عادت هتافات الثورة لتنطلق من حناجر آلاف السودانيين، وداعبت أحلام إعادة «اعتصام القيادة العامة» مشاعر الكثيرين الذين سمحت لهم السلطات بالتظاهر والاقتراب من القصر الرئاسي، استجابة لدعوات متعددة ومتابينة لتسيير مواكب احتجاجية بمناسبة الذكرى الثانية للثورة الشعبية التي انطلقت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأفلحت في إسقاط نظام «الإخوان المسلمين» في أبريل (نيسان) 2019.
واحتشد الآلاف في عدد من مناطق ومدن البلاد المختلفة، وشهدت مدن «عطبرة، مدني، القضارف، كسلا»، تجمع العشرات من المنادين بإصحاح مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها، ومن المنادين بإسقاط الحكومة الانتقالية، وعزل العسكريين في السلطة الانتقالية.
وفي العاصمة الخرطوم، تجمع الآلاف في عدد من أحياء المدينة، واتجهوا نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم، وعلى امتداد «شارع القصر»، قادمين من جنوب الخرطوم، فيما احتشد الآلاف قرب مبنى البرلمان في مدينة أم درمان.
ودعا الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين الموالي له، بادئ الأمر لمواكب مليونية لإسقاط الحكومة الانتقالية، بيد أنه تراجع عن دعوته لإسقاط الحكومة، وتبنى شعارات تطالب بتصحيح مسيرة الانتقال، فيما طالب محسوبون على نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بإسقاط حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وقالت المتظاهرة «روما» – هكذا أطلقت على نفسها – إنها خرجت للتظاهر لتحقيق مطالب الثورة، والثأر لشهداء الثورة وفض الاعتصام، وضد ما سمته هيمنة العسكريين على السلطة الانتقالية، وأضافت: «هذه رسالة نقول من خلالها لمن في السلطة ما زلنا متيقظين لحماية ثورتنا»، وتابعت: «عن نفسي لا أريد إسقاط الحكومة، لكني أرى أنها عسكرية، ورموز النظام المعزول ما يزالون موجودين، لم يتغير شيء».
وردد المحتجون شعارات متباينة، بعضهم استعاد شعار الثورة السودانية الأثير: «تسقط… تسقط… بس»، وبعضهم هتف للشهداء «دم الشهيد دمي»، وطالب آخرون بإسقاط العسكريين في الحكومة، فيما هتف البعض ضد حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مطالبين بإسقاطها، وتمسك آخرون بدعم الحكومة الانتقالية حتى تحقيق أهداف الثورة.
وقال الشاب عبد الله علي عباس لـ«الشرق الأوسط»، إن اليوم احتفال كبير بمناسبة ذكرى استقلال السودان، وذكرى انطلاق ثورة ديسمبر 2018، يهدف لتحقيق أهداف الثورة، وعلى رأسها الثأر للشهداء، وأضاف: «من قدمناهم والحكومة التي أتينا بهم لم تثأر لهم»، وتابع: «دم الشهداء أصبح أرخص من غالون البنزين».
وطالب بتحقيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وتعهد بتحقيقيها «عبر السلمية»، وقال: «لن نتنازل عن سلميتنا رغم فشل الحكومة في تحقيق مطالب الثورة والثوار».
وانحصرت مطالب المحتجين، بين إسقاط الحكومة الحالية، وتكوين حكومة جديدة تحقق أهداف الثورة، والثأر للشهداء، وتسليم المدانين في جرائم الحرب في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، وإكمال هياكل الحكم الانتقالي، وعلى وجه الخصوص المجلس التشريعي، وفض الشراكة بين العسكريين والمدنيين، وتسريع محاسبة رموز النظام المعزول، ورفض «مجلس شركاء الانتقال» المكون من قوى الحرية والتغيير وشركاء السلام والعسكريين الذي تكون حديثاً.
وللمرة الأولى في تاريخ الاحتجاجات السودانية، لم تغلق الشرطة الطرقات، ولم تعتد بالضرب على المحتجين، أو استخدام الرصاص أو الغاز المسيل للدموع، بل وسمحت لهم بالاقتراب من القصر الرئاسي في قلب الخرطوم.
وكانت السلطات الأمنية قد أصدرت تعليمات مشددة لأفرادها بعدم الاعتداء على المحتجين، استجابة لتعليمات أصدرها النائب العام تاج السر الحبر، بمنع استخدام الرصاص والغاز المسيل للدموع غداة انطلاق الدعوات للتظاهر بمناسبة الذكرى الثانية للثورة الشعبية التي أسقطت نظام الإسلاميين.
وكان الحبر قد عقد أول أمس اجتماعا مع وزراء الداخلية والحكم المحلي، ووالي الخرطوم، وقيادات الشرطة، وطلب منهم تأمين المواكب، وذكرت النيابة العامة أن الحبر منع استخدام الرصاص أو الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات السلمية، معتبرا التعبير السلمي وتقديم المطالب لجهات الاختصاص حقا مكفولا بالقانون.
وأمر النائب العامة وكلاء النيابة بمرافقة قوات الشرطة التي تؤمن المواكب، والتنسيق مع اللجان الميدانية، لمنع الأجهزة الأمنية من استخدام القوى المفرطة تحت أي ظرف من الظروف.