يتعرض معظم جمهور الإنترنت خلال تصفحهم اليومي المعتاد عبر المواقع الإلكترونية لعشرات الصور، قد يتوقف أحدهم عند بعضها إعجاباً أو تأثراً، أو ربما يشاركونها عبر صفحاتهم الافتراضية، إلا أن الفنانة التشكيلية المصرية مي رفقي وجدت أن هناك الكثير من التفاصيل التي تعج بها الصور التي تتعثر بها يومياً، ما تريد أن تحتفظ به للرجوع إليها وإعادة تأملها، فقررت قبل سنوات الاحتفاظ بالصور التي تلفت نظرها بشكل خاص في ملف على حاسوبها، ولم تكن تتصور أن يكون هذا الاحتفاظ بصور من كل حدب وصوب، هو في حد ذاته تمهيد لمعرض فني جديد، يحمل اسم «منقول»، يستضيفه غاليري «الزمالك للفن» في القاهرة، حتى مطلع نوفمبر المقبل.
ويطرح المعرض بداية من عنوانه «منقول» كواليس العمل الفني وعلاقته في كثير من الأحيان بفكرة الاقتباس أو الإلهام، فالمعرض عبارة عن تجربة ذاتية قادت مي رفقي لتحويل مواد بصرية ملهمة دأبت على جمعها بشكل يومي إلى عالم موازٍ شاسع يضم خطوطها الخاصة، بعد أن قامت بخلق نصوص تشكيلية جمالية من وحي الصور والموتيفات التي جمعتها وتتنوع بين أعمال فوتوغرافية للمُصور إدوار ويستون، وصور لجدران مقابر، وأخرى لزخارف سجاد مغربي تقليدي، وتصميمات منسوجات، وورق الحائط، وصور لفنون تلقائية من شوارع القاهرة، وغيرها الكثير من الصور التي شكلّت المرجعية البصرية لأعمال المعرض.
وتقول مي رفقي: «بدأ الأمر بشكل عفوي تماماً، فكرت في بداية الأمر في تخصيص ملف للتفاصيل التي تعجبني للعودة إليها في مرات أخرى، سواء لحركة شخصيات أو لموتيفات، وبدأت في التفاعل تدريجياً مع تلك الصور بتحضير اسكتشات لها، ثم وجدت نفسي أخوض تجربة استكشافية مجهولة، رغم علمي بمنبع إلهامها، فإن النتائج التي أصل إليها كانت تدهشني كثيراً».
واستطاعت مي رفقي الجمع في لوحاتها بين خطوط تشريحية للجسد بطابع تسوده التجريدية، لكنه مُفعم بالحرية والحركة في الوقت ذاته، في سطوة للعبة الإيهام التي استطاعت بها الفنانة خلق حالة حوار غني على مستوى المُخيلة، خصوصاً أن تلك التكوينات البشرية تماهت مع الموتيفات المُتفرقة التي سادتها الأزهار بتنويعاتها اللونية والتكوينية، والملامح الهندسية ذات الطابع الشعبي، التي قد تُحيل لبيوت النوبة القديمة، أو رموز قبطية، ومزركشات مغربية، وغيرها من المعالم التي تناغمت في نسيج عالم يصعب تفكيك عناصره، بحيث صار له ملامحه البصرية الخاصة.
ويعد التكنيك اللوني للوحات المعرض، التي تبلغ نحو أربعين لوحة، من أبرز سماته، بداية من جمع الفنانة مي رفقي بين الألوان الزيتية وأقلام الفحم في لوحاتها: «كان يشغلني أن تكون خطوط شخصيات لوحاتي قوية، خصوصاً أنّها تعتمد على المفارقة بين السكون والتعبير الحركي، ووجدت أن الفحم يستطيع أن يمنح خطوطي تلك القوة، وقمت بتوظيفها مع الألوان الزيتية الصريحة»، ويلعب التوظيف اللوني المُتعدد دوراً مسانداً لفلسفة الحوار بين الخطوط البشرية والموتيفات الصاخبة، وهي الفلسفة التي تشغل الفنانة مي رفقي على مدار مشروعها، وتجد بها كثيراً من «المغامرة الفنية» على حد تعبيرها.
ويعتمد تكنيك رسم الخطوط والتلوين في لوحات المعرض كذلك على فكرة تعددية الطبقات على سطح اللوحة، التي تمنح اللوحات أبعاداً بصرية تطرح من خلالها الفنانة فكرة الاحتمالات اللانهائية التي يمكن أن يُنتجها الفن، فالصور التي جمعتها على مدار سنوات، شغفاً بتفصيلة هنا، أو لموتيفة هناك، أُخرجت من سياقاتها الأصلية ليُعاد تشكيلها في سياقات أخرى جديدة، وتأويلات مُتعددة.
قد يهمك ايضا:
محاضرة عن "الكنيسة القبطية" في مكتبة الإسكندرية الأربعاء
تعلم "الهيروغليفية" يجذب المصريين لفك رموز تاريخ أجدادهم