أصدر رئيس الوزراء الليبي المكلف، عبد الحميد دبيبة، أكثر من تصريح ليؤكد فيه أن عملية اختيار السلطة الجديدة تمت بـ«نزاهة»، وذلك بعد نشر مقتطفات من تقرير أممي تحدث عن وجود رشاوى، عرضت على أعضاء بملتقى الحوار السياسي الليبي، لتعزيز حظوظه بالفوز بمنصب رئيس الحكومة. إلا أن سياسيين ونشطاء ليبيين اعتبروا هذه التصريحات غير كافية لتطمين الليبيين، وحذروا من تأثيرات سلبية قد تطول النخبة السياسية، جراء انتشار حالة التشكك والإحباط الراهنة.
تقول فيروز النعاس، الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية: «الشارع الليبي وتحديداً الشباب، الذي عزف طويلاً عن السياسة، انتقل فجأة من حالة التفاؤل المفرط، بعد اختيار سلطة تنفيذية جديدة وتكليفها بتوحيد مؤسساته، إلى حالة من الإحباط، إثر انتشار أخبار تفيد بأن التقرير الأممي يقر بوجود شبهات فساد».
وفرقت النعاس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بين تيارين ظهرا في الشارع الليبي بعد نشر مقتطفات من التقرير؛ «الأول سارع إلى إصدار أحكام مسبقة بوجود فساد مالي أحاط بعملية اختيار السلطة، وانطلق من هذه النقطة لمهاجمة النخبة السياسية برمتها، وتحميلها مسؤولية كل ما حدث».
أما التيار الثاني، فقد «فضل التريث لحين نشر النص الكامل للتقرير في الـ15 من الشهر الجاري لمعرفة الحقائق بدقة، وتحديد الأسماء المتورطة»، حسب النعاس التي حذرت من غلبة التيار الأول، «لأنه يعمد دائماً إلى إذكاء أجواء التذمر بالشارع، دون محاولة لتقليل الخسائر إذا ثبتت بالفعل صحة مزاعم الفساد»، مطالبة الشباب «بغض النظر عن نتائج التقرير، بعدم الانسحاب من العمل السياسي والميداني، والوجود بالأحزاب السياسية لاكتساب الخبرة، ثم الانطلاق لتكوين مؤسساتهم، أو الدفع لاختيار من يمثلهم لضمان مستقبل أفضل للبلاد».
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد ذكرت، نهاية فبراير (شباط) الماضي، أنها اطلعت على تقرير «لم ينشر بعد»، ومن المقرر تقديمه إلى مجلس الأمن في مارس (آذار) الجاري، وأن خبراء الأمم المتحدة «اكتشفوا خلال المحادثات الليبية بتونس قيام اثنين من المشاركين بعرض رشاوى، تتراوح بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار، لثلاثة أعضاء على الأقل، إذا التزموا بالتصويت لدبيبة كرئيس للوزراء».
وكنتيجة لذلك، توقع رئيس مؤسسة «بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، أن تكون مقاطعة أي استحقاق انتخابي «الرد الوحيد والأنجع الذي يملكه الشارع الليبي، وتحديداً تيار الشباب لمواجهة شبهات الفساد في اختيار السلطة الجديدة».
وقال ملوم لـ«الشرق الأوسط»: «لا قدرة للشباب، خاصة الطامحين لدخول معترك السياسة، على مواجهة أباطرة المال السياسي في البلاد… وهناك فارق كبير في المواجهة على الأصعدة كافة»، مؤكداً أن «المقاطعة لن تكون سياسية منهجية لدى الشباب، بل فقط كرسالة ورد مرحلي على حالة الإحباط، التي أصيب بها الجميع في ليبيا مؤخراً».
بدوره، اعترف عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا، سعد بن شرادة، بأن ما نشر بالتقرير المذكور أسهم في اتساع الفجوة بين الشارع ونخبته السياسية، وربما عمق الأحكام المسبقة لدى البعض بإدانة تلك النخبة وشرعنة الطعن بها، لكنه استبعد أن تكون عاملاً مؤثراً في تحديد خيارات المواطن الليبي بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وقال بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» بهذا الخصوص: «الوعي الشعبي مرتفع، والمواطن يعرف كيف يفرق بين الفاسد والمرتشي في صفوف النخبة السياسية، وبين الشريف والمسؤول منها».
أما الناشطة الحقوقية فاطمة تكروي فلخصت رؤيتها للوضع الراهن بالتأكيد على «تعرض جيلها للظلم، مع ندرة مَن يصلح لوصفه بالقدوة السياسية، والعامة وحدهم من يدفعون ثمن أي اهتزاز واشتباك سياسي في صفوف النخب السياسية»، مبرزة أن «الليبيين يدركون بفطرتهم أن انشغال هؤلاء الساسة بصراعاتهم يعني تأجيل أحلامهم البسيطة بإيجاد حياة كريمة».
وأضافت الناشطة موضحة: «عامة الشعب لا يزالون يعانون نتائج الانقسام السياسي كل يوم، ويلمسون ذلك في صعوبة التنقل من مدينة لمدينة، وقلة السيولة، وارتفاع الأسعار جراء غياب الرقابة، وانقطاع الكهرباء، فضلاً عن ارتفاع نسب الجرائم بعموم البلاد، من قتل وخطف وسرقة، وهذه المعاناة هي التي تدفع الكثير من الشباب للتفكير بالهجرة».