الحياة، الحركة، العمل، وجمال الطبيعة والزراعة… بعض مما يجسده الفنان الشاب إبراهيم خطاب في أحدث أعماله، إلّا أنه لا يتناول شيئاً من ذلك مما يدور على سطح الأرض إنما ينقل لنا ما يحدث في «حقول السماء»، فيصحبنا لنتجول معه داخلها حسب رؤيته الخيالية الفلسفية، وذلك من خلال لوحاته في المعرض الذي يستمر حتى 18 فبراير (شباط) في غاليري «سفر خان» بالزمالك.
تحمل لوحات المعرض الثلاثين احتفاءً بارزاً بالسماء، فتقدم مشاهد درامية تحمل واقعية المفردات والسرد، لكن مع انتقاء خيالي للمكان، وهو السماء، تأثراً من الفنان بمكانتها المتفردة لدى المصري القديم، ويقول : «عند تناول السماء حسب حضورها في حضارتنا القديمة يمكن التطرق لعدة أبعاد، من أهمها ما يتعلق بالتقويم الفلكي، حين رصد المصريون القدماء حركة النجوم داخل التوابيت، وأطلقوا عليها اسم (الحقل العظيم) انطلاقاً من أنّها تمثل النسخة الثانية من حقول الأرض، لكنّها نسخة غير مرئية، ومثلما تتعدد حقول الأرض وأنواعها ومساحاتها وحصادها، فإنّ الأمر كذلك بالنسبة لحقول السماء أو الجنة التي تسكنها النجوم»، حسب وصفه.
وبسبب خصوصية مكانتها هذه، يشاهد زائر المعرض الذي يأتي تحت عنوان «حقول السماء» بين ثنايا اللوحات شخوصاً غير واضحة في تفاصيل جسدها وملامحها على السواء، وإن كانت تتشابه مع رسوم الناس على الجداريات الفرعونية.بل قد يشعر المتلقي بـ«روح مصر» نفسها، لا سيما عند تأمل الاحتفاء البارز بأعمال الزراعة باللوحات، فالشخوص مستغرقون في نثر البذور أو رعاية النبات أو حصد المحاصيل في مشاهد مهيبة ترسخ قدسية وعظمة مفهوم العمل لديهم، بينما تحتل الحيوانات التي تنتشر في الريف، وتُعرف باسم «صديقة الفلاح المصري» مساحة كبيرة على مسطح اللوحات، التي تزدان كذلك بالأشجار والبيوت وأدوات الفلاحة والحركة ليكتمل الإحساس بنبض الحياة وثراء مفرداتها، بينما يسودها اللون الأخضر انطلاقاً من أن «مصر هي المكان الذي تتزينه الحقول الخضراء والجنات».
ووسط الشخوص والعناصر المختلفة للوحة، تطل علينا خطوط وحروف عربية، تأكيداً لتنوع الحضارات في مصر، وهو انعكاس أيضاً لممارسة خطاب للفن منذ طفولته، حيث كان يصمم لوحات إعلانية في شوارع القاهرة معتمداً على إجادته لفن الخط العربي، مما أشعل شغفه بالخط الذي يمثل عنصراً مهماً في مجموعة أعماله منذ عام 2007.
يقول خطاب: «الحرف هو عشقي الأول فهو مدخلي للفن التشكيلي منذ طفولتي، وسبقني إلى ذلك كبار الفنانين العرب والعالميين»، لافتاً إلى أن «كلاً من الخط العربي واللغة وكذلك الفن التشكيلي بينهم ترابط قوي».يعد المعرض استمراراً لتجربته الفنية، القائمة على محرك رئيسي هو بحسب تعبيره «الحياة المصرية بكل ما فيها»، لكن أكثر ما يستهويه فيها لون الحقول والزراعة والحركة، ويوضح: «لأن مصر هي الأرض والإنسان فقد جاءت أعمالي لتجسد الريف وجمالياته، فالريف هو مصدر إلهامي الأساسي، أما اللون في الريف المصري على وجه التحديد فهو بالنسبة لي باعث للهدوء والحياة، ولا أعني بذلك لون الحقل وحده، إنما ألوان الجدران كذلك»، ويتابع: «هي غنية بطبقات اللون وعوامل الزمن، وتنوع الرموز والدلالات الثقافية، وكأن الفلاحين قد ورثوا عن أجدادهم التدوين على الحوائط، على غرار تدوين طقوس الاحتفالات مثل الحج ويوم العرس، ولكل لون رمز ولكل مناسبة دلالة خاصة بها».
نشأ الفنان في قرية الشوبك الغربي «على أطراف محافظة الجيزة حيث تركت الحضارة المصرية القديمة آثارها وتأثيرها على المكان والناس، وتركت بصمات واضحة على جدار وجدان كل من يقطنها، بحسب خطاب الذي يؤكد أن «البعض يعتقد أن التأثير الأكبر للحضارة الفرعونية يقتصر على أبناء الجنوب، لكن ذلك ليس صحيحاً، فثمة أماكن أخرى بمصر، بل في العالم قد تشربت طغيان حضورها واستمرار تأثيرها على الفن والثقافة والنفس».إبراهيم خطاب مدرس التصوير بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، تمتد ممارسته عبر وسائل الرسم وفن الفيديو والتركيب، وقدم أعماله على نطاق واسع في معارض جماعية وفردية في مصر والسويد وجنوب أفريقيا.
وقد يهمك أيضًا:
فاطمة العرارجي تحاور بفرشاتها الإنسان والمكان والزمان
افتتاح غاليري "ارتيستا" للفنانة التشكيلية لمياء منهل في دبي