تلقّت الأوساط السياسية ونشطاء الحراك في الجزائر إشارة سلبية من الرئيس عبد المجيد تبون بعد اختياره التسعيني صالح قوجيل، رئيساً لـ«مجلس الأمة»، وهو منصب يتيح لشاغله موقع الرجل الثاني في الدولة. وعدّ مراقبون ذلك تناقضاً في مواقف رئيس البلاد، الذي تعهد بـ«بناء جزائر جديدة»، وشجّع الأسبوع الماضي الشباب على الترشح لانتخابات البرلمان المنتظرة قبل نهاية العام. وتولى قوجيل منذ مطلع 2020 رئاسة «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) بالنيابة، خلفاً لعبد القادر بن صالح الذي استقال لأسباب صحية. وتمت تزكيته كرئيس لهذه المؤسسة بعدما ترشح للمنصب وحيداً. وعبّر بعض أعضاء «المجلس» منذ أيام قليلة عن رغبتهم في منافسته، لكنهم انسحبوا في النهاية لاقتناعهم بأن تثبيته في المنصب مسألة حسمت فيها رئاسة الجمهورية.
وينتمي قوجيل لـ«الثلث الرئاسي» في «مجلس الأمة»، وهي مجموعة تتكون من 47 برلمانياً، يختارهم الرئيس لدعم سياساته والقوانين التي تعدّها حكومته.
وقد استفاد قوجيل من دعم قوي لأعضاء البرلمان من حزبي «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، اللذين كانا ركيزتي حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وهو ما اعتبر أيضاً إشارة سلبية أخرى باتجاه العمل السياسي، الذي يفترض أنه تخلّص من كل ما يرمز للمرحلة السابقة.
ويعدّ قوجيل، الذي ولد في يناير (كانون الثاني) 1931، من قدامى المحاربين في ثورة الاستقلال (1954 – 1962)، وتولى منصباً وزارياً في نهاية سبعينيات القرن الماضي. كما يعد أحد رموز الحزب الواحد سابقاً «جبهة التحرير الوطني»، الذي طالب الحراك الشعبي بحلّه، بحجة أنه مسؤول عن تفشي الفساد في البلاد. وقد سجن القضاء أمينين عامين لهذا الحزب، زيادة على عدة برلمانيين ووزراء ينتمون له، وذلك بتهم فساد، من بينها دفع رشى لشراء مقاعد في البرلمان خلال انتخابات 2017.
ووصف قوجيل الانتخابات التشريعية والمحلية المبكرة التي ستخوضها بلاده قريباً، بـ«المحطة المهمة في استكمال هذا البناء المؤسسي، الذي من شأنه المساهمة في مواجهة جل التحديات».
مبرزاً «أن الديمقراطية الحقيقية تعد مناعة للجزائر التي ستبقى واقفة لمواجهة مختلف التحديات»، وأن «الجزائر قدمت مثالاً يقتدى به في مجال الديمقراطية متحدية بذلك أعداءها بالداخل والخارج».
وعبّر أبرز نشطاء الحراك بحساباتهم بشبكة التواصل الاجتماعي عن استياء بالغ لتثبيت قوجيل، كرجل ثانٍ في الدولة، واعتبروا ذلك إشارات سلبية على توجهات الرئيس بشأن بناء «جزائر جديدة»، يعطى فيها للشباب الكوادر فرصة تسيير أهم الهيئات، وهو ما جاء في تعهدات تبون خلال حملة انتخابات الرئاسة، التي جرت في نهاية 2019.
وكان الرئيس تبون قد صرح الأسبوع الماضي بأنه سيطلق ترتيبات إنشاء «مجلس أعلى للشباب»، استحدثه الدستور الجديد. كما قال إن الدولة ستغطي نفقات الحملات الانتخابية للشباب، الذين سيترشحون للانتخابات البرلمانية المرتقبة، وأعلن في المناسبة نفسها عن حل البرلمان، مبرزاً أن ذلك «يستجيب لمطالب الحراك».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الرئاسة عن اختيار 14 عضواً لشغل مقاعد في الحصة، التي تعود للرئيس (47 عضواً)، بالغرفة البرلمانية الثانية، كانت شاغرة بفعل انتهاء مدة الولاية المقدرة بست سنوات. ومن أشهرهم ليلى عسلاوي وزيرة الشباب والرياضة في بداية تسعينيات القرن الماضي، التي عرفت بعدائها للإسلاميين عندما كانوا في أوج قوتهم.