التحصين هو وسيلة بسيطة وآمنة وفعالة للحماية من الأمراض، حيث يدفع الجسم لمقاومة عدوى معينة وتقوية جهاز المناعة من خلال تدريبه على تكوين أجسام مضادة. ونظرًا لسرعة وسهولة انتشار فيروس كورونا كوفيد – 19 وإصابة غالبية سكان العالم به، فإن أهمية هذا اللقاح تكمن في الحماية من فيروس كورونا بالسماح للجسم بتطوير استجابة مناعية بشكل آمن، التي توفر الحماية للجسم من خلال منع العدوى أو السيطرة عليها، كما سيسمح اللقاح برفع عمليات الحظر والإغلاق في الدول، وتخفيف التباعد الاجتماعي وبالتالي عودة الحياة الطبيعية تدريجيا. وفقاً لموقع للمنصة الرئيسية للتوعية الصحية بوزارة الصحة السعودية (عش بصحة).
وحيث إن اللقاح الوحيد المتوفر حاليًا هو لقاح فايزر – بيونتك (Pfizer – BioNTech) فقد تم تسجيله في السعودية بعد أن تجاوز الاشتراطات والمعايير الصارمة جدًا التي وضعتها هيئة الغذاء والدواء السعودية لضمان سلامة ومأمونية ومدى كفاءة الدراسات التي تم من خلالها تصنيع هذا اللقاح.
ومن الوجهة العلمية والبحثية، فإن التجارب السريرية تجرى عادةً على ثلاث مراحل. تتضمن تجارب المرحلة الأولى، عادةً، بضع عشرات من الأشخاص وهي مصممة لمراقبة ما إذا كان اللقاح أو الدواء آمنًا. وتسمح تجارب المرحلة الثانية، التي تضم مئات الأشخاص، بتجربة جرعات مختلفة وجمع المزيد من القياسات حول تأثيرات اللقاح على جهاز المناعة. أما تجارب المرحلة الثالثة، التي يشارك فيها آلاف أو عشرات الآلاف من المتطوعين، فإنها تحدد سلامة وفعالية اللقاح أو الدواء من خلال الانتظار لمعرفة عدد الأشخاص المحميين من المرض الذي صمم اللقاح لمكافحته.
تطوير اللقاحات
قد يستغرق تطوير اللقاح التقليدي 15 عامًا أو أكثر، بدءًا بمرحلة اكتشاف طويلة يتم فيها تصميم اللقاح وإجراء تجارب استكشافية قبل السريرية. وعادة ما يتبع ذلك مرحلة يتم فيها إجراء المزيد من التجارب الرسمية قبل السريرية ودراسات علم السموم والتي يتم فيها تطوير عمليات الإنتاج. وتبدأ التجارب في المرحلة الأولى والثانية والثالثة، وبعد استيفائها واكتمالها يتم تقديم طلب لترخيصها، ثم يبدأ الإنتاج.
أما بالنسبة لتطوير لقاح فيروس كورونا (SARS – CoV – 2) فقد اتبع جدولا زمنيا متسارعا بسبب المعرفة المكتسبة من التطوير الأولي للقاحات سارس وفيروس كورونا، وتم حذف مرحلة الاكتشاف. تم اعتماد العمليات، وبدأت تجارب المرحلة الأولى/ الثانية/ الثالثة، مع العديد من مراحل التجارب السريرية التي عملت بالتوازي. في غضون ذلك، بدأ منتجو اللقاحات في الإنتاج على نطاق واسع، وتم الترخيص من خلال تصريح «استخدام طارئ emergency use authorization».
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO) هناك، حاليا، أكثر من 180 لقاحًا مرشحًا، قيد التطوير ضد سارس – كوفي – 2، من عدة منصات، منها ما تم الترخيص له (لقاحات بروتينية مؤتلفة ولقاحات موجهة)، ومنها «التقليدية» (لقاحات لفيروسات حية أو معطلة).
لقاحات «آر إن إيه»
أخيرًا، لقاحات الحمض النووي الريبي «آر إن إيه – أو الرنا» (RNA) وهي تطور حديث نسبيًا. على غرار لقاحات الحمض النووي، يتم تسليم المعلومات الجينية للمستضد (antigen) بدلاً من تسليم المستضد نفسه، ثم يتم التعبير عن المستضد في خلايا الفرد الملقح. يمكن استخدام إما الرنا المرسال mRNA (مع التعديلات) أو الرنا RNAذاتي التكرار. وعادة ما يتم تسليم الحمض النووي الريبي عبر الجسيمات النانوية الدهنية. وأظهرت لقاحات الحمض النووي الريبي نتائج واعدة في السنوات الأخيرة والعديد منها قيد التطوير مثل لقاح فيروس زيكاZika أو الفيروس المضخم للخلايا. وقد تم نشر نتائج واعدة لعدد من لقاحات RNA المرشحة لدى Pfizer وModerna ضد SARS – CoV – 2، وقد اجتازت مراحل التجارب وحصلت على الترخيص في عدد من الدول. وذلك وفقاً لدراسة حديثة مطولة نشرت في مجلة نتشر (Nature volume 586، pages516–527(2020)) بعنوان «تطوير لقاح سارس – كوفي – 2» قام بها البروفسور/ فلوريان كرامار Florian Krammer أستاذ اللقاحات وعلم الأحياء الدقيقة عضو في هيئة تحرير مجلة علم الفيروسات Virologyوله أكثر من 100 ورقة بحثية وهو مراجع لأكثر من 30 مجلة.
> كيف يعمل اللقاح داخل الجسم؟ من خلال الشراكة التي تمت بين الشركتين بيونتيك وفايزر تم تطوير واختبار لقاح فيروس كورونا المسمى BNT162b2 وأظهرت التجارب السريرية أن له معدل نجاعة تصل نسبته 95 في المائة في الوقاية من كوفيد – 19. تحتوي كل قنينة من اللقاح على 5 جرعات كل منها 0.3 مليلتر. يجب إذابة اللقاح قبل الحقن وتخفيفه بمحلول ملحي. بعد التخفيف يجب استخدام القارورة في غضون ست ساعات.
مراحل عمل اللقاح
وفيما يلي نستعرض مراحل عمل اللقاح، وفقاً للبروفسور/ فلوريان كرامار، وهي كالتالي:
> البروتينات الشائكة لفيروس كورونا. إن البروتينات الشائكة (spike proteins) التي يحتوي عليها فيروس SARS – CoV – 2 ويستخدمها لدخول الخلايا البشرية تشكل هدفًا مغريًا للقاحات والعلاجات المحتملة. وهذا اللقاح، مثله مثل لقاح موديرنا Moderna، يعتمد على التعليمات الجينية للفيروس لبناء البروتين الشائك.
> الرنا المرسال (mRNA). يستخدم اللقاح الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) للفيروس، وهو هش ويمكن أن يتم تقطيعه إلى أجزاء بواسطة إنزيمات الجسم الطبيعية إذا تم حقنه مباشرة في الجسم. ولحماية اللقاح، تقوم الشركة المصنعة بلف الرنا المرسال في فقاعات زيتية مصنوعة من جسيمات نانوية دهنية. وبسبب هشاشته، أيضا، سوف تنهار جزيئات الرنا المرسال بسرعة في درجة حرارة الغرفة، وعليه يتم بناء حاويات خاصةً بها ثلج جاف، وأجهزة استشعار حرارية، وأجهزة تعقب GPS لضمان إمكانية نقل اللقاح عند 70 درجة مئوية تحت الصفر (- 94 درجة فهرنهايت) ليبقى صالحا وقابلا للتطبيق.
> دخول الخلية. بعد الحقن، تصطدم جزيئات اللقاح بالخلايا وتندمج فيها، مما يؤدي إلى إطلاق mRNA وتقرأ جزيئات الخلية تسلسل الحمض، وتبني البروتينات الشائكة spike proteins فيتم تدمير mRNA من اللقاح في نهاية المطاف بواسطة الخلية دون ترك أي أثر دائم. تشكل بعض البروتينات الشوكية طفرات أو شوكات تهاجر إلى سطح الخلية وتلتصق بأطرافها. تقوم الخلايا الملقحة أيضًا بتفكيك بعض البروتينات إلى أجزاء، والتي تظهر على سطحها. يمكن بعد ذلك التعرف على هذه النتوءات البارزة وشظايا البروتين المرتفع بواسطة جهاز المناعة.
> اكتشاف الدخيل. عندما تموت الخلية الملقحة، يحتوي حطامها على العديد من البروتينات الشوكية وشظايا البروتين، والتي يمكن بعد ذلك تناولها بواسطة نوع من الخلايا المناعية يسمى الخلية المقدمة للمستضد (antigen – presenting cell).
تظهر على سطح الخلايا شظايا من البروتين الشائك، تكتشفها خلايا أخرى تسمى الخلايا التائية المساعدة (helper T – cells)، وهي التي تدق ناقوس الخطر طالبة المساعدة لحشد الخلايا المناعية الأخرى لمحاربة العدوى.
> صنع الأجسام المضادة. الجسم المضاد (Antibody): هو بروتين ينتجه الجهاز المناعي ويمكن أن يلتصق بمسببات الأمراض مثل فيروس كورونا ويمنعه من إصابة الخلايا. هناك خلايا مناعية أخرى تسمى الخلايا البائية (B – cells) تصطدم بطفرات أو شوكات فيروس كورونا والشظايا البروتينية على سطح الخلايا الملقحة. في البداية تحاول الخلايا البائية أن تقوم بمحاصرة البروتينات الشوكية، وبعد ذلك يبدأ تنشيط هذه الخلايا البائية بواسطة الخلايا التائية المساعدة، وعندها ستبدأ في التكاثر وإخراج الأجسام المضادة (antibodies) التي تستهدف البروتين الشائك.
ذاكرة مناعية
> تدمير الفيروس. إن دور الأجسام المضادة هو الالتصاق بطفرات أو شوكات فيروس كورونا التاجي، وتمييز الفيروس كهدف للتدمير ومنع العدوى عن طريق منع التصاق شوكات الفيروس بالخلايا الأخرى.
> قتل الخلايا المصابة. يمكن للخلايا المقدمة للمستضد أيضًا أن تقوم بتنشيط نوع آخر من الخلايا المناعية يسمى الخلية التائية القاتلة (killer T – cell)، وهذه بدورها تقوم بالبحث عن أي خلايا مصابة بعدوى فيروس كورونا، وتعرفها من شظايا البروتين الشائك الموجود على أسطحها، فتدمرها.
> ذاكرة المناعة. نظرًا لأن اللقاح جديد جدًا، ولا يعرف الباحثون إلى متى قد تستمر حمايته، وأيضا من المحتمل أن ينخفض عدد الأجسام المضادة والخلايا التائية القاتلة في الأشهر التي تلي التطعيم، عليه فإن لقاح Pfizer – BioNTech يتطلب إعطاء حقنتين في جرعتين، يفصل بينهما 21 يومًا، والهدف هو تنشيط جهاز المناعة جيدًا بما يكفي لمحاربة فيروس كورونا. وقد وجدت دراسة أولية أن اللقاح يبدو أنه يوفر حماية قوية بعد حوالي 10 أيام من الجرعة الأولى، مقارنة بالأشخاص الذين يتناولون دواءً وهميًا. ولا ننسى أن الجهاز المناعي يحتوي أيضًا على خلايا خاصةً تسمى خلايا الذاكرة بي (memory B – cells) وخلايا الذاكرة تي (memory T – cells) والتي تحتفظ بمعلومات حول فيروس كورونا لسنوات أو حتى عقود.
* استشاري طب المجتمع