أثار قرار العفو الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن عناصر في شركة «بلاك ووتر» الأمنية متورطين في قتل مدنيين عراقيين، حفيظة واستياء جهات حكومية سياسية وحقوقية عراقية ودولية، تمسكت بموقفها الرافض للقرار ومطالبتها بالتراجع عنه.
كان عناصر الشركة المذكورة فتحوا النار على مدنيين عراقيين في ساحة النسور ببغداد، منتصف سبتمبر (أيلول) 2007، وقتلوا 14 منهم بذريعة أنهم اشتبهوا في كونهم من الجماعات المسلحة التي كانت تنشط باستهداف القوات الشركات الأمنية الأميركية التي كانت تحتل البلاد حينذاك.
وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أول من أمس، عفواً عن أربعة من عناصر الشركة المدانين، كان القضاء الأميركي أصدر بحقهم أحكاماً بالسجن لفترات طويلة. وقالت وزارة الخارجية العراقية، في معرض تعليقها على قرار العفو، إن «القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأميركية المُعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم». وأكدت الخارجية، أنها «ستعمل على متابعة الأمر مع حكومة الولايات المتحدة عبر القنوات الدبلوماسية لحثها على إعادة النظر في هذا القرار».
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف، أمس (الخميس) «الدم العراقي والكرامة أولوية قصوى، ولا يمكن لهذه الحادثة أن تغيب عن وجدان الشعب العراقي، وكلنا يتذكرها بألم، ونرى أن أولويات وزارتنا هي متابعة القرار، لإعادة النظر حوله». وأشار إلى أن «الدائرة القانونية في مركز الوزارة، كانت قد تابعت هذا الملف طيلة السنوات الماضية، وبالتنسيق مع الجهات الوطنية العراقية وسفارة العراق في أميركا». واعتبر الصحاف أن «قرار ترمب يأتي مغايراً ومجانباً لكل المقدمات التي أثبتت في مسرح الجريمة، والتهم التي وجُهت إلى هؤلاء الأفراد».
من جانبها، طالبت نقابة المحامين العراقيين، أمس (الخميس)، بجهد حكومي جاد وبالتعاون مع مفوضية حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية، من أجل تحقيق مساءلة دولية لمرتكبي الجرائم الدموية ضد الشعب العراقي وضمان تعويضات عادلة طبقاً للقانون الدولي. وقالت النقابة في بيان، إن «قرار ترمب بالعفو عن قتلة عراقيين، انتهاك للعدالة والحقوق في تصرف يعبر عن عدم الاحترام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومبادئ العدالة وقواعدها». وأضافت أن «جريمة ساحة النسور تعد واحدة من العديد من الجرائم الدموية التي نالت أبناء الشعب العراقي منذ وقوع الاحتلال الأميركي – البريطاني، وجود القوات العسكرية المحتلة على أرض العراق وما لحق به من شركات أمنية أجنبية متعاونة معه، ومنها شركة (بلاك ووتر) سيئة الصيت». وطالبت بـ«جهد حكومي جاد وبالتعاون مع مفوضية حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والإنسانية من أجل تحقيق مساءلة دولية لمرتكبي الجرائم الدموية ضد أبناء شعب العراق وضمان تعويضات عادلة طبقاً للقانون الدولي، والتصدي لكل الطرق القانونية المتاحة لوقف قرار الرئيس الأميركي من التنفيذ».
ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي «بكل تأكيد قرار الرئيس الأميركي استهانة بدماء ومشاعر العراقيين الذين كانوا ضحية للصراعات الإقليمية والدولية دائماً». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «المؤسف أن الموقف العراقي ضعيف حيال هكذا جرائم، قضية قتل العراقيين تبنتها المحاكم الأميركية وأدانت المجرمين الذين اعترفوا بذلك، ومنهم من أدين بتهمة القتل العمد، لكن الاستخدام السيئ للسلطة من قبل الرئيس الأميركي هو من جعلهم يفلتون من العقوبة». ويتابع البياتي «هذه القضية وغيرها، مثل الجرائم التي قامت بها القوات البريطانية في قتل وتعذيب المئات من العراقيين بين الأعوام 2003 – 2009، إضافة إلى جرائم التحالف الدولي ضد المدنيين أثناء الحرب ضد (داعش) بسبب أخطاء عسكرية، لا تلقى الاهتمام الكافي، الموقف العراقي للأسف ضعيف جداً حيال هكذا دول قوية سياسية وعسكرياً واقتصادياً».
وأعربت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مارتا هورتادو، الأربعاء، عن «القلق البالغ» إزاء قرار الرئيس الأميركي. وقالت هورتادو، في بيان نشر على الموقع الرسمي للمفوضية «نشعر بقلق بالغ إزاء قرارات العفو الأخيرة التي أصدرها رئيس الولايات المتحدة، عن 4 من موظفي شركة بلاك ووتر العسكرية الخاصة، وإن العفو عنهم يعزز الإفلات من العقاب ويشجع الآخرين على ارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل». وأدان ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، قرار الرئيس الأميركي وطالب الإدارة الأميركية بمراجعة قرار العفو عن المتورطين في مجزرة «بلاك ووتر».