مع عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، دب نشاط لدى صحف وإذاعات محلية ومراسلين لوسائل إعلامية عربية وغربية، وباتت العاصمة اليمنية المؤقتة ملاذاً صحافياً تتنفس فيه الصحافة التي باتت مخنوقة في صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين.
أغلق الحوثيون كل وسيلة إعلامية لا تروج لمشروع الجماعة الطائفي في اليمن. وفتحت في المقابل محطات إذاعية محلية تروج لذلك المشروع، ومنعت القلة المتبقية من الإذاعات الخاصة من تناول أي قضايا سياسية أو اجتماعية.
ووفق أحمد، وهو صحافي يمني يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، فإن القيود التي فرضتها الميليشيات وصلت مستويات لم تعرفها البلاد منذ ثلاثة عقود. يقول الصحافي، الذي اختار الاسم الرمزي «أحمد» خشية بطش الميليشيات، «يطلب من العدد المحدود جداً من المراسلين الموجودين في مناطقها عدم التحرك أو القيام بأي عمل صحافي إلا بموافقة مسبقة من وزارة إعلامهم (أي الحوثيين) وشرط أن يرافق الصحافيين أحد العناصر الأمنية الحوثية للتأكد من المقاطع التي سيصورونها، هذه القيود لم تكن كافية، بل تعدتها إلى استحداث مجموعة من قادة الحوثيين، وتحت إشراف أحمد حامد مدير ما يسمى (مكتب الرئاسة) مكتب خدمات إعلامية يتولى إنتاج وبيع المواد التلفزيونية للمحطات والوكالات الإخبارية العالمية».
يقول عبد الله، وهو أحد المراسلين المحليين، إن العناصر الأمنية ألزمتهم تقديم طلب مسبق بنوعية العمل الصحافي الذي يريدون تنفيذه، ليحصلوا على الموافقة، ويبلغون أجهزة الاستخبارات للسماح لهم بالعمل، ولكن هذه العناصر تقوم أولاً بتأخير الموافقة عدة أيام، وفي الوقت ذاته تقوم بسرقة بعض الأفكار وتنفذها وتبيعها لمحطات تلفزيونية أو وكالات إخبارية، معظمها لا تمتلك مراسلين هناك، وبعد ذلك تقوم بإعطاء الموافقة ما يجعل المراسل غير قادر على تنفيذ العمل، لأن وكالات أو محطات تلفزيونية سبقت في بث القصة.
في المقابل بدأت الصحف اليمنية استعادة أنفاسها في عدن بعد سنوات على إغلاق ميليشيات الحوثي كل وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة، ومكاتب وسائل الإعلام الدولية، حيث تشهد المدينة عودة صحف مستقلة، وظهور إذاعات محلية، كما أن عدداً من وسائل الإعلام العربية والدولية تواصل عملها من العاصمة اليمنية المؤقتة.
ورغم الضربة التي وجهتها الميليشيات الحوثية للتجربة الصحافية الحديثة في اليمن، بإغلاق كل الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية، ومعها فر غالبية عظمى من الصحافيين من مناطق سيطرة الميليشيات، فإن مدينة عدن أعادت احتضان عدد من وسائل الإعلام، كما يعمل مراسلون لوسائل إعلام خارجية من هناك إلى جانب صحف ومحطات إذاعية وتلفزيونية كانت تصدر في المدينة، أو أعيد إصدارها، بعد أن نقلت مكاتبها الرئيسية.
يقول حسين باسليم نائب وزير الإعلام اليمني لـ«الشرق الأوسط»، إن دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 كان بداية النهاية للحريات الصحافية في اليمن، الذي شهد انفتاحاً غير مسبوق، إذ سيطر الحوثيون على الوسائل الإعلامية التابعة للدولة؛ 5 قنوات وإذاعات مركزية ومحلية ومؤسسات صحافية ووكالة أنباء، فضلاً عن التضييق على الصحف المستقلة والحزبية والخاصة والمواقع الإخبارية، قبل أن يسيطروا عليها بشكل كامل وتشريد من كان يعمل فيها إلى الشوارع، بل وسجن البعض منهم وإخفاء البعض الآخر.
ويضيف أن وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية استمرت في توفير مناخات واسعة للجميع تسهم في مزيد من الحريات والإصدار الصحافي وحرية العمل الإعلامي وحماية حقوق الصحافيين، «حتى وإن حدثت بعض الإشكاليات هنا أو هناك فهي ناجمة، إما عن طريق الخطأ أو ضعف في أداء بعض الأجهزة المعنية بذلك».
ويؤكد النائب أن وزارة الإعلام اليمنية التابعة للحكومة الشرعية «لم تتدخل بالمطلق في السياسة التحريرية، أو في إيقاف أي صحيفة أو قناة تلفزيونية أو إذاعة مسموعة أو موقع إلكتروني طيلة السنوات الماضية من الحرب وحتى يومنا هذا، رغم الأوضاع المدمرة التي نجمت عن هذه الحرب».