر من التعرُض للفيروس، وذلك عندما يبدأ جهاز مناعة الجسم في محاولة القضاء على الفيروس. وتقول مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة CDC: «العديد من الأشخاص المصابين حديثاً بفيروس التهاب الكبد سي لا تظهر لديهم الأعراض ولا يبدو عليهم المرض أو يشعرون به، وبالتالي لا يعرفون أنهم مصابون. وبالنسبة للأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض، فإنها تحدث عادة بعد أسبوعين إلى 12 أسبوعاً من التعرض لفيروس التهاب الكبد سي، ويمكن أن تشمل اصفرار الجلد والعينين، وعدم الرغبة في تناول الطعام، واضطراب المعدة، والتقيؤ، وآلام المعدة، والحمى، والبول الداكن، واللون الفاتح للبراز، وآلام المفاصل، والشعور بالتعب، وتستمرُ من أسبوعين إلى ثلاثة أشهر».وينجح تلقائياً ما بين 15 إلى 30 في المائة من المصابين في القضاء على الفيروس وتنقية الجسم منه تماماً، أي الشفاء منه. وذلك نتيجة نجاح جهاز المناعة في تنظيف الجسم من كل أجزاء الفيروس Viral Particles والقضاء على خلايا الكبد المحتوية للفيروس. ودليل حصول العدوى لديهم سيكون بقاء وجود الأجسام المضادة ضد فيروس سي في الدم لسنوات طويلة أو طوال العمر.
ولكن تجدر ملاحظة أن وجود هذه الأجسام المضادة لا يقدم وقاية مستقبلية من عودة الإصابة بفيروس سي. ولذا حول سؤال: هل يمكن أن تصاب بالتهاب الكبد سي أكثر من مرة؟ تجيب CDC قائلة: «نعم. يمكن أن تصاب بالعدوى مرة أخرى حتى لو قمت بإزالة الفيروس أو تم علاجك بنجاح».
احتمالات الشفاء
وهناك عدة عوامل لاحظ العلماء أنها ترفع من احتمالات القضاء على الفيروس تماماً، مثل: صغر سن المُصاب، والإناث، وشدة الالتهاب، وحيوية جهاز المناعة، وتدني كمية الفيروس الذي دخل الجسم، وعوامل جينية في الفيروس وفي الشخص المُصاب. والتهاب الكبد سي الحاد يستجيب بشكل جيِد إلى العلاج بمضادات الفيروسات.
أما بقية المُصابين، أي ما بين 70 إلى 85 في المائة، فلا ينجحون في القضاء على الفيروس وتنقية الجسم منه خلال فترة 6 أشهر ما بعد بدء الإصابة، وتُسمى الحالة لديهم بـ«التهاب الكبد الفيروسي المزمن من نوع سي» Chronic Hepatitis C. ويتم تأكيد ذلك بإجراء تحليل بي سي أر PCR Test (لـأر أن إيه فيروس سي HCV RNA في الدم) مرتين. والنتائج الإيجابية تعني أن الأوان قد فات في الغالب لإمكانية قضاء الجسم على الفيروس اعتماداً على قدرات مناعته الذاتية. وتجدر ملاحظة أن النتائج الإيجابية لتكوين الجسم الأجسام المضادة ضد فيروس سي Anti – HCV Test تعني فقط أنه سبقت الإصابة بهذا الفيروس،
ولا تعني وجود مناعة فعّالة ضد الفيروس أو زوال الفيروس عن الجسم. والنتيجة السلبية لتحليل الأجسام المضادة ضد فيروس سي، تعني عدم حصول أي إصابة سابقة بالفيروس، وهذا أمر مهم.
التهاب مزمن
والتهاب الكبد الوبائي سي المزمن يمكن أن يستمر مدى الحياة، إذا ترك دون علاج. ولأن عمليات الالتهاب مستمرة، فإن تلف خلايا الكبد يستمر، ويتكرر تكوين الألياف فيما بين أنسجة الكبد، وقد تطرأ تغيرات جينية في الحمض النووي «دي إن إيه» لخلايا الكبد نفسها، وبالتالي يمكن أن يتسبب هذا الالتهاب المستمر لسنوات طويلة في ظهور مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك تلف الكبد وتليف الكبد (تندب الكبد) وسرطان الكبد.
وتفيد CDC: «لا يعاني معظم المصابين بالتهاب الكبد سي المزمن من أي أعراض، أو تظهر عليهم أعراض عامة فقط، مثل التعب المزمن والاكتئاب. ويصاب العديد من الأشخاص في نهاية المطاف بمرض مزمن في الكبد، والذي يمكن أن يتراوح من الخفيف إلى الحاد ويشمل تليف الكبد (تندب الكبد) وسرطان الكبد. عادة ما يحدث مرض الكبد المزمن لدى الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد سي ببطء، دون أي علامات أو أعراض، على مدى عدة عقود. وفي الغالب لا يتم التعرف على وجود عدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي المزمن إلا عند إجراء فحص التبرع بالدم أو ملاحظة نتائج غير طبيعية في الفحوصات أثناء زيارة الطبيب الروتينية».
خطوات لإدارة معالجة المصاب بفيروس الكبد «سي»
> توضح مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة CDC قائلة: «لا يوجد حالياً لقاح للوقاية من التهاب الكبد سي. وكان تطوير هذا اللقاح أمراً صعباً، لأن الفيروس له عدة أنماط وراثية وأنواع فرعية ويتحول بسرعة، مما يسمح له بالتهرب من جهاز المناعة». وتضيف: «يمكن علاج أكثر من 90 في المائة من المصابين بعدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي سي، الذين لديهم نتيجة إيجابية لتحليل بي سي أر، بغض النظر عن النمط الجيني لفيروس التهاب الكبد الفيروسي، خلال ما بين 8 إلى 12 أسبوعاً من العلاج عن طريق الفم». وتوضح: «يوصى بالعلاج لجميع الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد الوبائي سي الحاد أو المزمن،
بما في ذلك النساء غير الحوامل (بما في ذلك الأطفال الذين أعمارهم فوق 3 سنوات والمراهقين). ومع ظهور علاجات فعّالة ضد طيف واسع من الأنماط الجينية لفيروس التهاب الكبد سي Pan – Genotypic Antivirals Activity، لم يعد التنميط الجيني مطلوباً قبل بدء العلاج. ومع ذلك لا يزال التنميط الجيني قبل العلاج يوصى به للمرضى الذين لديهم دليل على تليف الكبد و- أو علاج سابق لمرض التهاب الكبد الوبائي سي، لأن هذه المعرفة يمكن أن تساعد في تكييف نظام العلاج وتحسين نتائج المرضى». كما توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة بإجراء الخطوات التالية للأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالتهاب الكبد سي:
– التقييم الطبي لحالة مرض الكبد المزمن.
– تلقي التطعيم ضد التهاب الكبد إيه والتهاب الكبد بي.
– توضيح أهمية تجنب الكحول، لأن استهلاك الكحول يمكن أن يسرع من تشمع الكبد وأمراض الكبد في نهاية المرحلة.
– توضيح فعالية وفوائد مضادات الفيروسات ذات المفعول المباشر.
– الحاجة إلى اتباع نظام غذائي صحي والحفاظ على النشاط البدني، وخاصة للمرضى الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة.
– أهمية مراجعة الطبيب قبل تناول أي حبوب موصوفة جديدة، أو الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية (مثل مسكنات الألم التي لا تحتوي على الأسبرين)، أو المكملات الغذائية، حيث يمكن أن تلحق الضرر بالكبد.
– تجنب التبرع بالدم أو الأنسجة.
– ضرورة تغطية الجروح والقروح على الجلد لمنع انتشار الدم أو الإفرازات المعدية.
– رصد الخطر المنخفض ولكن الحاضر، للانتقال إلى الشريك عبر الجنس، وعند مشاركة الأشياء الشخصية التي قد تكون ملطخة بالدماء، مثل فرش الأسنان وأدوات الأسنان وشفرات الحلاقة ومقصات الأظافر وأجهزة قياس الجلوكوز وأجهزة الوخز.