في الوقت الذي يترقب فيه السودانيون بقلق وتوتر تشكيل الوزارة الانتقالية الجديدة، التي تعثر تكوينها لقرابة نصف العام، بسبب خلافات بين مكونات المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، والتي يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ظلت سبع وزارات سيادية وخدمية يديرها وزراء مكلفون للفترة الماضية، وأبلغ مصدر بالمجلس السيادي «الشرق الأوسط» أن الأسماء المقترحة للوزارة الجديدة تخضع الآن للفحص الأمني.
وتم تكوين الوزارة الحالية من مجموعة «تكنوقراط مستقلين»، استجابة لمطالب الثوار، بالنأي عن «المحاصصات الحزبية» خلال الفترة الانتقالية، لكن عددا كبيرا من الوزراء واجهوا انتقادات حادة، ومطالبات من قادة الثوار بإقالتهم، تحت ذريعة فشلهم في إنفاذ مهام الانتقال.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعفى رئيس الوزراء السوداني سبعة من وزرائه، بما فيهم وزيرا الخارجية والمالية، وكلف الوكلاء ووزراء الدولة، بالقيام بمهام الوزراء لحين تعيين وزراء من قبل المرجعية السياسية الممثلة في «قوى إعلان الحرية والتغيير»، بيد أن الأطراف أرجأت تسمية الوزراء البدلاء بانتظار شركاء السلام الذين وقعوا اتفاق جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ونصت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والموقعة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، وبموجبها تم تكوين مجلس سيادي من 5 عسكريين و5 مدنيين، وآخر يتم التوافق عليه بالتشاور، ومنحت الحرية والتغيير سلطة تشكيل الوزارة، على أن يختار العسكريون وزيري الدفاع والداخلية من بينهم، وما نسبته 66 في المائة من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي، وأن يتم اختيار النسبة المتبقية بالتشاور بين العسكريين والمدنيين. وبعد توقيع اتفاقية سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء تنظيم «الجبهة الثورية»، تم تعديل الوثيقة الدستورية، ونسب تقاسم السلطة بين شركاء الانتقال، بزيادة 3 أعضاء للمجلس السيادي يمثلون «شركاء السلام»، و7 وزارات في الجهاز التنفيذي، وأن يصبح عدد الوزارات 26 وزارة، و75 عضواً في المجلس التشريعي البالغ عضويته 300 عضواً.
وتواجه الحكومة الحالية انتقادات حادة نتجت عن التدهور الاقتصادي بالبلاد، والغلاء الطاحن وندرة السلع الرئيسية مثل الخبز والمحروقات، في وقت تتهم فيه بالفشل في محاسبة رموز النظام السابق، وتقديم المتهمين بجرائم قتل المتظاهرين للمحاكمة، وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي.
وحملت المرجعية السياسية «قوى إعلان الحرية والتغيير» المسؤولية للتكنوقراط الذين تم تكليفهم بمهام إدارة الدولة، وبناء على ذلك أعلنت مجموعة الأحزاب المكونة للتحالف الحاكم، ترشيح «سياسيين حزبيين» لتولي مهام الوزارة في الحكومة الجديدة.
ومنذ أشهر دخلت الحرية والتغيير في نزاعات بينية، على تقاسم السلطة، ما أدى لتأخير تكوين الوزارة الجديدة، وبعد تأخير قارب نصف العام، وتكاثف الضغوط الشعبية، أعلن مجلس الشركاء «مصفوفة» جديدة يتم بموجب مواقيتها تشكيل الوزارة، ونصت على تشكيل مجلس الوزراء في 5 فبراير (شباط) المقبل، تعيين حكام الولايات 11 فبراير وإجراء تعديلات في عضوية مجلس السيادة في ذات التاريخ، ثم الفراغ من تشكيل المجلس التشريعي «البرلمان الانتقالي» في 25 فبراير المقبل.
ورشحت الحرية والتغيير 51 سما لسبع عشرة وزارة 3 لكل واحدة، ليختار منهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك واحدا، بينما رشحت الجبهة الثورية 7 مرشحين لوزاراتها السبع، على أن يختار العسكريون في مجلس السيادة وزيري الدفاع والداخلية. وحصد حزب «الامة القومي» والجبهة الثورية حصة الأسد في الحكومة الجديدة التي يتوقع ان تعلن غدا.
وينتظر أن يبقي رئيس الوزراء على بعض الوزراء الحاليين، وأبرزهم وزير الري ياسر عباس، ووزير العدل نصر الدين عبد الباري، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح.
وبتكوين الحكومة الجديدة، ستعلن للملأ حكومة «محاصصات» حزبية، لتواجه اقتصاداً منهارا تماماً يدور بسببه سعر صرف الجنيه السوداني لمستويات مسبوقة، وتضاعفت أسعار السلع مئات المرات، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً على أداء الحكومة الانتقالية، ورفضاً عريضاً لـ«المحاصصة» الحزبية، ولا يدري أحد إلى أين ستقود «حكومة الأحزاب» البلاد في مقبل الأيام.