بعد يومين فقط من دعوة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح إلى انتفاضة شعبية شاملة في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2017 لمواجهة الميليشيات الحوثية أجهزت الأخيرة عليه في أحداث دموية انتهت فعليا بتصفيته في منزله المعروف بقصر «الثنية» في شارع حدة بالعاصمة صنعاء مع العشرات من حراسه، إلى جانب اعتقال أكثر من 3 آلاف شخص.
لم يكن الرجل يرغب – بحسب ما يقوله المراقبون – في هذه النهاية، بل كان يطمح لقلب الطاولة على الجماعة التي تحالف معها، غير أنه لم يستعد لهذه المواجهة جيداً، بسبب نجاح الميليشيات العقائدية في الاستحواذ على القوات العسكرية الموالية له وتفكيكها منذ السيطرة على صنعاء، وتمكنها من شراء وأدلجة زعماء القبائل الموالين له، وتحييد كبار قادة حزبه «المؤتمر الشعبي».
للوهلة الأولى أصيبت الجماعة بارتباك كبير وظن السواد الأعظم أن الأمور باتت محسومة وسط سيل من الدعاية الإعلامية، وصولا إلى سقوط محافظات بكاملها وفرار عناصر الجماعة التي أعادت ترتيب صفوفها وركزت على حصار صالح وسحق الانتفاضة بكل قوة.
قتل صالح، وحاولت الجماعة سلبه شرف الموت في منزله حين قامت بمحاولة تزوير واقعة قتله عبر الزعم أنه قتل أثناء فراره باتجاه مسقط رأسه في سنحان حيث الضواحي الجنوبية للعاصمة، قبل أن تطبق على قيادات حزبه والموالين له في صنعاء وبقية المحافظات وتقوم بتفجير منازل من شاركوا في الانتفاضة التي بات يطلق عليها «انتفاضة ديسمبر».
اليوم وبعد 3 سنوات من مقتل الراقص على رؤوس الثعابين لأكثر من 3 عقود، يتبادر إلى الأذهان السؤال عن إرث صالح السياسي والحزبي أين هو وما الذي تبقى منه؟!
باستثناء صالح والقيادي في حزبه عارف الزوكا الذي كان يشغل منصب الأمين العام في جناح حزب «المؤتمر» في صنعاء، لم يقتل أحد من المقربين منه بمن فيهم نجلاه صلاح ومدين اللذان أسرتهما الجماعة الحوثية قبل أن تطلق سراحهما لاحقا وفق صفقة توسطت فيها سلطنة عمان، في حين سمحت الجماعة بعد مقتله بمغادرة كافة أقاربه من النساء والأطفال وفق وساطة عمانية أيضا إلى مسقط والرياض وأبوظبي، حيث يقيم في الأخيرة نجله الأكبر أحمد منذ أن أقاله هادي من منصب سفير اليمن لدى دولة الإمارات المتحدة.
وفيما تمكن نجل شقيقه الأكبر طارق محمد عبد الله صالح حينها من الإفلات من يد الجماعة الحوثية، ما زالت الجماعة تعتقل حتى الساعة نجل شقيقه محمد محمد عبد الله صالح، وابن نجل شقيقه عفاش طارق صالح، إذ تحاول الجماعة أن تحتفظ بهما ضمن أوراق الضغط على العائلة بخاصة مع تنامي الدور العسكري البارز لطارق صالح في الساحل الغربي.
من ذلك الوقت يلزم أبناء صالح الستة الصمت (أحمد، وخالد، ومدين، وصلاح، وصخر، وريدان) خارج البلاد، فيما يتطلع أنصاره إلى أن يتولى ابنه الأكبر أحمد علي دورا مستقبليا يمثل فيه إرث العائلة السياسي والحزبي، رغم الحضور الخجول له، بينما يحاول المقربون منه التبرير لعدم فاعليته السياسية بالعقوبات الأممية المفروضة عليه، متهمين الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي بأنه لا يرغب في أن يخاطب مجلس الأمن لإنهاء عقوبتي تجميد الأموال والمنع من السفر اللتين تتجددان بشكل دوري.
لم يهاجم نجل صالح الميليشيات الحوثية بالشكل المفترض من ابن مكلوم خلال تصريحاته منذ مقتل والده، باستثناء الحديث الخجول عن السير على نهج والده والالتزام بوصاياه في وقت سمحت الجماعة الحوثية في صنعاء باختياره نائبا لرئيس حزب «المؤتمر الشعبي» (جناح صنعاء) الخاضع لها بعد هيكلته وتعيين القيادي صادق أمين أبو رأس على رأسه، ولم يصدر من نجل صالح أي رفض لهذا التعيين.
وباستثناء النشاط البروتوكولي الخاص بالمناسبات الاجتماعية (التعازي والتهاني) لنجل صالح الأكبر، إضافة إلى ظهوره في صور من حين لآخر إلى جانب قيادات من الحزب أو دبلوماسيين أجانب في مقر إقامته، كان الأمر أكثر ضبابية فيما يتعلق ببقية إخوته الذين يقبعون خلف الستار حتى الآن بمن فيهم شقيقه خالد الذي يشاع أنه هو الذي يدير أموال العائلة في الخارج، وقد ظهر أخيرا في حالة نادرة وسط بعض أنصار والده في العاصمة المصرية القاهرة.
وبينما تتلقف الأوساط السياسية اليمنية الإشاعات بأن نجل صالح الأكبر ليس لديه طموح فعلي ليحمل إرث والده السياسي، كان الأمر مغايرا بالنسبة لابن عمه طارق محمد عبد الله صالح الذي اختار أن ينشط فيما يبرع فيه وهو الجانب العسكري منذ أن أفلت من يد الميليشيات الحوثية، حيث قام بإعادة بناء قوات ضخمة (ألوية حراس الجمهورية) بمساعدة من تحالف دعم الشرعية (تقدر بنحو 30 ألف شخص وفق مصادر عسكرية يمنية) قبل أن يساهم عبر هذه القوة المدربة في تحرير أجزاء واسعة من الساحل الغربي لليمن وصولا إلى الحديدة بالتشارك مع ألوية العمالقة الجنوبية والألوية التهامية.
هذا الحضور العسكري المتبقي من إرث صالح، بات بعد أن أقل من عام من دخول المعركة ضد الحوثيين مكبلا باتفاق «استوكهولم» المبرم في ديسمبر 2018، حيث توقفت بموجبه المعارك ودخلت هدنة هشة حيز التنفيذ، هذه الهدنة منحت الحوثيين أفضلية السيطرة على مدينة الحديدة وموانئها الـ3.
يحاول طارق صالح أن يدعم منذ تجذر حضوره القوي في الساحل الغربي الإرث السياسي لحزب «المؤتمر الشعبي» في تلك المناطق، كما يحرص باستمرار على إطلاق التصريحات النارية التي تتوعد الميليشيات الحوثية مع التأكيد على أنها هي الخصم الوحيد لكافة المكونات والقوى اليمنية. وبينما استأثرت الجماعة الحوثية بنصيب الأسد من إرث صالح الحزبي والعسكري إضافة إلى عقارات العائلة وأموالها ومقدرات حزبه، إلى جانب الاستمرار في تدجين القوى القبلية التي كانت تنخرط أغلبها في قوام الحزب، أخفقت أجنحة الحزب الأخرى بعد مقتله في لململة صفوفها، حيث يرفض الكثير ممن أفلتوا من قبضة الجماعة الحوثية الاعتراف بالجناح الذي يترأسه الرئيس عبد ربه منصور هادي.
الكثير من المساعي التي بذلها قادة في الحزب موجودون في الخارج، من بينهم رئيس البرلمان الحالي سلطان البركاني، لم تنجح أيضا في رأب الصدع بين هادي وبقية القيادات التي فضل الكثير منها البحث عن استقطابات آنية بين عواصم المنطقة مع الإبقاء على حبل الود مع جناح الحزب الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، باعتبار أن قادته هم أصحاب الشرعية التي تركها صالح لهم، رغم بقائهم تحت جناح الجماعة التي قامت بتصفيته.
للعام الثالث على التوالي يحاول التيار الموالي لصالح في المناطق المحررة من الحوثيين وفي الخارج على حد سواء، الاحتفاء بالانتفاضة التي أطلقها صالح باعتبارها نقطة تحول يمكن أن تعيد ما تفرق من إرث صالح السياسي والعسكري إلى الواجهة من جديد، في وقت أخفقت فيه مساعيهم في تشكيل قيادة موحدة حتى الآن لاعتبارات تتعلق باستحالة إقامة انتخابات داخلية أو إقامة مؤتمر عام للحزب.
في المقابل ينشط من بقي من قيادات حزب صالح في مناطق سيطرة الحوثية في المناطق المسموح لهم بها من قبل الميليشيات الحوثية، وصولا إلى التماهي في رغبة الجماعة لطمس أي آثار مادية أو معنوية تشير إلى الرجل، بما في ذلك تجهيل مكان دفن جثمانه والسطو على مسجده وتغيير اسمه والاستيلاء على بيوته وتسخير جمعيته الخيرية بعد تعديل اسمها لخدمة «حوثنة» المجتمع ودعم المجهود الحربي.